الإدارة الأميركية الجديدة وستراتيجية العلاقات مع كوريا الشمالية

بانوراما 2020/11/03
...

 ترجمة وإعداد: انيس الصفار

من الطبيعي في عام انتخابي أن تتجه الافكار الى جميع الطرق التي يمكن من خلالها تغيير السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأحد المسارح الذي يبدو مهيأ بشكل خاص للمراجعة والتفكير هو نهجها تجاه كوريا الشمالية.

المرشح الديمقراطي "جو بايدن" تحدث عن عملية إعادة ترتيب، لاسيما مع الحلفاء والصين، بينما تحدث الرئيس "دونالد ترامب" عن السعي الى عقد صفقة "بأقصى سرعة" إذا ما أعيد انتخابه في 3 تشرين الثاني. يبدو "التعامل" احتمالاً فعلياً، ولكن التوصل الى حوار بناء يقود الى ترتيبات اكثر استقراراً وديمومة سيتطلب انتهاج مسار محدد عند ابرام الصفقات، اساسه العمل على شكل مراحل. 
قبل التعاطي مع بيونغ يانغ مجدداً على الادارة المقبلة ان تتفهم نظرة الكوريين الشماليين الى الولايات المتحدة وكيفية تفسيرهم لمواقفها إذا ما انتهجت سياسات جديدة.
على مر العقود حاولت ادارات جمهورية وديمقراطية عديدة إقناع بيونغ يانغ بأن تحسن علاقاتها وتغير سلوكها، أصاب بعضها شيئاً من النجاح واقترب من ابرام اتفاق، ولكنها جميعاً باءت بالفشل في نهاية المطاف. 
خلال السنوات الأخيرة ساءت الأمور اكثر لأن "كيم جونغ أون" كان اقل حذراً من أبيه وجده ازاء المجازفات، وقد اثبت هذا من خلال اطلاق ما يقارب 120 صاروخاً بينها صاروخان بالستيان اطلقا من غواصتين على سبيل الاختبار نجح واحد منهما. مقارنة بذلك كان "كيم جونغ إيل"، والد كيم، قد اختبر 16 صاروخاً في حين اختبر جده "كيم إيل سونغ" 15 
صاروخاً. 
عقب آخر اختبار نووي في العام 2017 أعلنت بيونغ يانغ انها فجرت قنبلة هايدروجينية قابلة للتحميل على قذيفة بالستية عابرة للقارات. كوريا الشمالية اليوم، التي تمتلك 300 سلاح نووي، مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي لم تكن تمتلك سوى 30 سلاحاً نووياً، ثم تنامى الخطر مع تطوير بيونغ يانغ أنظمة إطلاقها وقدراتها التكنولوجية. كل ما ذكرناه يملي على الولايات المتحدة تصحيح حساباتها.
على أية ادارة جديدة قادمة ان تمارس الضغط باستخدام قنوات اقتصادية ودبلوماسية وتواصلية على دول افريقيا وشرق آسيا، حيث تواصل كوريا الشمالية نشاطاتها غير المشروعة، وذلك بهدف احراج كوريا الشمالية حد اخراجها من هناك ومنعها من جني المكاسب. يجب ان تكون الرسالة واضحة لمن يغضون النظر، تنبئهم بأنهم يعرضون انفسهم لعقوبات جدية.
على نحو ذلك يجب اعطاء الأولوية لمواجهة الانتهاكات السيبرانية التي تمارسها كوريا الشمالية نظراً لما باتت تحققه من مكاسب. من الضروري تحذير الشركات التي تتاجر بسلع مثل البترول والفحم والرمل والسلع الكمالية، بيد أن الدول المشتركة مع كوريا الشمالية في مثل هذه النشاطات يجب أن تعطى فرصة للتراجع إن كانت غافلة، أما المجهزون والموزعون الذين لا يرتدعون من تلقاء انفسهم فينبغي فرض عقوبات قانونية عليهم. كذلك الحال بالنسبة للمصارف التي تسهل عن علم تمشية الصفقات لكوريا الشمالية وتحتفظ بحسابات لشركات الواجهة، فهذه المصارف يجب فضحها ومعاقبتها. 
ينبغي ايضاً مراقبة نشاط الشحن البحري عن كثب لأن بيونغ يانغ لديها الرغبة في تطوير برامج كيميائية وبايولوجية. ارباك تجارة السلاح والتعاون العسكري مع دول معينة في الشرق الأوسط يجب ان يأخذ مكانة بارزة ايضاً في الاجندة، وكذلك العمل لقطع دابر التجارة العسكرية مع بعض دول افريقيا وجنوب شرق 
آسيا. 
على واشنطن في الوقت نفسه ان تنشط مع حلفائها في سيئول وطوكيو وكامبيرا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لمجانسة العقوبات القائمة وفرض عقوبات جديدة وتنسيق الضغط الدبلوماسي لوقف النشاطات غير المشروعة لكوريا الشمالية خارج حدودها، فسيئول وطوكيو اداتان فعالتان لانجاح هذا الاسلوب وينبغي عليهما تولي هذا المسعى. لقد حاولت بيونغ يانغ مرة تلو اخرى شق صف التحالف، ومثل هذه النشاطات يجب ألا تترك دون 
رد.
كذلك بالنسبة للاستفزازات العسكرية. فمنذ قرار مجلس الأمن الذي صدر بحق كوريا الشمالية في 2017 اطلقت بيونغ يانغ اكثر من 20 صاروخاً بضمنها اختبار ناجح لصاروخ أطلق من غواصة في تشرين الأول 2019، لكن واشنطن لم تضغط على الأمم المتحدة لاتخاذ اجراء، وهذا يبعث برسالة خاطئة الى
كيم.
ينبغي التركيز ايضاً على سجل بيونغ يانغ في مجال حقوق الانسان، وان يكون تحسين السجل جزءاً من سياسة غير قابلة للتجزئة.
تصعيد العزلة على كوريا الشمالية سياسياً واقتصادياً سيزيدها اعتماداً على الصين وروسيا لا محالة، ولاسيما الصين. قد تكون بكين قادرة على تقديم الدعم لكوريا الشمالية، ولكن ثمة أمورا تحتاج اليها بيونغ يانغ، لا يمكن ان توفرها لها سوى واشنطن. من ناحية اخرى فإن بكين تشاطر واشنطن رغبتها في تخليص شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، رغم إدراكها بأن هذا لن يتحقق في المدى القريب.
كلما دار الحديث عن بيونغ يانغ تتحدث واشنطن عن الردع، ولكن يجب ان نتذكر أن كيم لن يبادر بالضرب أبداً ما لم يتعرض للهجوم اولاً. 
يجب ان يتولى مسؤول رفيع المستوى من وزارة الخارجية مهمة الالتقاء بالنظراء الصينيين، وعلى الخبراء أن يعملوا لتوفير الدعم من كلا الجانبين لتحقيق التعامل البناء. هدف هذا الالتقاء يجب ان يتركز على وضع الخطوات باتجاه تشكيل مجموعة عمل أميركية صينية مشتركة مهمتها تدارس عملية عزل كوريا الشمالية وتشخيص مواضع انتهاكها لقرارات مجلس الأمن على الاراضي الصينية، وهذا بالتأكيد سيكون محرجاً لبكين. فإذا ما تقاعست الصين عن فرض قرارات مجلس الأمن سيترتب على واشنطن ان تعمل منفردة مع 
حلفائها.
التحدي الذي تواجهه واشنطن سوف يتمثل بإيجاد نقطة الموازنة بين الضغط والحوار. على مدى 30 عاماً كانت بيونغ يانغ تستخدم المحادثات لكسب الوقت مقابل تقديم تنازلات تكتيكية قصيرة الأمد، وهذا يجب أن يتوقف الان. التعامل الثابت على مراحل يتطلب وضع معايير واجراءات تدعم العقوبات ووسائل الضغط الأخرى من اجل جس النبض واختبار وتقييم حقيقة النوايا.
قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات يجب ان يكون الطرفان متفقين على ان هدفهما النهائي هو اخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي وتفكيك برنامج كوريا الشمالية للصواريخ البالستية. هذا الهدف سيكون عملية بناء تتكامل مرحلة بعد مرحلة، وعندما توافق بيونغ يانغ على تجميد برامجها للتسلح تجمد اية عقوبات جديدة عليها. على واشنطن ايضاً تحديد الأهداف لكل مرحلة مع تحديد وسائل التحقق من سلامة التطبيق.
المسيرة صوب اي حوار فعال سوف تتطلب موارد والتزاماً وصبراً قد يمتد لسنوات، إن لم نقل عقودا، أي أن العملية قد تتخطى عمر اية ادارة أميركية.
لذا ينبغي الشروع بخطوة ما وإلا عاد الخطر وتجدد، وعندئذ سيعود كيم الى توجيه الموارد وفق ما يراه معطياً الأولوية لبرامج التسلح، وسوف تزداد معاناة سكان كوريا الشمالية. لذلك على الإدارة الأميركية القادمة، ان تمتلك ستراتيجية فعالة محسوبة بحيث تسلط الضغط على النظام، حتى لو اقتصر الأمر على احتواء برامج أسلحة بيونغ يانغ لحين توفر الفرصة من جديد لإجراء
حوار.  
أندريا مهيلسكيو/
عن مجلة "فورن بولسي"