عن التسامح والكراهية

الصفحة الاخيرة 2020/11/07
...

حسب الله يحيى
ليس في حياة المجتمع الامثل صفة أجمل من التسامح، وليس اردأ ما في الحياة من صفه أسوأ من الحقد والكراهية، وما بين التسامح والكراهية، عالم كامل من البناء والهدم، ذلك أن مسامحتك  للآخر؛ يعني أنك تعيد بناء ما تم هدمه، وسحق وجوده وأنطفأ ألقه، بينما تعنى الكراهية، صفحة سوداء يحاول البعض الامساك بها واعتمادها سبيلاً ابدياً في مسيرة الحياة، وهذا أمر بالغ الخطورة في حياة الافراد، فكيف سيكون الحال اذا ما حصل في المجتمع؟
إنَّ تجربة رئيس جنوب افريقيا الاسبق نيلسون مانديلا (1918ـ 2013) تحمل صورة مشرقة للانسان الذي يتعامل مع الامور بحس انساني راق مع عقل راجح وتفهم عميق يفرق ما بين التسامح والكراهية .
لقد كان مانديلا سياسياً يقف على الضد من العنصرية وقضى (27) سجيناً بسبب هذا المبدأ .
ويذكر عنه، انه بعد انتخابه رئيساً للبلاد، وبعد كل هذه السنوات المرة التي قضاها بالسجن الانفرادي، لم يعمد الى الانتقام من سجانيه الذين كانوا يعاملونه معاملة خشنة ولا انسانية، يذكر انه دخل مطعماً مع أسرته، وشاهد هناك رجلاً يتناول طعامه، ويجلس في زاوية من المطعم ويحاول ان يخبئ نفسه من أنظار مانديلا، لكن مانديلا تصرف بطريقة راقية جداً، فقد بادر الى دعوة ذاك الرجل الى مائدة طعامه، واجلسه الى جانبه، كان الرجل حذراً وخائفا، يرتجف، ويتناول طعامه بخشية وحذر، وحين استاذن المغادرة، ودعه مانديلا بحفاوة .
سأل مرافق مانديلا الذي كان بمعيته: ما لهذا الرجل، كان يبدو خائفاً ومرتجفاً؟! ابتسم مانديلا وقال: كان هذا احد حراسي في السجن، وحين كان يناولني الطعام والماء، يعمد وبمبادرة منه الى القاء ادراره وفضلاته في طعامي وشرابي، تنكيلاً وكراهية ونقمة مني .
وعاد مرافق مانديلا يسأل: ولماذا لم تسجنه وتحاكمه وانت رئيس البلاد ليدفع الثمن عن تصرفه السيئ؟!
ابتسم مانديلا وقال: ما جئت الى رئاسة البلاد لأنتقم، وانما جئت لمساعدة امثال هذا الحارس لتحسين وضعه المعيشي، ولأجعله يتعلم كيف يحب وكيف ينبذ كراهية الاخرين، انا لا أتصرف مثلما كان يفعله بي، وانما سامحته، والتسامح سمة القادر لا الضعيف.
هكذا يتصرف الناس الكبار، عملاً وسلوكا وموقفا، هكذا تكون حكمة الانسان الراقي الذي يسامح الاخرين ـ  وهو القادر على الانتقام ـ ذلك ان التسامح يعني بناء الانسان وتعزيز الحياة بالمحبة والوئام والسلام وليس الانتقام والثأر والخصام الدائم .
الحياة تبنى بالتسامح والمحبة وليس بالكراهية والانتقام، فهل يمكن ان نتعامل مع الاخرين على وفق مبداً التسامح ونبذ الكراهية والانتقام والثأر؟