من قال إن الحاج زاير أميّ

ثقافة شعبية 2020/11/07
...

حمزة الحلفي 
يناهي لا تحث الجدم تنعاد
خذت روحي وبعد هيهات تنعاد
وحك الليلة البرمضان تنعاد
بالف وانته بالف ليلة عليه..
هذا النموذج من بيت الابوذية لخالد الذكر الشاعر الكبير الحاج زاير الدويج (1860 – 1919)، وينتمي هذا البيت الى جنس الغزل الذي كان يسيطر على معظم أشعاره من الدارمي والزهيري وحتى القصيدة بكل أوزانها التي غالباً ما تحمل بين أبياتها روح الدعابة والطرفة المكشوفة أو العارية.
ولو قرأنا بتمعنٍ البيت أعلاه، وحللنا جناس (تنعاد) كما يلي: في الاول (انتظر عاد)، والثاني (ارجاع الروح)، أما الثالث – كما هو واضح – هو (اي تحُسب بمثابة)، لوجدنا أنَّ الدويج أغرق في استخدام الاستعاضة الشعرية وسمى الأشياء بغير مسمياتها، وخاصة في الشطر الثالث والقفلة التي قصد بها ليلة القدر بعدَّها الليلة تأتي مرة في كل سنة من رمضان. وقارن بهذه المدة الزمنية برؤية حبيبته التي تشح عليه بوصالها، إذ عد أنَّ لقاءه المرتقب بها، يعدُّ بألف ليلة من ليالي الهجر والفراق.
وهذا الاستخدام الشعري في السمو على اللغة المعتادة أو الكلام اليومي المتداول، يعطي لهذا الرجل صفة الشاعر الموهوب الحقيقي، إذ إنه يرسم منجزه بسحرية بلاغية جميلة تضيف علمية واعية رغم ما أشيع عن هذا الرجل أنه أمي لا يجيد القراءة والكتابة بأسانيد اجتهاديَّة مشكوك بها. كون ما أنجزه هذا العملاق من إرث شعري لا يتفق ضمناً مع ما أشيع عنه. 
وقد قال عنه المستشرق جاك بيرك: "وكان إلهام الشاعر الحاج زاير الدويج يهبط عليه الوحي في أي مكان حتى لو كان بين اخوته، وبالطبع يرتجل المقاطع الصوفيَّة في حب آل البيت بالدفق الذي يرويه في النداءات الأنيقة الى فتاة عابرة".
كما قال عنه السيد عبد الرزاق الحسني، كبير مؤرخي العراق: "الحاج زاير أسرع شعراء عصره بديهة. وينشر القصيدة التي تبلغ المئة بيت ارتجالاً وفي آنٍ واحدٍ، فيخال للسامع أنه كان يحفظها منذ مدة دون إعمال فكر’.. وله اليد الطولى في الموال والأبوذية والمربع والميمر".
وكما تحدث الكثير من العارفين عن تجربة هذا الرمز الشعري حتى توج بلقب أمير الشعراء الشعبيين. ويكاد الدويج يكون أول شاعر في عصرنا هذا رثى نفسه قبل موته بأيامٍ، حيث قال:
وحك التين والزيتون والمن
اجروحي الطابن من سنين والمن
السدر والجفن والكافور والمن
كبل طرت الفجر يسرون بيه