كرس أوزبورن
ترجمة: انيس الصفار
خلال تمرين عسكري أجري مؤخراً أوكلت الى مركبة قتالية في أريزونا مهمة تدمير هدف (يمثل دبابة معادية) بالنيران المباشرة إثر تلقيها معلومات استهداف ارسلتها، لاسلكياً، طائرة استكشاف مسيرة تطير فوقها بمرافقة طائرة مروحية. كانت البداية معلومات مفصلة ودقائق تتعلق بموقع الهدف تلقتها المركبة القتالية من أقمار اصطناعية منخفضة الارتفاع سريعة الحركة تدار من ولاية واشنطن.
بنجاح التمرين تأكد نجاح مشروع الجيش الأميركي المسمى “كونفيرجنس 2020”، وهو تجربة أجريت في صحراء أريزونا باستخدام الذخيرة الحية، غايته اعداد الوحدات العاملة لتنفيذ هجمات عاجلة عالية السرعة. رفع الاختبار المذكور قدرات التواصل عبر الاقمار للعثور على الهدف بسرعة وبث البيانات عبر مسافات شاسعة داخل الولايات المتحدة، وكان ذلك برهاناً على بروز مستويات جديدة من قدرات الهجوم والضرب في أية نقطة من ساحات العمليات.
تولت إرسال بيانات الاستهداف الى مواقع تجارب الهجوم الحي بسرعة فورية مجموعة من الأقمار صغيرة الحجم عالية السرعة واطئة الارتفاع، تسمى اختصاراً أقمار “ليو”، وهو اختصار لعبارة “أقمار اصطناعية ذات مدار أرضي منخفض”. تدار الأقمار المذكورة من قاعدة “لويس مكورد” المشتركة بولاية واشنطن، ومن هناك تبث بياناتها الى مواقع تجربة الهجوم الحي في ميادين “يوما” للتجارب بولاية أريزونا بفورية أضفت ابعاداً جديدة على عمليات الاستهداف بعيد المدى عالي السرعة.
يقول اللواء “جون جورج” متحدثاً من الميدان في “يوما” إن ما نراه يمثل المرحلة الأولى من تغذية أقمار “ليو” المحطة الارضية بالمعلومات، وبعد ذلك ستتولى المحطة ارسال
البيانات.
جمع التمرين المذكور بين التكنولوجيا التي وفرتها اقمار “ليو” وما تتيحه الاقمار الاصطناعية الاخرى ذات المدار المتوسط المسماة اختصاراً “ميو”، كما استعان بالتطبيقات الجديدة في حقل الاقمار المستخدمة لغرض تكثيف خطوط الشبكات بما يجعلها تتخطى الامكانات المتوفرة حالياً لاقمار المدار الأرضي المتزامن، التي يطلق عليها اختصاراً “جيو”.
يقول خبير عسكري متخصص: “على مدى عقود من الزمن كنا نعتمد على أقمار جيو، ولكن اقمار ليو بحكم شدة قربها من سطح الارض تستطيع تقليص زمن الاستجابة بصورة دراماتيكية، وبذلك يزداد حجم البيانات المنقولة. وبإدخال عامل صغر الحجم بات بإمكاننا الحصول على تغطية لعدد أكبر من النقاط على ارض المعركة بمستوى يكاد يبلغ الحافة التكتيكية”.
تكنولوجيا الاستهداف المعجّل التي استخدمت في مشروع “كونفيرجنس 2020” كانت جزءا من جهد واسع الأبعاد بذله الجيش لتطوير أساليب خوض الحروب واستهداف العدو بسرعة تفوق بأضعاف مضاعفة أي من وسائلنا الحالية. فالنتيجة الاجمالية غيرت مجمل مفاهيم الحرب الحديثة تغييراً جذريا، لأنها تحققت من المداخلة بين شبكات الاقمار الاصطناعية المختلفة والطائرات المسيرة والطائرات المسيرة المصغّرة والاسلحة الهجومية البرية المسندة ببرامج التوفيق بين المستشعِر والسلاح الرامي، الذي تولى التنسيق بينها جميعاً نظام الذكاء الاصطناعي المسمى “فايرستورم” المستخدم في التجربة. التقنيات المستخدمة خلال هذه التجربة نجحت بسرعة شديدة في الارتقاء بمستوى التوفيق ما بين المستشعِر والرامي الى درجة قاربت الكمال خلال مدة تقل عن 20 ثانية محققة بذلك وثبة وفتحاً بتجاوزها المعيار الحالي الذي قد يمتد الى 20 دقيقة.
يقول العميد “روس كوفمان” مدير فريق “جيل المركبات القتالية المقبل”: “استلام المعلومات من مستشعرات متمركزة في الفضاء ثم تمريرها الى المنفذين في القواعد الجوية والأرضية بدا وكأنه شأن شديد البساطة يأخذ مجراه بسلاسة فائقة، لكن الأمر في الحقيقة معقد للغاية وقد استغرق منا اسابيع من العمل والتشفير حتى بلغنا هذه المرحلة”.
أقمار “ليو” الاصطناعية، بشبكاتها الأوثق ترابطاً، آخذة بالانتشار سريعاً لخدمة الجيش والبنتاغون اللذين يخططان لنشر ما يصل الى 4500 قمر. هنالك حالياً ما يقارب 600 من هذه الاقمار مسندة بخطط لإضافة ما يصل الى 60 قمراً جديداً في كل شهر.
يقول المهندس العسكري كوفمان: “اعتدنا أن ننفذ ذلك عن طريق جيو، ولكننا اليوم ننفذه عن طريق ميو وليو، رغم هذا فإننا لم نبلغ مرحلة النضج الكامل بعد. حين يأتي موعد مشروع “كونفيرجنس 2021” ستكون لدينا، كما اعتقد، تغطية كاملة لمختلف مناطق أميركا الشمالية تمكننا من مواصلة تجاربنا. بمجرد اكتمال عدد أقمارنا البالغة 4500 في ظرف سنة أو سنتين ستتوفر لدينا تغطية على نطاق العالم كله بواسطة
ليو”.
ينسجم استخدام أقمار “ليو” مع العديد من أهداف البنتاغون الأساسية الموضوعة لحروب الفضاء، ومن بينها التحرك لتحسين قدرات الربط والتحمل والمطاولة لكامل رصيدها من وسائل الفضاء. يتحقق الربط عن طريق “التناسج” بين شبكات أقمار “ليو” بعضها مع بعض لتتشاطر المعلومات وتؤدي بالنتيجة الى تكوين غطاء مناطقي يشمل مسافات شاسعة عن طريق “عُقد اتصال” تتولى تمرير بيانات الاستهداف من منطقة الى اخرى على نحو يحقق مساراً متصلاً بلا انقطاع.
تستطيع أنظمة “ليو” أن تسهم ايضاً بإدامة الأداء الوظيفي للأقمار، والساحة الفضائية عموماً، في حالة تعرض إحدى الوسائل الفضائية للتدمير بفعل نيران معادية، وذلك بفضل كثافتها العددية. في مثل هذه الظروف ستحتفظ شبكات الأقمار بوضعها العملياتي إذا ما توقف أحدها أو أصيب بالأسلحة المضادة للأقمار.
إن تكوين شبكة متناسجة من الاقمار الاصطناعية لخدمة مشروع “كونفيرجنس” برهان على عملية بناء مستمرة بالتصاعد تدريجياً لتمكين اصناف القوات المسلحة المشتركة المختلفة التابعة للجيش من تنفيذ سلاسل من مناورات أوسع مدى تنفتح مرحلة تلو أخرى. يقول العميد كوفمان إن المستشعرات الجوية والفضائي، قد استخدمت في ما يطلق عليه “مرحلة الاختراق” لتمييز اهداف العدو. هذه المرحلة اعقبتها ما تسمى “مرحلة التفكيك” التي استعانت بطائرات عملياتية لتدمير اسلحة العدو بعيدة المدى، وهي خطوة تمهيدية للمرحلة النهائية وهي “مرحلة انتهاز الفرصة” وفيها تتحرك القوات البرية لمهاجمة الاهداف المعادية.
عن موقع “ذي ناشنال إنتريست”