الصحراء البيضاء في مصر تجذب المغامرين

بانوراما 2020/11/10
...

ايهاب برعي
ترجمة: شيماء ميران
بالرغم من أن مصر تشتهر بهرمها الكبير في الجيزة أو بمنتجعاتها الفخمة في البحر الابيض المتوسط والبحر الأحمر، لكنها غالبا ما تُهمل أحد المناظر الطبيعية الخلابة في متنزه الصحراء البيضاء الوطني. فهذه المحمية المترامية الأطراف في منخفض الفرافرة الواقعة غرب مصر، تُعد كنزا دفينا من العجائب. وعادة ما يشعر السيّاح الذين يقصدون تلك الاراضي الغريبة وكأنهم يزورون كوكبا آخر، مع انها لا تبعد عن القاهرة سوى أربع الى خمس ساعات بالسيارة.
تزايدت شعبية الرحلات الى صحراء مصر الغربية بين المصريين والسيّاح على حد سواء، إذ تنوعت النشاطات من سباق السيارات والتزلج على الكثبان الرملية الى ركوب الدراجات الجبلية وقوارب الكاياك في الواحات البحرية القريبة.
يقول أحد مؤسسي شركة ديستنيشن سفاري؛ زياد عمران: «إن الصحراء البيضاء تختلف جدا عن أي مكان آخر على الارض. وما أن يُجربوا رحلة سفاري هناك، فالامر ينتهي بهم بالعودة ثانية مع اصدقائهم. ليتمكنوا من تجربتها بأنفسهم».
 
الصحراء السوداء
عادة تبدأ الرحلة الى الصحراء البيضاء بالتوقف عند منظر طبيعي متناقض تماما وهي الصحراء السوداء، والتي تتميز بعدة سلاسل جبلية فريدة من نوعها، تغطي كل واحد منها طبقة من الاحجار السوداء قذفتها البراكين منذ ملايين السنين، ما أعطى المناظر الطبيعية الرملية إسمها الملون.
وبعد تسلق إحدى القمم يبدو واضحا ان هذه المنطقة تخلو من أية إشارة للحياة بغض النظر عن الطريق الوحيد الذي يمتد الى مسافة بعيدة، رغم إنه ليس الطريق المؤدية الى الصحراء البيضاء.
يتطلب الوصول الى المتنزه الوطني تقليل هواء إطارات سيارات اللاندكروز الرباعية للقيام بسباق السيارات على الكثبان الرملية عبر الصحراء في زوايا مذهلة، فالتسابق بخطوط متعرجة فوق الكثبان الرملية المتحركة تجربة مثيرة تنتهي في النهاية بمنظر الصحراء البيضاء الخلاب. 
وفي غضون ثوانٍ تتبادر الى الاذهان اسئلة حول أصلها الغامض، كأن جمالها الغريب يقدم تذكيرا راسخا عن كون كوكبنا ويخضع لتغيّرات مناخية قوية، ومن المثير الاعتقاد بأن هذا المكان كان سابقا بحرا او محيطا، والدليل الوحيد الباقي هي مجموعة الصخور الجيرية المتكلسة المنحوتة عبر الزمن بواسطة الرمال والرياح.
وعلى ما يبدو ان هذه الاشكال الكلسية التجريدية تغيّر لونها حسب الوقت طوال النهار، فتتحول من الابيض الناصع الى الكريمي، لتصل الى البني الذهبي.
عند حلول الظلام
يختبئ بين الاشكال الصخرية الضخمة في وادي الغابات تل رملي ناعم مثالي للتزلج على الرمال. ورغم انعدام وجود مصاعد تزلج في الصحراء، يبقى التزلج على الرمال مشوقا. كما إن تسلق منحدر تل رملي يكون مرهقا للغاية، لانه أصعب وأبطأ من نزول جبل تغطيه الثلوج. 
ومع غروب الشمس، تُذكر الصحراء الجميع بأن هذه أرض التناقضات وكل ساعة منذ مغيب الشمس تتطلب ارتداء قطع ملابس إضافية للدفء.
وبعد نصب المخيم، يعد بدو المنطقة للزائرين عشاء تقليديا أصليا على النار المفتوحة. وغالبا ما تجذب رائحة هذه المأدبة انتباه ثعالب الصحراء، وهي إحدى الحيوانات غير المؤذية والنادرة وسط الصحراء البيضاء والتي يصعب اكتشاف مكانها، إذ تظهر كظلال غامضة من بعيد، وغالبا ما تقترب من المخيمات لأنها معتادة على بقايا طعام الزائرين؛ كجزء من نظامها الغذائي.
وبسبب عمق المناظر الطبيعية وانعدام التلوث الضوئي في أي اتجاه، تتلألأ النجوم وتنتثر في السماء ليلا، ويمكن القول إن هذا المشهد الرائع أحد أفضل البيئات على الارض لمشاهدة درب التبانة بروعته. وحين يظهر القمر ينعكس ضوؤه البرّاق على الاسطح الصخرية ليعطي توهجا مُزرقا فيضيء المتنزه الوطني، ما يشجع على التجول الليلي عبر تضاريسه الاخرى.
لكن ينبغي على المسكتشفين الليليين ان يكونوا حذرين ويحملون معهم مصابيح يدوية، لأنه من السهل أن يضلُوا الطريق، أو يتعثروا وسط التضاريس الغريبة والوعرة.
 
طريق مُبهج
بحلول الصباح، يوقظ شروق الشمس حتى صاحب النوم الثقيل، وقبل حزم أمتعة المخيم، من الجدير زيارة إحدى منحوتات المتنزه الثمينة المعروفة بشكلها الشبيه بالدجاج او نبات الفطر. وبعد مغادرة المتنزه يذهب اغلب المغامرين الى الواحات البحرية الواقعة على بعد نحو ساعة. وما يجذب في المنطقة هو تسلق قمة الجبل الانكليزي، الذي تعود تسميته الى بقايا موضع بريطاني خلال الحرب العالمية الاولى، فوق أعلى قمة فيه.
الوصول الى قمته يعطي إطلالة مثيرة بمدار360 درجة تطل على الواحات بأكملها، بما فيها غابات نخيل التمر اللذيذ وأشجار الزيتون. كما انه يوفر تحديا لعشّاق ركوب الدراجات الجبلية، إذ إن نزول مساراته الملتوية المليئة بالصخور الوعرة والبرك الرملية على الدراجات غير مناسب لاصحاب القلوب الضعيفة، وإنما لاولئك الذين جربوا الدرب المبهج.
أما أسفل الجبل، فيقود الى بحيرة الملح البحرية البدائية التي لم يمسها أحد، والمدهش عدم وجود تطور حول شواطئها، ما يجعل البحيرة العلاجية الهادئة مكانا ممتازا لراكبي زوارق الكاياك للاستمتاع بغروب الشمس المهيب. وتقول نورين فاضل؛ إحدى المشاركات في الرحلة: «كان الجزء المفضل لدي من الرحلة ركوب زورق الكاياك مع ارتداد الاشعة الذهبية عن الماء.. كانت لحظة مذهلة
 تماما».
ويمكن ان تتناسب هذه المناظر والنشاطات كلها مع رحلة تستغرق يومين او ثلاثة أيام. وكلما طالت مدة الإقامة، كان هناك متسع من الوقت لاستكشاف المنطقة المحيطة، فهناك الكثير من معالم المنطقة المستحقة للاهتمام.  
ربما تكون امامنا سنوات او عقود قبل ان يصبح السفر الى سطح القمر ممكنا. اما الذين لن يصبروا حتى ذلك الحين، فربما متنزه الصحراء البيضاء الوطني هو الرهان الافضل التالي لتصورات التخييم على
 القمر.