اليابان.. وداعاً للورق

بانوراما 2020/11/10
...

سايمون دينير
ترجمة: خالد قاسم
في ذروة تفشي وباء كورونا داخل اليابان، واجه أحد الأطباء معضلة كبيرة. لم تكن هذه المعضلة الفايروس ولا حتى مرضاه، وإنما الروتين الياباني، ويشتكي الطبيب من أن أي ملف لحالة عدوى تصله يتضمن مختصين طبيين يملؤون تقارير مطولة يدويا، ومن ثم يتطلب إرسالها بالفاكس الى مكتب الصحة العامة.
بدأت حكومة اليابان تدرك أن نظام الورق والفاكس اصبح بطيئا، لأنها على ما يبدو، تتعامل أحيانا، وكأنها مدمنة بشكل يائس على الورق والفاكسات، فقد طغت المعاملات الورقية على الأطباء وغرق مسؤولو القطاع الصحي بالفاكسات، التي كانت تعد أعجوبة في تبادل البيانات خلال ثمانينيات القرن الماضي، أما الآن فهي مجرد شيء لافت للنظر من عصر قديم.
يستغرق الأمر ثلاثة أيام بين اكتشاف حالة كورونا وابلاغ الدول بها، كما يقول المسؤولون، وكتبت لجنة خبراء مستقلين تقريرا جديدا عن استجابة اليابان للوباء أن «نظام الفاكس جعل السيطرة على تفشي العدوى أمرا صعبا في الوقت الحقيقي على مستوى البلاد، واختتم الخبراء تقريرهم بأن أزمة فيروس كورونا المستجد هي أيضا هزيمة لليابان الرقمية».
تشعر اليابان بأنها دولة أسرعت بتبني مستقبل متطور جدا قبل عشرات السنين، ومن ثم توقفت فجأة عندما تحول الازدهار الى انتكاسة خلال التسعينيات، تاركا تقنيات قديمة كثيرة مثل الآثار المعزولة.
تنقسم البلاد الى قسمين، فهناك يابان قطارات الرصاصة والروبوتات، الى جانب يابان الوثائق المطبوعة وطنين الفاكسات واقتصاد ما زال معتمدا الى حد كبير على النقود. ويعيش الروتين مع قدم في الماضي ورغبة راسخة عميقة بفعل الأشياء بالطريقة نفسها التي عاشتها العهود السابقة.
 
طموح حكومي
لذلك عندما حاولت الحكومة تغيير النظام الى الابلاغ الرقمي عن إصابات كورونا بواسطة الحاسوب، سرعان ما اصطدمت المحاولة بعقبات، وعجزت مستشفيات ومراكز صحية كثيرة، أو إنها لم ترغب بالتخلي عن الفاكسات والتحول الى التبليغ الرقمي.
يريد رئيس وزراء اليابان الجديد يوشيهيدي سوغا تغيير ذلك كله، وجعل من أولوياته رقمنة الروتين الاداري، ومن ثم المجتمع الياباني عموما، ويهدف لانشاء وكالة رقمية جديدة لإدخال الفكرة حيز التطبيق.
بدأ وزير الاصلاحات الادارية تارو كونو بحملة جديدة للتخلص من الفاكس، وخفض التعامل الورقي والقضاء على الختم الشخصي المطلوب في الوثائق الرسمية بدلا من التوقيع الخطي.ربما لم تكن أزمة كورونا الدافع الرئيس للحملة الجديدة، لكنها أكدت الحاجة الملحة للاصلاح وساعدت بتشجيع بعض التغييرات المتأخرة جدا في ممارسات العمل المتحجرة لدى 
المؤسسات.
أثبتت ثقافة الشعب الياباني أنها حجر عثرة أمام العمل من المنزل خلال الوباء، اذ اشتكى أكثر من 60 بالمئة من الموظفين عبر استطلاع رأي من اجبارهم على الذهاب الى العمل فقط لتدقيق أوراق مطبوعة أو ختم وثيقة.
كانت الخطوة الأولى للوزير كونو هي مهاجمة ثقافة الختم الشخصي المعروف باسم «هانكو» وهي ثقافة عمرها مئات السنين ينقش عليها اسم الشخص وتستخدم عبر نطاق واسع من الوثائق مثل فتح حساب مصرفي وتوقيع عقد عمل.
اقترح هيرواكي ناكانيشي رئيس اتحاد الأعمال الياباني تقديم توقيع الكتروني. ومع ذلك يبدو أن حجم المهمة كبير، فقد وجد مسح لمؤسسة أبحاث اليابان 55 ألف إجراء اداري تتضمن الحكومة المركزية ويمكن إنجاز أربعة آلاف فقط منها رقميا. ويواجه كونو معارضة من صانعي الختم، إضافة الى بعض النواب المتعاطفين من الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم.
لن يكون من السهل إزالة الفاكسات، وسيطرت هذه التقنية على اليابان خلال الثمانينيات بسبب الاحترام الثقافي للكتابة اليدوية وتعقيد لغتها المكتوبة التي تستخدم آلاف الحروف بثلاثة خطوط مختلفة.
لا تزال المشاريع الصغيرة مهيمنة على اقتصاد اليابان، ويريد الكثير منها ارسال الطلبات بالفاكس. أما مبيعات آلات الفاكس التي تراجعت في أميركا فقد تزايدت بنسبة ستة بالمئة في اليابان العام الماضي، ووجد مسح حكومي أن ثلث الأسر تمتلك آلات فاكس.