الوطن غالي جداً

الصفحة الاخيرة 2020/11/15
...

عبدالهادي مهودر
منذ تأسيس الدولة العراقية والحكومات توزع الدور والاراضي السكنية وفق تخطيط، او بلا تخطيط في أحيان كثيرة، وها قد اصبح عمر الدولة مئة عام والكثير من ابنائها مازالوا لا يملكون متراً مربعاً واحداً في وطنهم الكبير، وما يزيد في غموض وتعقيدات أزمة السكن هو رخص اسعار الوحدات السكنية في الدول المجاورة والارتفاع الجنوني لأسعار البيوت والشقق السكنية في العراق، واللافت في قضية السكن هو عدم إناطتها بجهة واحدة او وزارة واحدة او مجلس واحد ولم تعصب برأس أحد ليرى حلها النور ، والأكثر غرابة هو ان الذين يعتبرون العيش في العراق جحيماً لا يطاق لا يستطيعون شراء بيت صغير في هذا الجحيم، لكنهم قادرون على شراء بيت او شقة حديثة بسعر معقول في إحدى جنات دول الجوار وبخدمات افضل وفرص عمل أوفر مع حورٍ عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، واتمنى فهم هذه المعادلة المحيرة التي تجعل المواطن العراقي الفقير المستأجر لدار سكن بائسة في بغداد غنياً عن الناس وعزيزاً في البلد الغريب وقادراً على إيجاد سكن كريم في اطراف العاصمة التركية انقرة على سبيل المثال ! 
لم تعد الهجرة من أجل السكن الكريم ترفاً، بل اصبحت حلاً وإن كان مراً  لكثير من العراقيين الذين تغريهم اعلانات الاستثمارعن رخص المساكن والعيش في الغربة وتطردهم اعلانات الاستثمار الوطنية شر طردة ، ويمكن لأي عراقي يملك بيتاً متواضعاً أن يبدله بسكن أفضل في تركيا او مصر اوغيرها من الدول الشقيقة والصديقة، والكل يعرف المستوى اللائق لسكن العراقيين في الخارج .
لا نقول ذلك لدفع العراقيين للبحث عن سكن في ارض الله الواسعة، ولكن واقع الحال في قطاع السكن هو الطارد والمحرض على جهاد السفر في سبيل العيش الكريم، ونعرض هذه المكاشفة الصريحة لعلنا نفهم سر هذه العلة الدائمة وهذا التفاوت الكبير في أسعار الوحدات السكنية وبدلات الإيجار الى درجة ان المقارنة تجعل من العراق يبدو أفضل مكان للعيش في كل العالم قياساً بأسعار العقارات وان الدول الأخرى الجاذبة هي الجحيم لكثرة المعروض لديها من المساكن الأرخص والأنظف، وينطبق الحال كذلك على أسعار الوحدات السكنية في مدن اقليم كردستان التي جذبت ابناء بغداد والمحافظات للسبب نفسه.
أليس مضحكاً ومبكياً أن يصل سعر المتر المربع في مناطق بغداد التي نسميها راقية وماهي براقية الى الفين وثلاثة واربعة وخمسة آلاف دولار؟ ومن خمسمئة دولار صعوداً في المناطق الشعبية ؟ أليس مضحكاً ومبكياً أن تقسم الدور الى ثلاثين واربعين وخمسين متراً للاسرة الواحدة وتبنى القطعة المستقلة الواحدة على شكل مصعد كهربائي عاطل !؟
قريباً جداً -اذا استمر الغلاء الفاحش والتقطيع والتقسيم الاضطراري للدور السكنية- سينفذ صبر الطرق والجسور والمدارس وستسافر العملة الصعبة وستتوقف شبكات المجاري عن أداء وظيفتها في التصريف ولن تطيق هذا الجحيم المتدفق الذي لا يناسب قدرتها وطاقتها الاستيعابية، ناهيكم عن الحزن الذي سيبعث المطر وكيف تنشج المزاريب اذا انهمر  ويشعر الوحيد فيه بالضياع !
 لنترك كل مشكلاتنا وأزماتنا فحلها مجتمعةً من سابع المستحيلات، ولنفكر بحلها واحدة واحدة ونبدأ بالسكن أولاً ونفكك اسرارها في هذا الوطن الغالي جداً على قلوب العراقيين وعلى جيوبهم.