الكهرباء المستدامة مستقبل العراق وليس النفط

بانوراما 2020/11/15
...

لؤي الخطيب
 
ترجمة: شيماء ميران
بينما تستمر مواجهة عصابات داعش، فإن إحداث ثورة في قطاع الطاقة العراقية قد يكون المفتاح الرئيس لأمن طويل الأمد. يجعل تربع العراق على أحد أكبر احتياطات النفط في العالم جهة فاعلة رئيسة اقليميا ودوليا. ومع ابتعاد الاقتصاد العالمي عن الاعتماد على الوقود الأحفوري واتجاهه الى مصادر طاقة اكثر استدامة، أصبح من الاولويات القصوى للبلاد الابتعاد عن اعتماده على البترودولار ايضا. لذلك عملت مع زملائي طيلة فترة عملي السابق وزيرا للكهرباء على الشروع بخطوات ملموسة لتنشيط قطاع الطاقة الحيوي لأجل استقرار البلاد عقب الحرب ضد داعش، وضمان مكانته كمركز اقليمي للطاقة على المدى الطويل.
 
ولغرض تنشيط الاقتصاد العراقي كان ينبغي العمل للنهوض بالطاقة من خلال سياسة تنمية وطنية تهدف الى عكس 30 مليار دولار سنويا من تكاليف الفرص الضائعة في قطاع الطاقة، والعمل أخيرا كقوة لاستقرار وازدهار اقتصادي أكبر. ولتوليد المزيد من الطاقة ماديا، فمن المهم ايضا الموازنة بين منافسة فاسدة وغير منصفة حينها وشركات متعددة الجنسيات أعاقت التقدم وأخّرت الإنجازات. يعاني قطاع الطاقة العراقي من مشكلات كثيرة، وغالباً ما يعيق الروتين المعقد التقدم بسبب التركيز على الحلول التقنية الدقيقة غير المُجدية قصيرة المدى بدلا من إصلاحات مؤسساتية دقيقة طويلة المدى، والعجز المزمن عن إدارة المواد الخام للتمويل، فضلا عن ملفات الطاقة الأخرى وسلسلة قيمة الأعمال الأوسع. إن قطاع الطاقة معرّض لأجندات متناقضة لمجموعة واسعة من الجهات السياسية التي تقوض الرؤية الوطنية الموحدة لتشغيله، وترسيخها في سوء الإدارة وعرقلتها بالفساد، فمن الضروري العمل على النهوض بالطاقة لغرض تنشيط الاقتصاد الوطني.
فخلال تشرين الثاني من العام 2018، علمنا بتلقي العراق خارطة طريق من جهات أجنبية تُقدم توجيهات لتنشيط البلاد تضمنت مقترحات من شركة سيمنز الالمانية وجنرال اليكتريك الاميركية وأخرى متنوعة من الصين وشركات اقليمية اثبتت جدارتها، لكن البلد بحاجة في النهاية الى خارطة طريق وطنية شاملة.
 
أهمية العلاقات الإقليمية
وبالعمل مع المنظمات متعددة الجنسيات وشركائنا في المنطقة وخارجها، سعينا لتحقيق هدف خارطة الطريق العراقية باختيار افضل الخيارات التجارية لإكمال الخطة الوطنية. وبالنتيجة كان لخطتنا الوطنية للتنمية أبعاد محلية ودولية.
تحتاج هذه الخارطة لتحقيق التوازن بين متطلبات الطاقة الفورية، أي امدادات طاقة موثوقة وأهداف طموحة لاستقلال الطاقة يتم الوصول اليها بحلول 2030. كما خططنا لضمان استدامتها عبر المضي بإدارة مزيج الوقود مع التركيز على الغاز، وتوليد 30 بالمئة من إمدادات الطاقة من مصادر متجددة. أظهرت جهودنا إمكانات تحويلية واسعة للعراق، بما يتعلق بالحوكمة وبما يسمى مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، وهو مقياس يستخدمه البنك المركزي لتقييم ملاءمة البيئة للمشاريع الاجنبية. وأخذنا بالاعتبار تنسيق اجراءات الإدارة الفيدرالية والمحلية، وتوافقها مع الرؤية الاوسع للانفتاح التجاري الحكومي والقطاعات المملوكة للقطاع الخاص المحلي والتكتلات الدولية. كما سعينا لتنظيم وتسريع خصخصة الشركات الحكومية. 
ولتحقيق هدف تنشيط الاقتصاد العراقي واستقلال الطاقة المستدامة، ينبغي الافادة بدقة من علاقاتنا الاقليمية لخلق ترابط أوسع بين العراق ومصادر الطاقة الكهربائية الأخرى في الشرق الاوسط. وركزت ستراتيجيتنا على تحويل العراق الى مركز للطاقة وسوق حيوية لفائدة المنطقة مع ربط شبكي. ويمكن لمسعى كهذا ان يجعل العراق مركزا للطاقة الاقليمية على مدى العقود المقبلة، كما يعزز مكانته في الجغرافية السياسية الاقليمية.
 
أهمية استقرار الطاقة
ويوجد أيضاً بُعد أمني منفصل لكنه مرتبط، فمواصلة العمل لا تعني تحقيق التقدم الاقتصادي، بل انه يعزز الامن الوطني للبلاد بتعزيزه قدرة الدولة في التصدي للتهديدات، والمحافظة على انتصارها في المناطق المحررة من داعش، وهو امر مهم. إن استقرار العراق جزء مكمل للأمن العالمي، ويجب على المجتمع الدولي دعم الجهود المبذولة في العراق لتحقيق استقرار الطاقة. 
هذا البعد هو دولي أيضا، إذ ان توفير الطاقة يمثل عائقا للتطرف من خلال دعم وبناء اقتصادات محلية تمنع النزوح الداخلي ونزوح اللاجئين على المستويات الاقليمية، ما يؤثر على مصلحة الدول البعيدة عن العراق خصوصا في اوروبا، وبعكس ذلك فقد يؤدي الى عودة عصابات داعش الإرهابيَّة.
لقد نجحنا بإيصال الطاقة الكهربائية الى المحافظات المحررة، وأسرعنا بتطوير المشاريع الرئيسة في محافظات الوسط والجنوب. ورغم اكتمال العديد من هذه المشاريع، لكنها تتطلب اهتمام وعناية الحكومات مستقبلا لأجل صيانتها وتوسيعها. وفي هذه المعادلة، ليس من الضروري للعراق فقط تحقيق النهضة في الطاقة بل ينبغي على المجتمع الدولي مساعدته ايضا مع مراعاة التداعيات الدولية الأوسع.
إن استقرار العراق جزء لا يتجزأ من الامن العالمي، وعلى المجتمع الدولي دعم الجهود المبذولة في العراق لتحقيق استقرار الطاقة لغرض تعزيز الامن الاقليمي. وفشل العمل في تحقيق ذلك قد يُعرض أمن البلاد للخطر لينهي بذلك الشعور المضطرب بالسلام الذي شهدته المنطقة بشكل عام منذ دحر داعش. يجب ألا يقتصر الوصول الى أمن طاقة على المدى الطويل في العراق على أولوياته فقط، بل ينبغي يكون جزءا من جهود المجتمع الدولي لضمان السلام والاستقرار داخل وخارج البلاد. وبينما يستمر العالم بمواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا والتفكير بمستقبل يكون فيه تغيّر المناخ حقيقة يومية، فإن المساعدة في تحول العراق قد يكون خطوة أولى في جهود أوسع لإعداد العالم لمستقبل جديد.