ناشطات يتطوعن لانتشال الجثث

ريبورتاج 2020/11/22
...

     شروق ماهر

 ما أن انتهت حرب عصابات داعش الارهابية بعد سيطرتها على  مدينة الموصل في العاشر من حزيران عام 2014، الا وخلفت تلك العصابات الاجرامية آلافا من الجثث، التي سقطت ضحايا هذه العصابات الاجرامية، ففي منتصف شهر شباط عام 2016  بدأت عمليات تحرير الموصل من عصابات داعش بمشاركة جميع القوات الامنية والعسكرية وجهاز الامن الوطني وقوات الحشد الشعبي التي شاركت بتحرير الموصل في حينها.
الا ان ما تركه الارهاب من ضحايا وقتلى جعل من ناشطات موصليات يتطوعن لانتشال الجثث المتفسخة ويتركن اعمالهن.
بداية المسير
في بداية الامر كانت الناشطة ايمان وليد ذات الـ(24 عاما) تعمل مع شقيقتها اخلاص وليد التي تكبرها بعامين، تساعدان فرق الدفاع المدني بانتشال الجثث من  مدنية  الموصل القديمة ، تلك المدينة التي سقط فيها اكثر من نصف مليون قتيل، جراء العمليات المسلحة وعمليات التحرير، مادفع الشقيقتين ايمان واخلاص لعمل فريق تطوعي مهمته انتشال ورفع الجثث، هذا ما اسرت به الناشطة (ايمان وليد) لجريدة الصباح قائلة إنها"أمضت شهورا مع شقيقتها اخلاص في هذه المدينة القديمة وهما تحاولان رفع الجثث المتفسحة وتسليمها للطب العدلي أو البلدية، وانهما التجأتا لهذا العمل التطوعي، بعد أن تمكنت عصابات داعش من اعدام والدتهما التي تعمل طبيبة ووالدهما الذي يعمل طبيبا هو الاخر بسبب ترشيحهما للانتخابات العراقية، وتركهما وحيدتين من دون اي معيل، اذ كانت مهمتهما فقط تقديم اعمال الخير للناس ورسم الفرحة على وجوههم بعد ان غادرت الفرحة وجهما واخذت منهما والديهما معا".
 
حرق
وتقول المتطوعة اخلاص وليد "لقد اقدمت على انتشال الجثث ما بعد عملية اعلان تحرير الموصل من بطش داعش، اذ كانت الاوقات حينها عصيبة جدا، فالأرض كانت في مدينة الموصل القديمة زلقة ولا تسطيع المشي عليها، وقد التصقت العظام بها، اما الرائحة فلا تطاق بسبب الاعداد الكبيرة للجثث التي خلفتها عصابات داعش".
فقد وصفت الشقيقتان إحدى الغرف التي وجدت فيها عددا كبيرا من الجثث، وبعد انتشالها أحرق الفريق الغرفة التي كانت تحتوي على الجثث؛ لقتل الجراثيم التي فيها.
وكان المرصد العراقي لحقوق الإنسان قد قال في وقت سابق، "إن جثث القتلى الذين سقطوا أثناء العمليات العسكرية التي جرت في الساحل الأيمن من مدينة الموصل والموصل القديمة، ما زالت هناك بقايا جثث تحت الأنقاض بعد مرور اكثر من اربعة اعوم على تحرير مدينة الموصل، على الرغم من انتشال جثث قدرت بالآلاف. واوعز المرصد ، ان هناك حالات مرضية طالت سكان أهالي الموصل بسبب هذه الجثث، وفقا لناشطين حقوقيين". 
 
مجهولون ومعلومون
من جانبهما اوضحت الناشطتان الموصليتان ايمان واخلاص ان" الفرق في التعامل بين الجثث المعلومة والمجهولة الهوية هو إن الجثث المعلومة يتم انتشالها من قبل فرق الدفاع المدني، اما الجثث المجهولة فهي من حصة وزارة الصحة والبيئة والطب العدلي، ونحن كناشطات كنا نعمل على انتشال كلا الجثث المعلومة والمجهولة لتقديم المساعدات للأسر الموصلية، التي فقدت ضحاياها على يد عصابات داعش الاجرامية، من اجل الاسراع في عملية البحث والعثور على جثث أسرهم ومقربيهم  ودفنهم بصورة تليق بهم".
 
اقدم ناشطة
اما الناشطة سرور الحسيني فقد احتضنتها الموصل كأقدم واسرع ناشطة ساعدت على تشكيل فرق تطوعية لانتشال الركام من الموصل القديمة، والتي برزت بانتشال اكثر من الف جثة بعد ان علقت دوامها كموظفة في صحة نينوى من اجل العثور على جثث الضحايا داخل البنيان المهدمة في مدينة الموصل وتحديدا الموصل القديمة وايمن الموصل. تقول الناشطة سرور عبدالكريم الحسيني من سكنة مدينة الموصل بانها عملت على تشكيل فريقاً طوعيا  لانتشال الجثث من ركام الموصل، حال انتهاء العملية العسكرية منذ اربعة اعوام، وما زالت الحسيني تعمل مع عناصر الدفاع المدني بانتشال الجثث المتفسخة. وتضيف الحسيني "بعد شهور على طرد القوات العراقية زمر (داعش) الارهابية من معقلهم في الموصل، كانت لا تزال هناك جبال من الركام تسد الشوارع الرئيسة وتخفي تحتها جثثا لم يتم العثور عليها، وكذلك الحال في شوارع وأزقة مهجورة في المدينة القديمة التي شهدت حينها معركة حامية، فأقدمت على تشكيل فرع تطوعية كانت اغلبها تعود لفتيات متطوعات شكل عملهن بجمع الجثث والأشلاء الآدمية من شوارع الموصل القديمة، تمهيدا لمواراتها الثرى، وايضا بهدف الحد من تفشي الأمراض والأوبئة داخل الموصل".
 
200 جثة
وكانت سرور الحسيني التي كانت تعمل ممرضة في صحة نينوى، قد تسلمت رئيسة  (فريق السرور) التطوعي، الذي شكلته على خلفية حملة انتشال الجثث من الموصل، وبدأت  بانتشال الجثث بالتعاون مع بلدية الموصل. اذ تقول "على خلفية معلومات تصل لنا في بعض المرات من قبل  جيران أو أفراد أسر أو مارة عندما يشاهدون جثثا، يتجه أفراد من الفريق التطوعي لانتشالها على غرار ما جرى عندما وجدنا نحو 200 جثة في غرفة واحدة في أحد المنازل بالمدينة". وأشارت إلى أن "معظم الجثث التي تنتشل من ركام البيوت تكون لمدنيين بينهم نساء وأطفال، بينما تكون الجثث التي تنتشل من المناطق المفتوحة في شوارع كثيرة لمقاتلين من المتشددين، الذين تراجعوا إلى مباني المدينة القديمة المكتظة، والتي عاد لها حتى الآن نحو (25)آلف نسمة من قاطنيها، الذين كان يبلغ عددهم قبل الحرب نحو 200 ألف نسمة".  وتضيف الحسيني ان" مرور اكثر من اربعة اعوام على تحرير الموصل، الا إنه لا تزال هناك آلمئات من جثث المدنيين تحت الأنقاض".
 
هلع
ويقول بعض السكان من الذين اشادوا بموقف المتطوعة سرور داخل الموصل القديمة برفع اعداد كبيرة من جثث المتفسخة "إن الجهود الحكومية المتعلقة بعملية انتشال الجثث كانت في حينها اشبه بغائبة، ولا خطة موضوعة لتخليصهم (السكان) مما يعانونه من هلع بسبب هذا الامر، مما اضطر لسرور الحسيني التي تعمل ممرضة في الموصل، إلى تشكيل فريق تطوعي اسمه (السرور) لإطلاق حملة رفع الجثث من أزقة وشوراع المدينة".
 
أفغان
تؤكد الناشطة سرور "ان اغلب الجثث التي كانت تنتشلهم تعود لعصابات داعش الارهابية، فهي تذهب للطمر الصحي بمساعدة بلدية الموصل، مضيفة "بانها كانت تتعرف مع المتطوعون على جثث عناصر "داعش" من خلال الأزياء التي كانوا يرتدونها، وعادة ما تعرف بـ"الأزياء الأفغانية" نسبة إلى الملابس المعروف بها سكان أفغانستان (سروال وقميص طويل)، وفي بعض الأحيان يتم التعرف عليهم من أسلحتهم أو الشعارات التي يحملونها كالأعلام والمطبوعات".
 
 
الدفاع المدني
يقول مدير الدفاع المدني العميد حسام خليل في تصريح لـ(الصباح) إن" سرور ابرز الناشطات التي عملت على انتشال اكثر من 1000 جثة متفسخة منذ انتهاء 
العمليات العسكرية حتى نهاية الاسبوع الماضي من هذا العام، حينما ساعدت فرق الدفاع المدني بانتشال (ثلاث) جثث في منطقة الفاروق بينهم سيدة موصلية مسنة ".
ويضيف ان "سرور التي كانت تترأس فرقة تطوعية تضم العشرات من المتطوعين، الذين كان بمثابة رجال الدفاع المدني في انتشال الجثث قد حققوا اعداد كبيرة في انتشال الجثث داخل الموصل القديمة وكان لهم الدور المثالي الابرز في انتشال الجثث، فهي فتاة تعمل على مدار اليوم مع رفيقاتها الناشطات ايمان واخلاص من اللاتي قدمنا مساعدة لمدينتهم وساعدوا على ايصال جثث تعود لآلاف الأسر الموصلية في الموصل القديمة".