تحديات الواقع وطموحات المستقبل

ريبورتاج 2020/11/23
...


   د.سماء الزبيدي
 
كان عامه الدراسي استثنائياً بصورة مفاجئة، انتقلت محاضراته من القاعات الدراسية الفعلية الى صفوف افتراضية، ووجد نفسه يتخلص من الزحامات المرورية، التي تعطله عن وقت الدرس ويدخل في مسابقة مع اشارة الانترنت واختيار ساعات خارج وقت الذروة، ليتمكن من تحميل المحاضرات الفيديوية على هاتفه الذكي، فلم يتوقع (حيدر علي– طالب جامعي) ان يرتدي زيه الرسمي ويؤدي امتحاناته من غرفته، وأن يرعبه ضعف اشارة الانترنت اكثر من نفاد وقت الامتحان، قبل أن يكمل الاجابة على الاسئلة، فالتعليم الالكتروني واقع فرضته جائحة كورونا لاكمال العام الدراسي، واصبح صورة من صور التكيف لاستمرار الحياة في بيئة غير مهيأة نسبياً، تشكل تحدياً لجميع الشركاء في العملية التعليمية.
بيئة هشة
لا يعد التعليم الالكتروني أسلوبا جديدا او حدثا طارئا للجامعات العالمية والعربية، فهو نظام عمل به الى جانب التعليم التقليدي وبدأت ملامحه للظهور في المجتمع العراقي منذ 2013، حين عملت به الجامعة التكنولوجية كنظام دراسي ساند وطبقته كلية الطب – جامعة بغداد عام 2015 ، اضافة الى الاستخدامات الفردية من قبل بعض التدريسيين في كليات متفرقة، وهدفت وزارة التعليم العالي ادخاله كنظام تعليمي معتمد عام 2019 ، قبل بدء الجائحة، مستعينة بفريق من الاساتذة المبتعثين ممن خاض التجربة واقامت أربعا وعشرين ورشة تدريبية للتثقيف، بهذا الاسلوب والتدريب على استخدام منصاته، للوصول الى اسلوب تعليم رصين بشكل تدريجي، الا أن جائحة كورونا قلبت الموازين، فولد المشروع في بيئة هشة غير مستعدة، واجبر على الاسراع في تنفيذه، ورافقته العديد من الصعوبات اولها ضعف شبكة الانترنت، التي تعرضت لضغط مفاجئ، واستخدام اكثر من المعتاد الذي شكل مصدر قلق للهيئات التدريسية والطلبة، لما واجهوه من صعوبة في ارسال وتسلم الملفات، خاصة اثناء فترة الامتحانات.
 
مصاريف اضافية
الظرف الاقتصادي المتلكئ، الذي يعيشه البلد جعل من التعليم الالكتروني عبئاً اضافياً على بعض الأسر من ذوي الدخل المحدود، فالكثير منهم في ظل الازمة المالية الطارئة،أصبح غير قادر على دفع اشتراك خط الانترنت، ما يضطر صاحب المكتب الى الامتناع عن تجديد الخدمة للتأخر في السداد، ومنهم من لا يملك ثمن شراء جهاز حاسوب، وإن امتلكوه فيتوفر جهاز مشترك لجميع افراد الأسرة، الذين قد يكون بينهم اكثر من طالب سيتناوبون على استخدامه، اسعفت الهواتف الذكية الموقف لدى البعض، لكن هناك من كان من الصعب عليه له اداء الامتحان عبر الهاتف، لحاجته الى بعض البرامج على جهاز الحاسوب لكتابة المعادلات او اعداد الرسوم البيانية كجزء من الاجابات الامتحانية، ما اضطرت (فاطمة عادل- طالبة جامعية) الاستعانة بأحد الاقارب واستلاف حاسوبه الشخصي لتزامن امتحانها مع اخيها في الوقت نفسه.
 
جهود استثنائية
في ظروف طارئة رفض الكثير من الطلبة فكرة التعليم الالكتروني، فمن الصعب بالنسبة لهم التأقلم معه، على الرغم من تعلق جيل الشباب بالتكنولوجيا، واصبحت الاجهزة الذكية جزءا مهما من حياتهم اليومية، ما تطلب جهودا استثنائية من الدكتور مجيد حميد – تدريسي في جامعة الامام جعفر الصادق مر بالعديد من المعوقات لاكمال العام الدراسي. 
ففي بداية الجائحة ومع قرار استئناف التعليم عن بعد، كان من الصعب التواصل مع ادارة الجامعة، لاعداد خطة طارئة من جهة، والتواصل مع الطلبة وتوجيههم من جهة اخرى، ما اضطره الى الاستعانة بالدورات التدريبية على موقع يوتيوب لانشاء صف الكتروني والتعامل معه، واسعفه سهولة تعامله مع اجهزة الحاسوب، وبالتعاون مع بعض زملائه المتمكنين تقنيا في اقامة دورات على الانترنت، لتدريب الاساتذة الاخرين، وبالاخص المتقدمين بالعمر منهم الذين على الرغم من خبرتهم في التعليم، الا انهم يواجهون صعوبات في التعامل مع البرامج التعليمية الالكترونية، وهو ما يصفه د.مجيد بالفجوة الرقمية، ما شكل عائقا في احتواء الطالب والتواصل معه لايصال المادة العلمية، بشكل يسير وبطرق حديثة تحاكي المحاضرات المعطاة لهم في الصفوف الواقعية.
 
اساليب التعليم
يختلف التدريسيون في اساليب ايصال المادة للطالب، وانتقل هذا الاختلاف الى المحاضرات في الصفوف الرقمية، ما شكل صعوبة في تلقي الطالب للمعلومة وتشتته احيانا، ونتيجة التجربة السابقة بدأت الجهود تتضافر بين الجامعات والفريق الوزاري للتعليم الالكتروني المشكل من قبل جهاز الاشراف والتقويم العلمي في وزارة التعليم العالي، لاجراء دورات تدريبية للهيئات التدريسية، لاعداد محاضرات تفاعلية بين الاساتذة والطالب، في خطوة للخروج من نمط التعليم التقليدي، الذي يعتمد التعامل مع الطالب، كوعاء يتطلب ملؤه بالمعلومات، وتحويله الى شريك فعال في العملية التعليمية، مهيأ لممارسة التخصص بشكل فعلي في سوق العمل، وعلى الرغم من تأخر اجراء هذه الخطوات، الا انها تعطي بصيص امل للنهوض بالواقع التعليمي.
 
منصات رقميَّة
مع الاقبال على العام الدراسي الجديد، يجب علينا الادراك بأن التعليم الالكتروني اصبح امرا واقعا سيلازم طلبتنا، حتى بعد انتهاء الجائحة، الا أن الاسلوب التعليمي الذي توجه باستخدامه وزارة التعليم العالي وهو انشاء محاضرات ذات محتوى تفاعلي، لايصال المادة العلمية بشكل صحيح، وضمان تواصل الطالب مع الاستاذ ما يتطلب التنقل بين اكثر من تطبيق الكتروني، وهذا يشكل تحدياً للاستاذ والطالب على حد سواء، حدثنا حول ذلك د.عدي علي احمد – عضو الفريق الوزاري للتعليم الالكتروني، ومدير مركز الوسائط المتعددة والتعليم الالكتروني في الجامعة التكنولوجية بان "اغلب الجامعات في العام الماضي وبسبب الظروف الاستثنائية، استخدمت المنصات المجانية المتاحة من شركة "غوغل" لعدم اتساع الوقت لانشاء او شراء منصات تعليمية رصينة لتدارك ضياع العام الدراسي، لكن تهيئة للعام المقبل. بدأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي برسم سياسات واضحة، اولها وضع معايير لجودة التعليم الالكتروني، ما يتطلب من الجامعات توفير منصات خاصة بها محلية او عالمية، تضمن التواصل التفاعلي بين الجامعة وطلبتها، وتسمح لها بالتحكم بالمنصة والمحتوى المنشور فيها، والتعرف على الزائرين لها وتوقيتات تواجدهم لسد الثغرات الامنية الرقمية، وتدارك الهفوات في التجربة الاولى، كما ان الوزارة بصدد توفير مسافات مفتوحة للجامعات تساعد في نشر المحتوى التعلمي، دعماً منها للتعليم التفاعلي والتعليم عن بعد، في محاولة لدفع العملية التعليمية الى الامام، ومواكبة التطورات التقنية في هذا
 المجال".
 
قواعد السلوك الالكتروني
يحدد قانون انضباط الطلبة سلوكيات الطالب داخل القاعة الدراسية واثناء الامتحان، ومن المشكلات التي ظهرت في العام الدراسي الماضي نتيجة ضعف ثقافة التعامل عبر العالم الافتراضي، العديد من الخروق السلوكية الفردية في الصفوف التعليمية الالكترونية بحسب بعض التدريسيين، واجابة على تساؤلنا حول استحداث قانون جديد، او وضع معايير سلوكية للتعامل مع الواقع الجديد، اكد لنا الدكتور عدي احمد سريان هذا القانون ليقول: "في الوقت الحاضر على اي سلوك غير لائق من قبل بعض الطلبة والوزارة بصدد وضع سياسات متكاملة للتعامل داخل الصفوف الافتراضية، كما ان الدورات التدريبية اشتملت على محاضرات حول السلوك الاخلاقي المطلوب في التعليم الرقمي، فلقد اصبح هذا الاسلوب في التعليم جزءا من عالمنا، يمكن التفاعل معها وقبولها في عالم اصبحت معظم تعاملاته من خلال العالم الرقمي كضرورة لاستمرار عجلة الحياة".