أسماؤنا ودور العادات والموروث في اختيارها

ريبورتاج 2020/11/23
...

سرور العلي
 

تلعب العادات والتقاليد دوراً كبيراً في اختيار أسماء المواليد، لاسيما في مجتمعاتنا الشرقية، وتعطى أهمية كبيرة للأسماء، كونها تبقى ملاصقة للفرد منذ لحظة ولادته وحتى بعد مماته، وفي الموروث الشعبي لأغلب الأسر تتم تسمية الأبناء وفقاً لحسابات ودلالات ورموز معينة. 
تقاليد
وتنسب أسماء الأطفال إلى الآباء والأجداد لحبهم الشديد وتعلقهم بهم، فيقول خلف أحمد (32) عاماً «أطلقت اسم والدتي على ابنتي لحبي لها ولتذكرني بها طوال الوقت»، مؤكداً «اختار أبي اسمي تيمناً باسم جدي».
ويرغب آخرون بعدم تكرار تجربة تسمية الأبناء على أسماء أجدادهم وآبائهم، كون أغلبها قديمة ولا تتماشى مع أسماء هذا العصر.
فبين جيجان موحان (35) عاماً، لن أطلق اسم والدي على أي طفل من أطفالي، ولكوني كنت المولود الأول في الأسرة فسماني والدي على اسم جدي».
أما كريمة حسين (30) عاماً، فكان اسمها على اسم جدتها ما جعلها محبوبة بين أعمامها وتشبهها إلى حد ما في صفاتها وملامحها، وتعاني الشابة صباح كاظم من مشكلات عديدة بسبب اسمها، لكونه لا يدل على جنس معين، فتواجه المعاناة التي تتخللها الدعابة أثناء قراءة أسماء الحضور أمام زملائها الطلبة في الجامعة، أو في الدوائر الرسمية لتؤكد ضاحكة»أواجه الأمر بابتسامة في بعض الأحيان، طالما ليس لي ذنب باختيار اسمي».
 
مشاهير
ويفضل شباب كثيرون اليوم أن يطلقوا أسماء المشاهير من نجوم السينما والرياضة على مواليدهم، كالشابة زينب حمدان التي رفضت تسمية طفلتها باسم زهرة على والدة زوجها، وأصرت على تسميتها نيهال، وهو اسم نجمتها التركية المفضلة، ما ادى  لنشوب خلاف بينها و بين زوجها لبعض الوقت ودفعه  لمناداتها بزهرة ليغيظ زوجته، وتؤكد حمدان:»لم يعجبني الاسم وجدته قديما، كما أنها طفلتي ولي الحق بتسميتها بالاسم الذي أحبه».
 
أسماء عربيَّة
وكان للأسماء العربية كأسماء الشعراء القدماء والزعماء والقادة العرب نصيبها أيضا لمختلف المواليد الجدد، فسمى أركان رحيم (40) عاماً، ابنه صلاح الدين تيمناً باسم القائد العسكري صلاح الدين الأيوبي الذي أسس الدولة الايوبية، وبتوحيده بلاد الشام والحجاز ومصر، وأوضح رحيم بفخر «اقتداء بانتصاراته وقيادته حملات ومعارك كثيرة لاستعادة الأراضي المقدسة، إذ كان يحظى باحترام العالمين الشرقي والغربي».
أما حسين الصفار فسمى ابنه الكبير المختار على لقب المقاوم الثوري العربي عمر المختار، لحبه له ولشجاعته في محاربة الايطاليين لمدة عشرين عاما حتى تم إعدامه بمحكمة صورية وهو في السبعين من عمره، ليخلد اسمه في صفحات البطولة والثورة العربية. 
وقال بحماس:»هؤلاء يستحقون أن نتذكرهم دائما، وننادي أبناءنا باسمائهم وألقابهم».
حب وشغف
وهناك من يطلقون أسماء زوجاتهم على بناتهم، لاسيما إذا كان الزواج مبنيا على قصة حب جميلة، كالشاب مرتضى إبراهيم الذي سمى ابنته الأولى مروة على اسم زوجته وقال:»كان الاسم تقديرا لزوجتي، وتعبيرا عن الحب بيننا والمودة».
أما صلاح محمد (37) عاما، فأطلق اسم علي على ابنه تخليدا لاسم أخيه الشهيد، ليقول محمد متأثرا، وهو يحبس دموعه: «لم أجد غير اسم أخي الذي استشهد في كركوك قبل عامين ملائما لطفلي، ولأنني كنت متعلقا به وكلما تذكرته فاضت عيناي بالدمع».
وتنشب الخلافات أحيانا نتيجة إصرار الآباء على أبنائهم بتسمية مواليدهم على أسمائهم، ليصل الأمر إلى المقاطعة، فيخضع الأبناء لرغبتهم، ما يجعل الحفيد ناقما على جده، خاصة إذا كان الاسم قديما جدا وغير لائق، ويضطر بعضهم لرفع دعوة قضائية لتغيير اسمه بعد مرور أعوام، كحال تايه قاصد (45) عاما، ليحدثنا ضاحكا: «السخرية والاستهزاء من أقراني في المدرسة ونظرتهم القاصرة لي، دفعتني لتغيير اسمي بعد سنوات وبذلك تخلصت من تلك الوصمة».
 
آراء
ولعلم النفس والاجتماع رأيهما في تلك الظاهرة، إذ يرى الطبيب النفسي علي قاسم: «أن اطلاق الأسماء من قبل الأهالي على مواليدهم يعكس ثقافتهم، ودوافع نفسية بداخلهم، فحين يلجأ أحدهم لتسمية طفله على اسم والده أو طفلته على والدته يعد ذلك تقديرا عميقا لهم ولتأثرهم بهم وبشخصياتهم وعرفانا بجميلهم، ونجد البعض ممن يرغب بأسماء غربية كتوم وأنجيلا ورودين وغيرها، لهوسهم بالمشاهير ومختلف التقاليد».
مضيفا «علينا التروي باختيار الاسم وتعريف الطفل لاحقا بمعنى اسمه وسبب تسميته، وأن يكون فخورا به لتجنب الأزمات النفسية التي قد يتعرض لها بسبب استهزاء الأقران بالاسم المختلف، وهي مسؤولية تقع على عاتق الآباء للمساهمة في جعل الطفل مقبولا اجتماعيا ومندمجا مع الآخرين».
وتشاع أسماء معينة في الأرياف والمناطق النائية، بينما لا نجدها في المدينة وذلك نظرا للعوامل الجغرافية والطبقة.
أستاذة علم الاجتماع جنان فاضل توضح: «معظم أسماء الأبناء نسبة إلى أجدادهم وأعمامهم، هي تخليد لذكراهم ودعم العلاقات الأسرية وأواصر المحبة والرحمة».
مضيفة «نشوب الخلافات والصراعات بين الأزواج في اختيار الأسماء ناتج عن اختلاف الآراء وتدخلات الأهل الكثيرة، وعدم احترامهم للخصوصية، اذ ينتهي الخلاف بانتصار أحد الأطراف وعدم رضا البقية».
وحثت فاضل المتهيئين لاستقبال مواليد جدد على أن يتفق الشريكان على اسم معين برضا وقناعة، وتجنب الصراعات وابعاد تدخل الوالدين في آرائهما الخاصة».