قطارة الإمام علي (ع) دليل الماء وأثر في الصحراء وتبرك ودعاء
ريبورتاج
2020/11/24
+A
-A
كربلاء: علي لفتة تصوير: فاضل المياحي
في كل مسافة أو مساحة أو بقعة أرض ثمة أثر في العراق، وكل هذه المسميات في غرب كربلاء، فثمة أثر يتناوب عليه التاريخ بما هو موغل بالقدم ما قبل التاريخ مثل آثار الطار الى العهد العثماني كبقايا الخانات وما بينهما ككنيسة الاقيصر، في حين يتناوب التاريخ على ذكر الآثار الاسلامية التي تزخر بها المنطقة الغربية من محافظة كربلاء، حتى كأن التاريخ يصرخ ليسمع صوته، بأن هناك أثراً وحكايات كلما أوغلت في المسافات خارج كربلاء، لترسم خارطة طريق بين العراق وبلاد الشام أو أرض نجد والحجاز.
وقطارة ماء
ما أن تخرج من كربلاء باتجاه الغرب او قضاء عين التمر او شثاثة كما تسمى وعلى مسافة تزيد على 30 كم قليلا تجد ثمة مرتفعات او يطلق عليها الأهالي جبال وكأنها خرجت من أرض منبسطة تلتف على شكل كفّ شبه مضمومة وفتحة القوس باتجاه الشمس، اذ يأخذ الطريق للدخول الى التفاصيل، فتجد يافطة كتب عليها (قطارة الامام علي (ع)) على يمين الشارع المغادر المخلّف لكل تفاصيل المدينة وراءه.
يقول الباحث في الآثار والآثاري الذي كان يشغل منصب مدير آثار كربلاء سابقا حسين ياسر وبلغة اقرب الى الصحافة "إن هناك خارطة طوبوغرافية تسمى (خارطة الكادسترو) لمقاطعة رقم 61 الجزيرة التابعة ادارياً لقضاء الحر في محافظة كربلاء المقدسة، تؤشر امتدادات مرتفعة عن الارض المجاورة لها وتمتد لمسافات طويلة في سلسلة ترتبط بكهوف الطار الاثرية المعروفة والتي تمتد من هور ابي دبس (بحيرة الرزازة) الى محافظة النجف الاشرف والى بحر النجف في منتصف هذه السلسلة، نرى اشارة الى وجود القطارة وان هذه الخرائط رسمت في اربعينيات القرن الماضي، ما يعلمنا عن وجودها والمعرفة بها وقد اشرت في الخارطة لاهميتها وكونها دلالة لاهالي المنطقة وتؤيد معرفتهم الكبيرة بها".
يأخذك المعنى لكي تكتشف وانت ترى ثمة سيارات وما يشبه السفرات التي تأتي الى زيارة المكان دينيا وسياحيا، فتنزل على طريق ترابي وعر لأكثر من 2كم، لترى واديا عميقا وتكتلات صخرية، وثمة مكان له قبة ويافطة تحول الى مزار يرتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة والتبرك والتواصل مع التاريخ، وهو يرتبط بواحدة من أهم شخصيات التاريخ الاسلامي، ألا وهو الامام علي بن ابي طالب (ع).
يقول الباحث ياسر "كنا سابقا لا نستطيع الوصول الى المكان لوجود اهمال في الاعمار، اذ كان علينا الحذر ونحن ننزل الى الأسفل عبر ممر شبه طويل وفيه تعرجات، وكون المنطقة ممتلئة بالرمال المتكدسة والتي يصعب المشي فيها هناك والحديث لياسر "كنا نرى حفرة في الارض طولها اقل من مترين وعرضها متر واحد وبعمق اقل من متر مملوء بالمياه التي تجعلنا ندقق في منبع ومصدر هذه المياه، حينها نلاحظ قطرات تنزل من سقف الحفرة بصورة مستمرة، ثم نرى نخلة باسقة ومثمرة ترتوي من قطرات الماء هذه، ويوضح ان هذا الوصف هو وصف المكان في القرن الماضي، اذ لا يصله الا الباحثون عن المخاطر والمجازفات ومن سمع بوجوده وهم يعدون على اصابع اليد".
أقوال وسند
يتحدث الباحث حسين ياسر عن الاصل والتسمية والمكان فيقول: "ان ابن شهرآشوب يذكر: عن أهل السير، عن حبيب بن الجهم وابي سعيد التميمي (وابي سعيد عقيصا) والنطنزي في الخصائص، والأعثم في الفتوح والطبري في كتاب الولاية بإسناد له عن محمد بن القاسم الهمداني، وابي عبد الله البرقي، عن شيوخه، عن جماعة من أصحاب علي (ع) أنه نزل أمير المؤمنين (ع) بالعسكر عند وقعة صفين (في أرض بلقع) عند قرية صندوداء، فقال مالك الأشتر: تنزل الناس على غير ماء؟! فقال: يا مالك إن الله سيسقينا في هذا المكان، احتفر أنت وأصحابك، فاحتفروا فإذا هم بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة لجين، فعجزوا عن قلعها وهم مئة رجل، فرفع أمير المؤمنين (عليه السلام) يده إلى السماء وهو يقول: طاب طاب يا عالم يا طيبو ثابوثة شميا كويا جانوثا توديثا برجوثا آمين آمين رب العالمين رب موسى وهارون، ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعاً، فظهر ماء أعذب من الشهد، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فشربنا وسقينا (دوابنا)، ثم رد الصخرة وأمرنا أن حثوا عليها التراب، فلما سرنا غير بعيد قال: من منكم يعرف موضع العين؟ قلنا: كلنا، فرجعنا مكانها فخفي علينا، وإذا راهب مستقبل من صومعته، فلما بصر به أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (أنت) شمعون؟ قال: نعم، هذا اسم سمتني به أمي، ما اطلع عليه (أحد) إلا الله ثم أنت، قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذه العين واسمها قال: هذه عين زاحوما وهو من الجنة، شرب منها ثلاثمئة وثلاثة عشر وصياً، وأنا آخر الوصيين شربت منها، قال: هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل، وهذا الدير بني على (طلب) قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، ولم يدركه علم قبلي غيري وقد رزقني به الله، وأسلم، وفي رواية أنه جب شعيب: ثم رحل أمير المؤمنين (عليه السلام) والراهب يقدمه حتّى نزل صفين، فلما التقى الجمعان كان أول من أصاب الشهادة، فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحب، الراهب معنا يوم القيامة.
تعدد الرواة والمكان واحد
ثمة رواة كثر واحاديث كثيرة وكتب ناقلة، وثمة حقيقة واحدة ان المكان هو الاصل الحقيقي وان الماء هو الراوي للمكان وان النخلة شاهدة التاريخ، وان استمرار التدفق يعطي لتعدد الاحاديث معنى البحث والتقصي، ولهذا يقول الباحث حسين ياسر "انه يمكن استخلاص ثلاث حقائق من هذه الروايات، أولها: قدرة الإمام علي (ع) العلمية على معرفة الأشياء واستخدامه لمنطق الأرض وجيولوجيتها، اذ عرف ان تحت هذه الصخرة ماء، وهذا يعني أن العلم مفتاح الحلول، وثانيها ان الأرض كربلاء مرّ بها التأريخ بجميع حقبه وان فيها مسيحيين ولهم فيها دير، وهذا ما يؤكد وجود أقدم كنيسة في الشرق الأوسط هناك، وثالثها ان العراق كان ممراً للعالم أجمع، وأرض كربلاء أحد هذه الممرات إلى الشرق والغرب وان الحياة كانت عظيمة وكبيرة".
مكان استراحة
في تلك المنطقة الغربية ثمة صحراء مترامية، ورغم رمالها الكثيفة قبل وجود بحيرة الرزازة، إلا انها كانت تسجل عبر التاريخ الكثير من الاحداث، فهي منطقة الوصل بين الشرق والغرب وبين طريق الحج وطريق التجارة، ولأنها طريق طويلة كان لا بد من وجود اماكن للاستراحة، فالقوافل العديدة تحتاج الى اراحة الجمال والأحصن والناس وحتى المقاتلين الذين يمرون من هناك للمشاركة في الفتوحات الاسلامية وغيرها، ويقول الباحث الاثاري حسين ياسر "ان هذه العين تروي كل من يقطع الصحراء، ولم ينتبه لها كيف انوجدت وما اقصده هو التاريخ الحديث حتى سبعينيات القرن الماضي، اذ كان الرعاة يمرون بقربها لأنهم يدركون ان هناك ماء في المنطقة وهذه (القطّارة) تقطّر الماء من تحت الصخرة وتعيده إلى حوض تحتها، ولا أحد يعرف من أين أتي الماء لأنه لا ينقطع، وتشير الدلائل إلى أن المكان كان موحشاً، وبالقرب من الصخرة كانت هناك نخلة وهي دليل الرعاة والمارين من القوافل والمسافرين وعابري السبيل".
دواء وشفاء وتبرك
يذكر ياسر انه بعد مرور سنوات قليلة على سقوط النظام تم إكساء الطريق المؤدي إلى القطّارة وتم تشييد قبة إسلامية جميلة على المشهد، فضلاً عن الخدمات الصحية والماء وغيرها من الخدمات، مثل إنشاء حديقة تمت زراعتها بأصناف كثيرة من الأشجار، فضلاً عن أشجار النخيل، أما ماء السقي الذي يسقي المزروعات فقد تم حفر بئر ارتوازية لذلك، و في داخل عين الماء نصبت مقطورة كهربائية تسحب الماء إلى حوض خارجي يجمع فيه الماء، ويأخذ الزوار ما يريدونه مجاناً للشفاء والتبرك، وان الزوار يأتون الى المكان من كل انحاء العراق، وكذلك بعض المسلمين من انحاء العالم لزيارة المكان والتبرك به، وكذلك اخذ الماء للتداوي والشفاء فضلا عن طلب الرزق وحتى الانجاب، اذ ان لهذه القطارة معجزة آلهية كما يقول الباحث ياسر ويورد ما ذكره الشاعر الكبير السيد الحميري (ت 173 هـ) في قصيدته البائية المعروفة اذ يقول فيها:
ولقد سرى في ما يسير بليلة بعد العشاء بكربلا في موكب
حتّى أتى متبتلاً في قائم القى قواعده بقاع مجدب
تأتيه ليس بحيث تلقى عامراً غير الوحش وغير أصلع أشيب
في مدمج زلق أشم كأنه
حلقوم أبيض ضيق مستصعب
فدنا فصاح به فاشرف ماثلاً كالنسر فوق شظيه من مرقب
هل قرب قائمك الذي بوأته ماء يصاب فقال ما من مشرب
ألا بغاية فرسخين ومن لنا بالماء بين نقاوقي سبسب
فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى ملساء تبرق كاللجين المذهب
قال اقلبوها انكم ان تقلبوا ترووا ولا ترون ان لم تقلب
فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت منهم تمنع صعبة لم تركب
حتّى إذا أعيتهم أهوى لها
كفا متى ترد المغالب تغلب
فكأنها كرة بكف حزور
عبل الذراعين رحابها في ملعب
فسقاهم من تحتها متسلسلاً
عذاباً يزيد على الالذ الاعذب
حتّى إذا شربوا جميعاً ردها
ومضى فخلت مكانها لم
يقرب