المهربون يستخدمون أنفاق الصرف الصحي

بانوراما 2020/12/03
...

كيفين سيف ترجمة: ليندا أدور
ينقل الكوكائين شمالاً عبر خطوط الصرف، عندما يرسله المهربون، في بعض الأحيان، عائماً داخل أكياس عبر نهر من مياه المجارير، وأحياناً يزحفون به وسط الأوحال والفضلات البشرية وصولاً الى الأراضي الأميركية، فبعد تشييد الجدار الحدودي الفاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وشمال مدينة نوغاليس على حدود المكسيك، تحولت تجارة المخدرات هناك الى تحت الأرض، حيث عثرت الدوريات المكسيكية والأميركية على نفق يبدو عليه أنه تم حفره مؤخراً داخل نفق، لشبكة صرف صحي عمرها 80 عاماً، يربط بين البلدين وبعمق 15 قدماً تحت سطح الأرض، تتبع عناصر الحرس الوطني المكسيكي مهربي المخدرات مع مجارفهم، حاملين مصابيح يدوية تنير لهم ظلام النفق، عبر خطوط صرف صحي تمتد لسبعة أميال على الجانب المكسيكي، متسائلين: "هل هناك أنفاق لم يتمكنوا من العثور عليها بعد؟".
عاصمة الأنفاق
يقول ريكاردو سانتانا فيلاسكيز، القنصل العام المكسيكي في الجانب الأميركي من نوغاليس إن: "هذه المدينة عاصمة الأنفاق عبر الحدود بين البلدين"، فما أن اكتشف المهربون شبكة مصاريف المياه في نوغاليس، حتى تعلموا الحفر والتنقيب في جدران القناة، ولا تعلم السلطات بكميات البضائع المهربة عبر الأنفاق قبل أن يعثروا عليها ويحضروها، مشيرين الى أن نفقا ضيقا تم حفره باليد، قد يساوي عشرات الملايين من الدولارات لدى عصابات التهريب. 
في ظهيرة أحد الأيام، تسلل سانتانا وفريق الحرس الوطني المكسيكي الى شبكة صرف تحت الأرض، التي يبدو أن المهربين يدخلونها يوميا، ليحفروا الأنفاق التي تقسم المجارير لتظهر اشكالها كثقوب الجبنة السويسرية، يربط كل منها خط الصرف بولاية أريزونا. 
أحد الأنفاق قاد الفريق إلى حمام داخل منزل بأريزونا وعثروا فيه على 211 رطلا من الكوكائين والفينتانيل والميث والهيروين، بينما فتح نفق آخر على قطع من جذور نباتات متضخمة النمو شمال منطقة الجدار الحدودي. 
حفر المهربون منفذ دخول يخترق مقبرة مكسيكية، بعد أن أزالوا رفات أحد الموتى ليتمكنوا من ادخال الانبوب من خلال القبر. 
يخدم المشروع المتهالك مدينتي نوغاليس المكسيكية وتوأمها الأميركية، وكان قد أنشئ خلال ثلاثينيات القرن الماضي كمشروع مشترك بين البلدين في حقبة الكساد, غير إنه صار هبة للمهربين، فأكثر من نصف الأنفاق التي عثر عليها تحت الحدود الأميركية- المكسيكية منذ العام 1990، ويبلغ عددها 127 نفقا، اكتشفت في نوغاليس. 
 
ثغرات أمنيَّة
يبدو أن القيام بدوريات على طول 2000 ميل من الحدود المشتركة أمر بالغ الصعوبة، اذ يقطعون الصحارى القاحلة ويتتبعون مسار نهر ريو غراندي المتعرج، ويخترقون العديد من المدن الشقيقة، لكن الغريب هو قيامهم بدوريات داخل نظام صرف صحي متقادم تحت الأرض.
عندما تم الانتهاء منه أوائل أربعينيات القرن الماضي، لم يكن بالحسبان ان مشروع البنية التحتية هذا الذي ربط حينها بين مجتمعات نائمة على الجانبين، سيستخدمه المجرمون العابرون للحدود. 
حتى عندما بدأ الإتجار بالمخدرات خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لم تكن هناك حاجة لنقل الماريجوانا أو الكوكائين عن طريق أنابيب الصرف، اذ كان من السهل اجتياز جزء كبير من الحدود. 
لكن مع تشديد الإجراءات الأمنية، أصبح نظام الصرف الصحي واحدا من أكبر الثغرات الأمنية على الحدود بين الدولتين. 
بهدف ردع المهربين، لجأت دوريات الحدود الى لحام فتحات المجارير المستخدمة كمنفذ الى نظام الصرف بجنوب أريزونا، كما ناقش المسؤولون المحليون إقامة مشبكات على خطوط الصرف للإمساك برزم المخدرات. 
طيلة عقود من الزمن، سيرت الولايات المتحدة دوريات منفردة على الحدود لعرقلة محاولات التهريب، مستخدمة أحدث التقنيات منها أجهزة لقياس مستويات الأوكسجين والغازات الضارة، حتى انها أنشأت نفقا مشابها للأصلي لتدريب العناصر الجديدة. 
 
الطين الرمادي
يتحدث أحد أعضاء الوحدة المكسيكية المسؤولة عن عمليات مراقبة الحدود، فوق وتحت الأرض وبطول 30 ميلا بقوله: "يملك الأميركيون كل شيء، أما نحن فلا نملك حتى الخوذ"، وانهم قادرون على القيام بدوريتين فقط في الأسبوع داخل نظام الصرف. 
على الجانب المكسيكي، بدا سقف النفق وقد تهاوى، اذ أعرب مسؤولون محليون عن قلقهم من احتمال انهياره، حيث تم مؤخرا تشخيص تسريب جديد فيه. 
أحيانا، تكون الأنفاق غير المشروعة ضيقة ولا يتجاوز عرضها القدمين وبطول 90 قدما، اعتمادا على ما يحاول المهربون نقله عبرها. 
في العام الماضي، تم الكشف عن نفق كان يستخدمه مهاجرون ظهروا على الجانب الأميركي قرب بقعة من الأحراش بعد ان رصدت كاميرا مراقبة ظهور أشخاص من داخل الأرض قبل أن يركضوا بعيدا. 
يستخدم المهربون أدوات اللحام لاختراق الأنابيب، من ثم يبدؤون بالحفر في التربة والصخر بمجارف صغيرة يخفونها عند انتفاء الحاجة اليها، ويخفون اعمالهم بالطين الرمادي. 
يقول سانتانا: "ان الأنفاق العابرة للحدود هي الحقيقة الموازية والسرية عن الإتجار غير المشروع للسلاح والأموال والمخدرات والأشخاص، وباتت مسألة لم يعد من الممكن تجاهلها بعد الآن".