السياحة العلاجيَّة .. أربيل أولى محطات العراقيين

ريبورتاج 2020/12/07
...

  ضحى مجيد سعيد
 
تشهد مستشفيات إقليم كردستان الحكومية والأهلية على حد سواء إقبالا ملحوظا من أصحاب الحالات المرضية في المحافظات الأخرى للبلاد، الاقبال قبل جائحة كورونا كان بشكل أكبر إذ اثر سلبا إغلاق المنافذ الحدودية من قبل السلطة المحلية في اربيل على اعداد دخول الوافدين، وعلى الرغم من الشروط الموضوعة لدخول محافظات الاقليم خشية تفشي الوباء لا تزال هناك حالات مرضية تتوافد عبر الرحلات الجوية. 
ولا شك في أن السبب يعود بحسب اصحاب الاختصاص الى تطور الواقع الصحي قياسا بباقي المدن، اذ لا توجد احصائيات دقيقة عن اعداد المرضى الوافدين من المحافظات الأخرى، حاولنا التحقق من الأرقام من خلال اتصالنا بالمتحدث الرسمي لهيئة السياحة المحلية في الاقليم نادر رستي لكنه أجاب "إن هيئة السياحة لا تمتلك ولم تسجل أي معلومات عن اعداد الوافدين من طالبي العلاج"، توجهنا الى وزارة الصحة في الاقليم، وخلال استفسارنا عن الموضوع أكد المتحدث الرسمي لإعلام وزارة الصحة في الاقليم الدكتور محمد قادر خوشناو بأن "وزارة الصحة في الاقليم لا تمتلك هي الاخرى اي معلومات عن اعداد الحالات المرضية الآتية من المحافظات الأخرى". بكل الاحوال على ما يبدو ان الارقام متغيرة، لكن المؤكد هو وجود حالات مرضية كثيرة تأتي من المحافظات الاخرى طلبا للعلاج في مستشفيات اربيل على وجه الخصوص.
 
فقد بصره
اِلتقينا برضوان عبد اللطيف (33 عاما) وهو احد طالبي العلاج في الاقليم، ويقوم بمراجعة الاطباء في الاقليم مع والده منذ سنوات، فقد عانى رضوان من فقدان للوعي وبعد مراجعات وفحوصات طبية كثيرة تم تشخيص الحالة من قبل احد الاطباء، وتم تحويله الى مستشفى رزكاري الحكومي في اربيل، لكن حالة رضوان تم تحويلها لاحقا الى مستشفى بار الاهلي لعدم وجود اجهزة كافية لاكتشاف ابعاد الحالة، في عام 2016 اجرى رضوان عملية في الدماغ عن طريق الدكتور فراس عبدالله ورقد في المستشفى مابين 8 - 20 يوما، نجحت عملية رضوان وفقا لتأكيدات طبيبه بنسبة 70 % بكلفة مادية تجاوزت خمسة الاف دولار أي ما يعادل ما بين ستة الى
سبعة ملايين دينار عراقي وفقا لمتغيرات سعر صرف الدينار، لكن بعد فترة من اجراء العملية كانت النتائج صادمة إذ فقد رضوان البصر، وأصيب بحالة صرع مزمن، كما أصيب بحالة من اليأس، بينما خيَّم الحزن على أهله، عاد معهم الى محافظة الانبار وانتقل الى العلاج في بغداد ليتم اكتشاف مرض أصاب كبده بفيروس، استمر على العلاج في مدينة الطب 
ببغداد.
 
ليلى وفقراتها
وتتنوع الحالات المرضية الوافدة الى الاقليم، السيدة ليلى جاسم البالغة من العمر ستين عاما، تعاني من الالام في الفقرات، لم توافق في بادئ الامر على اجراء اي حديث وكان الألم واضحا على محياها، ولكن بعد رجائنا للحديث معنا وافقت، وبدأت حديثها بالبكاء على ما وصلت اليه حالتها من تدهور في عدد من فقراتها، تقول السيدة انها راجعت عدة اطباء في بغداد لاكثر من عام ولم تتحسن حالتها، على الرغم من مواظبتها على جرعات العلاج، وتشير الى ان الالم بدأ ينسحب الى جزء من يدها وساقها حتى أنها بدأت تتحرك بصعوبة، تقول السيدة ليلى إن الكثير من أقاربها نصحوها بالسفر الى الهند لوجود مستشفيات متطورة هناك، لكن الامر يتطلب تكاليف مالية لا تتوفر لديها، لذا لجأت الى اطباء داخل الاقليم عسى ان تجد العلاج لآلام الفقرات، اردفت ليلى انها راجعت طبيبا مختصا داخل الاقليم، واجرت فحوصات بالرنين المغناطيسي، لكن طبيبها يؤكد حسب قولها ان العلاج بحاجة الى وقت، واحكام العمر لها تأثير ايضا على كفاءة الفقرات، لذا تؤكد انها لا تزال تعيش على المسكنات ومستمرة بالعلاج وتنتظر الشفاء بفارغ 
الصبر.
 
خدمات صحيَّة
 وفي ظل عدم وجود احصائيات وارقام دقيقة عن طالبي العلاج من خارج الاقليم لدى المؤسسات التي ذكرناها سابقا، توجهنا بالحديث الى عدد من الاطباء في اربيل، للوقوف على تفاصيل اكثر عن السياحة العلاجية، بدأنا مع الدكتورعبدالخالق كريم، استشاري جراحة الانف والاذن والحنجرة، فقد اشار الى عدم وجود ارقام دقيقة عن اعداد الوافدين من المرضى، ويوضح ان الاختصاصات الطبية مختلفة، لكنه بيَّنَ أن نسبة الوافدين من المرضى خارج الاقليم تقدر ما بين 25 % الى 30 % من مجموع المرضى، ويؤكد الدكتور عبد الخالق ان الاقليم يتمتع بخدمات صحية جيدة قياسا بباقي المحافظات العراقية، ويعزو اسباب توافد المرضى من خارج الاقليم الى وجود كفاءات طبية عراقية من مختلف المحافظات استقرت في الاقليم، وتعمل في القطاع الصحي، ويؤكد "ان الكفاءات الطبية العراقية تنافس الكفاءات الطبية لدى الدول الأخرى وتتفوق عليها أحيانا، بغض النظر عن مستوى تطور المستشفيات وما فيها من معدات"، أما في ما يتعلق بالتكاليف العلاجية، فيقول إنها أفضل من بقية الدول باستثناء ايران، وذلك لفارق العملة قياسا بسعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار، لكنه يشير في الوقت ذاته الى ان اقبال المرضى العراقيين على المستشفيات خارج البلد هو أكبر، وذلك لتطور المستشفيات خارج البلد من ناحية الخدمة الفندقية او الإقامة 
فيها.
 
أسماء دعائيَّة وإخفاقات
ويؤكد الدكتور عبد الخالق أن الخدمة الفندقية في المستشفيات الحكومية هي اقل من الخدمة ذاتها في المستشفيات الاهلية داخل الاقليم، أما في ما يتعلق بالمستشفيات الاجنبية الاستثمارية داخل الاقليم فأوضح ان هذه المستشفيات بما فيها من طواقم طبية ليست بأفضل مما هو موجود من مستشفيات اهلية داخل الاقليم، ويشير الى ان هذه الاسماء لا تعني شيئا وهي دعائية صرفة، ولا يوجد فيها شيء اكثر مما يوجد بالمستشفيات الحكومية، بل على العكس فهي أقل كفاءة وأقل تطورا وأقل اجهزة، وان هناك مشكلات كثيرة تواجه المرضى في المستشفيات الاجنبية ومنها التركية، اذ صادفنا بالسنوات الاخيرة مشكلات تتعلق بمرضى من بغداد وكركوك والجنوب كانت لديهم اخفاقات بعمليات جراحية اجروها في تلك المستشفيات ولا يستطيعون مراجعة طبيبهم لسفره الى بلده، ومن ثم يبقى المريض في حيرة من أمره، اما الاطباء العراقيون في مستشفيات الاقليم فعادة ما يتعاونون مع المريض ويبقون على اتصال دائم معه لتقديم النصح والارشاد عبر الهاتف 
وغيره من وسائل التواصل، ويشير الدكتور عبد الخالق الى وجود مستشفيات تخصصية لمعالجة الامراض الخطيرة ومنها السرطانية بكل اشكالها.
 وبهدف الاطلاع بشكل اكبر على واقع السياحة العلاجية توجهنا الى الدكتور فارس القاضي اخصائي فقرات وهو من اهالي بغداد، ويسكن في الاقليم ويمارس عمله هناك، اوضح القاضي ان 20 % من المراجعين لعيادته الخاصة هم من خارج الاقليم، والمرضى يتوافدون طلبا للعناية الطبية الجيدة والمتطورة التي لا تتوفر لهم في محافظاتهم، ويؤكد ان الوافدين من خارج الاقليم يتوجهون عادة الى المستشفيات الاهلية لأنهم يبحثون عن خدمات حسب اعتقادهم لا تتوفر في المستشفيات الحكومية، ولكون المستشفيات الحكومية موجودة أساسا في محافظاتهم، ويشير الى ان "المستشفيات الخاصة في الاقليم لديها امكانيات جيدة جدا وتقنيات حديثة وتقوم بتطوير مستواها بشكل مستمر، ولكنها قد تفتقر الى بعض التقنيات المكلفة جدا، والتي يصعب على القطاع الخاص توفيرها".
أما في ما يتعلق بالكفاءة والالتزام فيشير القاضي الى ان "المستشفيات والاطباء في الاقليم منضبطون جدا بسبب المتابعة المستمرة من قبل نقابة الاطباء وحكومة الاقليم، وان قسما من الملاكات في هذه المستشفيات هم من خارج البلد، ويعكسون المستوى الطبي والصحي في 
بلدانهم".
 
داعش الإرهابي
وبعد كل ما مر من معطيات يؤكد متخصصون ومتابعون لهذا الملف أن ما مرت به بلاد الرافدين، بدأ من ويلات الحروب مرورا بالحصار وصولا الى مقارعة الارهاب، إذ إن انتهاء تحرير الارض من داعش أثر بشكل سلبي على عجلة تطور مختلف المؤسسات، ولهذه الاسباب شهد القطاع الصحي تدهورا لافتا، كما اسهمت هجرة الكفاءات الطبية نتيجة عدم استقرار الاوضاع في تفاقم هذه الازمة، ما دفع بأعداد كبيرة من العراقيين من ميسوري الحال الى البحث عن ملاذ طبي في اقليم كردستان احيانا والى الدول المجاورة في أحيان أخرى، وخصوصا في الحالات المرضية
المستعصية.