بغداد: قاسم موزان
في أحد التقاطعات المزدحمة وقفت فتاة عشرينية جميلة بملابسها الأنيقة، ومدت أناملها الرقيقة باستحياء الى ركاب السيارة تستجدي عطفهم ببعض المال، هذا المشهد أزال الصورة النمطية الراسخة في الأذهان عن المتسولات، التي تتسم برثاثة الملابس وقذارتها واسلوب الاستجداء المخجل، الذي يثير القرف أكثر من العطف عليهن، وغالبا ما يواجهن ردود فعل عنيفة، وكلمات قاسية من المستجدى منهم
هذه الصورة النمطية تغيرت في السنوات القليلة الماضية، بظهور متسولات جديدات بملابس لافتة مع لمسات جمالية على وجوهن، ويتجولن في أسواق بغداد ومقاهيها، خصوصا في المناطق ما يطلق عليها موبوءة، التي لا ينفك الشباب يتحرشون بهن او هن يقمن بحركات تثير غرائزهم المكبوتة، والأغرب تجوالهن للتسول ليلا ما يثير اكثر من سؤال؟.
أساليب مهذبة
الى ذلك أشارت التدريسية في معهد الفنون الجميلة للبنات والاختصاص في العلوم التربوية والنفسية ا. م. د أزهار قاسم محمد امين الى ان «ظاهرة التسول اصبحت منتشرة بشكل واسع، نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وكذلك التفاوت في مستوى المعيشة، وقد تلونت سلوكياتها في مناطق مختلفة، فقد يبرز أحدهم بعاهته وأخرى برتابة حالها، وقد تصحب إحداهن أطفالها الصغار، لتجعل منهم وسيلة للاستجداء، وهناك من يتخذ له زاوية في مكان ما ليجعل منها محطة للحصول على مبتغاه، ولكل منهم بطبيعة الحال اسلوبه في الاستجداء، وكما هو معروف ان الكثير منهم يظهر بمظهر بائس ومعدم وفقير، ولكن ان تبرز لدينا متسولات انيقات، هنا لا بد أن نتوقف ونبحث عن الأسباب»، وتابعت أمين «لا شك أن تلك المتسولات اتبعن هذا الأسلوب، ليظهرن بمظهر اللواتي كن في عز وقادتهن الظروف إلى هذا المصير، ومن جانب آخر هذا الأسلوب قناع يلفت الانتباه اليه، ويثير حفيظة البعض الذي سرعان ما ينجذب لإخراج نقوده والتعاطف معهن، ومن طرقهن في التسول يخاطبن الشخص الذي يمر بالقرب منهن، باسلوب مهذب، ويدعين بأنهن بحاجة إلى بعض المال للذهاب إلى بيوتهن في المحافظة الفلانية، وتستدرج عطفا آخر بالتبرع، لأنها تجمع المال لأطفال مرضى او يتامى، وأساليب لا تثير الشك، بل تجذب البعض للتعاطف معهن».
اتهامات ولوم
في حين أبدت الناشطة والخبيرة الدولية كرمل عقيل عبد الواحد استغرابها من توجيه اللوم والاتهامات بحق المتسولات الانيقات، ولكن هذا كلام غير مسؤول؛ هل سألنا انفسنا يوما عن حقيقة حياتهن، وما الذي دفعهن، لايجاد هذا النمط الحديث من التسول؟ هل سألناهن اذا ما كن سعيدات بما يقمن به؟، وتساؤلات اخرى كثيرة، سأنتهز الفرصة لذكر أحد الابواب التي تدفع، لهكذا ظاهرة وهي قوانين شبكة الحماية الاجتماعية، إنَّ وجود امرأة او فتاة معنفة اجتماعيا او اقتصاديا، او قد تكون في افضل احوالها غير معنفة، ولكن الحياة أجبرتها على أن تعيل ابا او اما او اخوة او زوجا او أولادا. وتؤكد أن « راتب شبكة الحماية في حال تيسر الحصول عليه، هو ضئيل جدا ولا يسد أقل احتياجات الحياة، لمدة اسبوع، اذا ما كانت الأسرة بصحة جيدة، اما إذا كان أحد الأفراد مريضا، فالجميع يعرف ما معنى ان تكون مريضا في العراق».
مهنة
وقالت طالبة الدكتوراه في علم الاجتماع في جامعة بغداد هبة مجيد سبوت «عرفت الصورة النمطية للمتسولات، بالثياب الممزقة والحالة الجسدية الهزيلة، لكن ما نشهده في الوقت الحالي هو مخالف لهذه الصورة النمطية، اذ ظهرت صورة أخرى لمتسولات يتمتعن بملابس جميلة، تشبه في أحيان كثيرة ملابس النساء السائدة، واضافت سبوت «يعود ذلك بدرجة كبيرة، إلى أن التسول أصبح مهنة للكثير من المتسولات وأسرهن، مما رفع ذلك من دخلهن ومستواهن الاقتصادي، وانعكس بالتالي على شكلهن ولباسهن، وغالبا ما تكون هذه المتسولات محميات أثناء التسول من قبل أشرهن او أشخاص».
دوافع التسول
وتوضح الناشطة المدنية منى الحسين «انه ليس من السهل أن ترتكب المرأة جرم التسول، الذي هو الاخطر في حياتها ويعرضها للانتهاكات، كالتحرش الجنسي والاغتصاب، ناهيك عن الابتذال والاهانات، التي تتعرض لها من الشارع، فحين تابعنا احدى الفتيات الصغيرات بعمر خمس سنوات في صلاح الدين، وجدنا انه تم ارسالها من قبل والديها للتسول حتى اغتصبت، واضافت» فتاة اخرى لاتملك اي مستمسك اصولي، وتحتاج لرعاية صحية، فتضطر للتسول ما يعرضها لابشع انواع العنف خلال التسول، واخريات يخرجن كدفعة واحدة وينتشرن في التقاطعات، بعد أن أخذت جهة مجهولة، أثناء التحرير، بينما بقيت النساء تتسول، وأخرى وجدت التسول سببا يدفعها لاكمال غرائزها الجنسية والمادية، لتبقى المتسولة، من دون متابعة حقيقية، وما هو دافع التسول؟ يمكن ان يكون أداة من أدوات الارهاب، لذلك نحتاج بالفعل لسلطة اقوى، لرصد كل ما يحدث وللنساء، ولاعادة تاهيل هؤلاء المتسولين، لكننا اليوم بالفعل امام محنة كبيرة، ومن مخيمات تغص بالمئات من الاطفال المحرومين الذين يجدون التسول متنفسا لهم للاسف من دون اهتمام».
تأهيل
تساءلت السيدة أم علي ربة بيت « تفاقمت حد ظروف اولئك المتسولات، وهن يتمتعن بقدر من الجمال، ويستعطفن الناس بقليل من المال، فكيف يحمين انفسهن من تحرشات بعض الشباب في تجوالهن، ولا بد من تأهيل حقيقي لهن من خلال مشاريع صغيرة، تدر عليهن ايرادا معقولا يغنيهن عن التسول ويبعد عنهن شبح الفقر».