رنا صباح خليل
"جمود" رواية صدرت عن دار الكلمة للروائية الصينية ينغ تشين وقد ترجمتها للعربية فاطمة البهلول بطريقة محترفة تنم عن اللعبة الروائية وادركها الاشتغال عليها وفقا لما تقتضيه عملية الترجمة لعمل روائي، إذ انها استطاعت ان تعيد صياغة ثوب الابداع الروائي، وأن تستكشف فضاءاته بما تحويه عدتها المعرفية من فك مبهمات اللغة واستجماع خزائن النص التعبيرية، كي يخرج الينا بشكله الجميل المتقن. ذلك انها تترجم لروائية اطلقت العنان لروحها ولذاكرتها ولتجربتها الفنية في ميدان الأدب معتمدة على فكرة واحدة تستولي عليها وتحتل مخيلتها ولا تستطيع الانعتاق منها وهي تكمن هنا في طبيعة تهويمات المرأة وما الذي تريده من الحياة وبذلك تكون الكتابة لديها شيءٌ من تنويع على تلك الفكرة ومقاربة لها من وجوه عدة تجعلها تمتاح من خزينها الذاكراتي لتطرح اسئلة نستجليها من خلال قراءتنا للنص حتى لتشعرنا انها اتخذت من الرواية ذريعة لخوض ما هو فلسفي لديها وفقا لمفاهيمها عن السايكلوجية الانثوية وجميعها تصب في افتراضات، فيما لو قيض للمرأة ان تعيش حيوات عدة، ماذا سيكون اختيارها ووفق أية حياة ستتبنى احلامها؟ وما هي طبيعة ادلجتها وفهمها لمكنون الرجل، ما هو شكله وما هي طبائعه واي مركز يناسبها ان يحتله في عالمها المادي؟ وقد تبنت ذلك كله شخصية واحدة في الرواية وهي الراوي العليم على طول السرد والى نهايته، إذ انها تحتل الشخصية المركزية والمحورية التي بواسطتها تغلف الروائية الافكار والمستحاثات لتجعلها متفقة ورغبات تلك الشخصية وقد هيئتها لتتخذ من رجلين وجهين لعملة واحدة في حياتها مع احتفاظها بمفارقة ان يكون الاول خادما في بيت أمير من زمن غابر ويكون الثاني استاذاً جامعيا معاصراً، على أنها في خضم تساؤلاتها تلك تطرح فلسفتها الخاصة حول الرغبة بالموت أو بممارسة الحياة وتناقش اصل وجودها وانبثاقها في هذا الكون وتتحدث عن مواهبها وميولها وهي فوق هذا كله تحتفظ بهالة من الغموض والقلق ومن البديهي أن الغوص في مخيلة امرأة له ما له من الدهشة التي تستلب عقل القارئ وتستبيح ذهنيته وتوقعه بالايهام احياناً ولذلك توجبها المسوغات أن تروي الأشياء في سرد حكائي ينطوي على فجوات يتسرب منها التوتر ويمكث فيها سر خفي يتجول من صفحة لأخرى وهذه وسيلة المؤلفة لتنتج حبكتها الروائية، ثمة اسرار وخفايا وشخصيات غامضة تجتمع لتنسج صورة معقدة من الحوادث والازمان والامكنة المجهولة توهمنا فيها بالعالم العجائبي متخذة من ثيمة العودة للحياة بعد الموت طريقاً يبعدنا عن اصل الحكاية في أن بطلة الرواية مصابة بمرض نفسي تتوهم فيه انها عاشت سابقاً حيوات عدة كي نتيه مع القارئ في قضية عجائبية ونتقصى ما تفرضه علينا من احكام وهنا تكمن المفارقة الذكية من لدن الروائية التي استطاعت بها ايهام القارئ وجره الى منطقة بعيدة عن مقصدية الرواية وذلك كي يشحذ ذهنه ويستجمع ادلته المنطقية، فيصل الى فهم جديد للرواية بشكلها المغاير لأصلها وهنا لا بد من القول أن فكرة العودة بعد الموت هي فكرة مثيرة بحد ذاتها بالنسبة للروائي، إذ تمنحه حيزا واسعاً من الحرية يمكنه من أن يتحرك داخله بسهولة مطلقاً أفكاره وخيالاته على الرغم من ان كل شيء في الرواية مبهم بدءاً بأسماء الشخصيات التي اتخذت رموزاً يستدل عليها بالحروف مثل (أ) و(س) بل إن الشخصية الرئيسية والمحورية ايضاً لم يرد لها اسم في الرواية هذا غير عدم وضوح الاماكن أو أية ملامح لحقبة زمنية محددة أو لبلد معين إنما جاءت الرواية لتحاكي سلطة الافكار والهواجس على الشخص وان كانت سطحية بما يجعل المخيلة مجبرة على تبني صورها من خلال محاسبة النفس بما تثريه تلك الشخصية وتبوح به من شعور بالذنب إزاء جرم مفتعل واسترجاع الذكريات لديها وتلك الذكريات كانت ذات مرجعية بالنسبة للشخصية، إذ انها استقتها من الكتب التي كانت تقرأها في (الميتم) هذا غير أن المؤلفة استطاعت ان تستدرج القارئ بسهولة الى الموقف الفكري أو الرؤية الفلسفية إزاء الحياة بما يتوافق ويعبر في الغالب عن نوايا الشخصية الساردة وهي المحورية التي تقدم الأحداث عبر منظورها الذاتي الحاكم وبذلك تهيمن على القارئ بصوتها الواحد وتقوض من دوره ليكون امتثالياً بمعنى أنه يمارس فعالية التأمل وفقاً لمخيلة ومنولوج الشخصية المركزية في الرواية.