مشروع قانون {البنى التحتية} يعود لطاولة النقاش البرلماني

العراق 2019/01/26
...

بغداد / أحمد محمد

أعاد عجز الموازنة العامة للدولة عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب من الخدمات؛ مشروع قانون "البنى التحتية" الى واجهة الحراك النيابي من قبل لجنة الخدمات والاعمار التي ترى أن هذا القانون قد يكون بديلا مناسباً لمعالجة النقص الحاد للخدمات خصوصاً بما يتعلق بمشاريع الماء والمجاري والكهرباء وغيرها من المشاريع التي ضاعت بين هدر المال العام والفساد الإداري والمالي.  
يقول عضو لجنة الخدمات والاعمار النيابية وليد السهلاني في تصريح خاص لـ"الصباح": "لقد أخذت بعض القوانين في الفترات السابقة انطباعاً سياسياً يحمل في طياته ردود أفعال لا تصب في مصلحة الفعل السياسي أو الحزبوي أو الكتلوي في ظل أزمة الخدمات التي يعاني منها الشعب العراقي في كل المحافظات". 
ويرى السهلاني، أن "مشروع قانون البنى التحتية مقابل النفط جيد ومميز من الناحية القانونية، لأن العراق - وفق الموازنة التشغيلية المطروحة التي تحتاج الى النهوض بالقطاع الخاص والاستثمار- لا يمكن أن ينهض بواقع الخدمات الا من خلال ايجاد قوانين تعتمد على البنى التحتية واستقطاب واجتذاب الشركات العالمية".
ويشير السهلاني خلال حديثه لـ"الصباح"، إلى "تعزيز الثقة بين المواطن والحكومة بشقيها التنفيذي والتشريعي، لذا نحتاج الى التحرك بخطوات ملموسة والتحرك لسن قانون يرفع من مستوى الخدمات في مختلف المحافظات"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن تحريك مثل هكذا قوانين إلا من خلال إيجاد غطاء قانوني ودستوري لتشريعها بدعم القطاع الاستثماري والخاص، فالموازنة الحالية والقادمة لا يمكن أن تنهض في مجال الخدمات إلا من خلال سن بعض المقترحات".
من وجهة نظره، يرى عضو كتلة النصر في مجلس النواب النائب الدكتور فالح الزيادي في تصريح خاص لـ"الصباح"، أن "قانون النفط مقابل البنى التحتية من أفضل القوانين المطروحة للنهوض بالواقع الخدمي، ولكن التقاطعات السياسية في مجلس النواب لمعارضة هذا القانون حالت دون تطبيقه".
ويؤكد الزيادي، أن "استمرار التقاطعات السياسية سيؤثر وبشكل سلبي في واقع الخدمات في عموم العراق، لذا يجب أن تكون هناك توافقات سياسية تصب في مصلحة المواطن العراقي، وعلى مجلس النواب تبني هذا القانون بأسلوب إداري مدروس يمكن من خلاله القضاء على أهم آفة مستشرية في المجتمع وهي الفساد، بالتالي ستكون هناك شركات عالمية تخطط وتبني مقابل النفط دون أي تدخلات من قبل المفسدين".
 
الأهداف العامة
المستشار الاقتصادي لرابطة المصارف الخاصة العراقية الدكتور سمير النصيري أوضح في تصريح لـ "الصباح" الخلفية التاريخية وآليات تنفيذ مشروع قانون البنى التحتية، وقال: إن "قانون البنى التحتية والقطاعات الخدمية المقترح من قبل حكومة المالكي عام 2012، يتلخص بفكرة تخصيص 37 مليار دولار لمدة خمس سنوات تقوم خلالها شركات أجنبية ومحلية بالتخطيط والبناء بالآجل شريطة أن يكون الضامن النفط، ونعتقد أن تشريع هذا القانون وتنفيذه سينهض بالواقع الخدمي ويردم الفجوة بين العراق والدول الأخرى التي سبقتنا في بناها التحتية والستراتيجية، إلا أن التجاذبات السياسية في البرلمان والكتل والتحفظات التي أطلقتها عدة جهات من ضمنها خبراء اقتصاديون آنذاك  أفشلت تمرير هذا القانون"، وتوقع النصيري أن "إثارة موضوع القانون مرة أخرى، سيعيد الجدل والآراء المتباينة بين الكتل السياسية".
ويرى النصيري، أن "العراق بحاجة فعلية الى بنى تحتية وستراتيجية وعمرانية بعد عمليات التخريب التي طالت المحافظات المحررة، بالاضافة الى عدم تمكن مؤتمر المانحين في الكويت من منح قروض تسهم في إعادة الاعمار، لذا فإن إعادة النظر من قبل الحكومة بهذا القانون ستسهم بتحسين الواقع الخدمي، بتوافر شروط نجاحه ومنها، إشراك القطاع الخاص العراقي المختص - وبشكل خاص القطاع العقاري - وتحت إشراف وإدارة مجلس الاعمار بعد استحداثه، ورفع أيدي مجالس المحافظات عن التعاقد والتنفيذ وأن تكون مهمتها المتابعة والاشتراط على الشركات الاجنبية التي ستتعاقد من أجل إعمار العراق بتشغيل 50 بالمئة من الأيادي العاملة العراقية للحد من نسب البطالة المتفشية والتقليل منها".
ويشير المستشار الاقتصادي النصيري، إلى أن "مساهمة القطاع الخاص في مثل هكذا مشاريع؛ تتطلب تعديل المادة 25 من قانون الموازنة لعام 2017 بالاتجاهات التي تخدم روح هذا القانون، إضافة الى إشراكه شراكة مؤسسية وهيكلية وقانونية حتى تكون له علاقة في صناعة القرارات الاقتصادية المتعلقة بهذا القانون".
ولفت النصيري، إلى أنه "ولغرض تسهيل إجراءات التمويل المصرفي لهكذا مشاريع، يجب أن يجري تأسيس (مصرف خاص للتنمية والاعمار)، وأن يشارك العراق برأس مال من قبل مصارف عالمية كبيرة مثل مصرف الصين العربي أو بإشراك مصارف التنمية الموجودة في دول رصينة، وإذا أردنا أن ننقل الصيرفة في العراق الى الدور التنموي، فعلينا إنشاء مصرف يسهم به القطاع الخاص في العراق بنسبة لا تقل عن 75 بالمئة ويسهم القطاع الحكومي بـ25 بالمئة، وأن يدار من قبل مجلس إدارة خاص مطلع على كافة حيثيات إنجاحه".
 
متطلبات الاستثمار
من جانبها، تؤكد أستاذ إدارة الأعمال بجامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة في تصريح لـ"الصباح"، أن "تأخر تشريع قانون البنى التحتية، سيؤدي الى تأخر ردم الفجوة الحضارية بين العراق والدول الأخرى (بما فيها دول الجوار)، فضلاً عن  استمرار ضعف البيئة المادية للاستثمار التي من أهم متطلباتها وجود بنى تحتية (خادمة) كالموانئ والجسور التي من شأنها خفض تكاليف الانتاج ومن ثم رفع القدرة التنافسية الاقتصادية للعراق".
وتوضح نعمة، أن "عدم إقرار القانون سيعطل تنفيذ المشاريع الحيوية المطلوبة على المدى القريب، كما أن من المتوقع أن تنخفض أسعار النفط في الاعوام القليلة المقبلة بسبب العرض الفائض (كما تشير الى ذلك الدوائر النفطية العالمية ذات الاختصاص)".
وتبين أستاذة إدارة الأعمال، أن "القانون جاء بمزايا عديدة تهدف الى تنفيذ المشاريع الستراتيجية والخدمية بشكل تكاملي، وإعادة إعمار المنشآت والبنى التحتية للمشاريع الحيوية التي لها أثر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كما سيجري تنفيذ المشاريع المشمولة بهذا القانون بطريقة الدفع بالآجل مع مراعاة حجم الايرادات السنوية للخزينة، ولا تزيد مبالغ العقود المشمولة بهذا القانون عن 37 مليار دولار، فضلاً عن إلزام الشركات المنفذة للمشاريع بتشغيل الأيدي العاملة العراقية في المشاريع بنسبة محددة وحسب طبيعة المشروع، وهنا تأتي ضرورة الاهتمام بالبنى التحتية، خاصة في مجالات السكن والكهرباء والخدمات الأساسية، ودعم وتشجيع أي خطوة وإجراء وقانون يهدف إلى بنائها وتطويرها".
وتشير نعمة، إلى أن "من أهم مطالب المتظاهرين الذين خرجوا في سبع محافظات عراقية هو موضوع الخدمات وأزمة السكن والبطالة، وهذه المطالب جميعها يمكن أن تحل عبر (قانون البنى التحتية) الذي أطبق عليه مجلس النواب وألقاه على رفوفه مهملاً مثل العديد من القوانين".
وأضافت، "يبقى القول الفصل في موضوع هذا القانون الى البرلمان الذي تحكمه صفة التوافقات والمصالح والذي ممكن أن يرفضه أو يقره بعد مداولته ومناقشته، علماً أن مناقشته قد أجلت مرتين بعد طرحه قبل سنوات من قبل (رئيس الوزراء السابق نوري المالكي)، وهذا ما أثار مخاوف المواطنين من أن يخضع هو الآخر الى المضاربات والصفقات السياسية والمحاصصات التي أوصلت العراق لهذا المصير".
 
مواد القانون
من الناحية القانونية، سلط أستاذ القانون الدستوري الدكتور مصدق عادل، الضوء على مواد قانون البنى التحتية، والخلل الذي لا ينسجم مع حاجة المجتمع العراقي، مشيراً في تصريح لـ"الصباح"، إلى "وجود العديد من المشاكل التي تتعلق بقانون البنى التحتية الذي تم تقديم مسودته عام 2012 وأجريت عليه العديد من التعديلات، وتتمثل هذه المشاكل من الناحية القانونية بأن صياغة القانون جاءت جداً ركيكة، وفيه استثناءات كثيرة، مما يعني تعطيل كل القوانين النافذة من أجل تمرير مشروع القانون، كما أن صياغة هذا القانون في ديباجتها تقول (يسري على كل العقود التي تبرمها الوزارات) وهذا الأمر من شأنه عدم إعطاء أي خصوصية لعقود التجهيز الأخرى للوزارات السيادية"، مؤكداً أن "الحاجة القانونية الى هذا القانون انتفت بإصدار تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (1) لسنة" 2014.
ويرى عادل، أن "البديل عن هذا القانون في الوقت الحالي هو (قانون المجلس الأعلى للإعمار) وبالأخص في ظل التداعيات التي لا زالت شاخصة في المناطق المحررة في غرب وشمال العراق، فضلاً عن ضرورة شمول باقي المحافظات العراقية في الجنوب بالإعمار وإصلاح البنى التحتية".
ولفت الخبير القانوني، إلى أن "قانون البنى التحتية سيؤثر في الجانب الاقتصادي في حالة تمريره، لأن القانون عبارة عن استثمار واحتكار للنفط العراقي في بناء بعض مفاصل البنى التحتية العراقية، وهو ما لا يقبل به كل عراقي، فضلاً عن أنه في حالة تمريره سابقاً من مجلس النواب لأدى الى إغراق العراق بديون تبدأ الحكومة بتسديدها بعد خمس سنوات من اتمام المشاريع، وبالتالي ترث الحكومات بدءاً من عام 2017 ديناً ثقيلاً يتزايد ربوياً، وبالتالي لا تستطيع الحكومة والبرلمان خدمة شعبها خلال دورتها، وإن المبلغ المرصود له سابقا وهو (37) مليار دولار لا يكفي لسد بعض ملفات البنى التحتية دون غيرها مما يعني أنه موجه لملف واحد دون حزمة البنى التحتية كاملة".