بدو سيناء.. عودة للجذور وعيش الأسلاف

بانوراما 2020/12/26
...

منة فاروق 
ترجمة: ليندا أدور
لسنوات، كانت أم سعد تحث رفيقاتها من النساء البدويات على الاهتمام ببساتينهن ورقع الخضار خاصته نفي جبال جنوب سيناء المصرية، لكن يبدو أن الجائحة أرغمتهم، أخيرا،  على الإصغاء اليها. فقد كانت السياحة، التي تعد مصدر الدخل الرئيس لمجتمعها، قد عانت، على مدى سنوات، التذبذب جراء الهجمات المسلحة أو الاضطرابات السياسية، لكن تفشي الجائحة، أهلكت هذا القطاع، ما دفع بالكثير من البدو للعودة الى أساليب عيش الأسلاف.
تقول أم سعد، وهي تجلس خارج منزلها الذي يقع على مقربة من بلدة سانت كاترين، وتسكنه منذ عقود، حيث تستضيف فيه، بين الحين والآخر، زوارا أجانب يأتون للمنطقة الجبلية للتنزه سيرا على الأقدام: "هذا الشيء الجيد الوحيد بفيروس كورونا"، مضيفة "بالنسبة لي، فإن الزراعة والسياحة كانتا متوازيتين على الدوام، لكن الزراعة هي المصدر الأساس لديمومة الحياة هنا". 
 
حياة أفضل
منذ أن تسبب الوباء بتوقف فعلي للسياحة خلال آذار الماضي، أُرغم المئات من البدو على العودة الى أراضيهم في جبال سانت كاترين، التي ترتفع بمقدار 5200 قدم فوق مستوى سطح البحر، التي لطالما كانت الملاذ الآمن لهم في فترات الأزمات السياسية والحرب. 
يقول أحمد فرحان، بدوي عاد الى المنطقة في آيار الماضي بعد أن خسر وظيفته كمرشد سياحي،: "لقد عانينا الشيء ذاته خلال ثورة يناير من العام 2011 وقبلها بعشرين عاما بعد حرب تحرير الكويت في العام 1991". يقول فرحان، وهو يجمع المحاصيل من مزرعة أعيدت زراعتها حديثا، كان والده يتولى رعايتها قبله، بأنه ينتج ما يكفيه من العنب والعسل واللوز والخضروات لإطعام نفسه، ويبيع الفائض منه، وبأنه لم يعد يرغب في العودة لعمله السابق كمرشد سياحي، بقوله: "هذه الحياة أفضل بكثير، فأنا أتناول طعاما صحيا وأشرب ماء صالحا من الآبار هنا، وأجني المال من زراعة المحاصيل، فما الذي يعوزني أكثر من هذا؟".
تشكل السياحة نسبة 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، اذ يشير مسؤولون إلى أن مقدار ما تخسره البلاد يصل الى نحو مليار دولار شهريا منذ أن فرض تفشي الوباء إغلاق الحدود والمطارات. لكن، في شهر أيلول الفائت، وصلت اعداد الزوار الأجانب للمدينة نسبة 10 بالمئة فقط من معدلات العام الماضي خلال الشهور الأخيرة، وفقا للمسؤولين، وأن الآلاف من الموظفين تم تسريحهم جراء عمليات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي التي تلت.
 
خيارات مفتوحة
تملك قبائل البدو التي تقطن المرتفعات المحيطة بالمدينة تأريخا طويلا في الزراعة المحلية الصغيرة وتربية الماعز، سبقت إزدهار السياحة بالمنطقة في ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي دفع بالكثير لترك أرض الأجداد والتخلي عن زراعتها.في عموم أنحاء سيناء، تعيش مختلف القبائل البدوية، اذ غالبا ما ترتبط أنماط عيشها مع تنوع الطقس والطبيعة فيها، سواءكانت تربية الإبل في الصحراء أو الصيد على امتداد الساحل. يقول بن هوفلر، المؤسس المشارك بمشروع درب سيناءالسياحي، عن البدو بأنهم معروفون بكونهم خبراء في التكيف مع الظروف القاسية للمنطقة الى جانب تحديات أخرى، بقوله: "ان الاقتصاد البدوي متنوع ويشكل جزءا من ستراتيجة البقاء لديهم"، مضيفا "في حال تعرض أحد قطاعات الاقتصاد الى التراجع، يلجأون الى إحياء قطاعات أخرى حتى تتحسن الأمور مجددا، وهذا ما يقومون به الآن، 
بالضبط".
قبيل قيام ثورة 2011، سجلت عائدات السياحة المصرية مستويات قياسية غير مسبوقة، اذ بلغت نحو 13 مليار دولار سنويا، بدأت الصناعة، على إثره، بالانتعاش خلال العامين الأخيرين. يقول هوفلر ان الكثير من البدو سيعودون الى السياحة مع انتهاء الوباء، على الأرجح، لكن في الوقتذاته، ساعدت الأزمة على تذكير العديد من الشباب منهم بالحاجة الى أبقاء جميع الخيارات مفتوحة، بقوله: "ان قدرة البدو على العيش بما توفره الأرض، هو ما يميزهم عن غيرهم، فضلا عن المزايا الاقتصادية والأمان الذي تمنحه لهم، التي بدت جلية، أكثر من أي وقت مضى،أثناء تفشي الوباء".
لكن يقول الشيخ سعد، الذي عاد الى الزراعة في بستانه بعد أن قضى ما يقارب 30 عاما يعمل كمرشد سياحي في منطقة جبل سيناء، بأن الكثير من البدو لن يكونوا بحاجة لمزيد من الإقناع ليستمروا في الاهتمام بأشجار الفواكه وبساتين الخضار، اذ يقول: "سيبدأ المزيد والمزيد من البدو بالبحث عن موارد في الجبال"، مضيفا "لقد أدركوا ان رعاية هذه الموارد هو أمر مستدام على عكس السياحة التي يمكن أن تتراجع في أي لحظة".