مع ترامب أو من دونه واقع مرير في مدن الفحم

بانوراما 2020/12/27
...

جيسيكا لوسينهوب  
 
ترجمة: مي اسماعيل
تطلع مجتمع منطقة كولستريب بولاية مونتانا الاميركية الى الرئيس الاميركي المنتهية ولايته «دونالد ترامب» لاعادة الحياة الى صناعة استخراج الفحم وانقاذ المدينة، ولكن بعد اربع سنوات، وعلى مشارف ولاية الرئيس المقبل “جو بايدن”؛ يبدو أن انقاذ صناعة الفحم (والمدينة) لن يكون أبدا أمرا سهلا على نحو واضح. 
بعد يوم من انتخابات الرئاسة الاميركية (4 تشرين الثاني 2020) من دون فائز واضح؛ جلس «جيسون سمول» يتأمل مستقبله السياسي المبهم. 
ولكونه عضوا جمهوريا في مجلس شيوخ مونتانا كان يتابع حظوظه للفوز بولاية ثانية؛ إذ يمثل أربع مقاطعات جنوب شرق مونتانا؛ بينها اثنان من محميات الهنود الحمر. ولأنه من أمة شايان الشمال (= إحدى قبائل الهنود الحمر- المترجمة) فهو يمثل نوعا من «التفرد» السياسي؛ واحد من حفنة سياسيين منتخبين من السكان المحليين الأصليين الجمهوريين. 
وكان منافسه في السباق الانتخابي مرشحا من السكان الاصليين أيضا؛ وهو ديمقراطي. 
يقول «سمول»: «هناك العديد من الآراء المضللة عن كراهية الجمهوريين للسكان الاصليين في أميركا وما يشابه ذلك؛ وهذا ليس صحيحا.. وأنا مثال على ذلك». يعمل سمول في مصنع كولستريب لانتاج الطاقة من الفحم، الذي ترتفع مداخنه الاربع صوب سماء المدينة. ساند سمول ورفاقه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، وراقبوا بحزن جو بايدن يقترب حثيثا من تحقيق اغلبية الاصوات. يقول «ريان هانتر»، الذي يعمل في مصنع انتاج الطاقة منذ 17 سنة: «بعد قدوم بايدن ونائبته «كمالا هاريس» نشعر انها ستكون نهاية الفحم. فما الذي سيحدث عندما ينتهي الأمر؟ عندها لن يتبق 
شيء». 
رفاهية مدن التعدين
تجري تغذية مصنع الطاقة بكولستريب من منجم شريطي قريب ذي فوهة مفتوحة، وهذه العملية المعروفة مجاز بوصف: من المنجم الى الفم، تؤمن وظائف لنحو 650 عاملا وقت الذروة الانتاجية؛ وهي ذات الوظائف التي أقسم ترامب على حمايتها خلال حملته الانتخابية في العام 2016. قبل شهر واحد من يوم الانتخاب هذا العام جاء وزير الطاقة «دان برويليت» الى المدينة وعلّق أن مصانع انتاج الطاقة من أمثال تلك الموجودة بكولستريب أُحيلت على التقاعد في وقت مبكر جدا؛ واصفا تلك المصانع بأنها.. «منشآت شديدة الاهمية بالنسبة لنا». كان ذلك أمرا مشجعا ليُسمع في مدينة تعبر طاقة الفحم فيها المحرك الاقتصادي الوحيد تقريبا؛ إذ يوفر نحو ثمانين بالمئة من عائداتها الضريبية، لذا يسهل فهم رغبة السكان ببقاء الحال على ما هو عليه؛ فبسبب الفحم تتفاخر هذه المدينة الصغيرة بميزانية سنوية تصل الى 12 مليون دولار؛ تترجم الى مدارس ممتازة ومتنزهات أنيقة ومرافق ترفيه متألقة. دوائر الشرطة والحريق كاملة التجهيز والتوظيف، ومعدلات الجريمة والضرائب العقارية منخفضة؛ وحتى هنالك ملعب غولف عمومي متكامل تحت سماء مفتوحة واسعة، بين تكوينات صخرية وسهوب قاحلة، ويبلغ متوسط الراتب ضعف مثيلاته على مستوى الولاية. يقول سمول: «الناس هنا متعاونون مع بعضهم للغاية؛ انهم ملح الارض، وهذا ما نحاول الحفاظ عليه». 
الفحم رديف لانتخاب الجمهوريين
تعد قضية انقاذ الفحم في كولستريب رديفا لانتخاب الجمهوريين، ويوم الانتخاب ظهرت أعلام «ترامب 2020» و»مونتانا تؤيد ترامب» في المدينة ذات 2300 نسمة، ومحطة بنزين واحدة ومتجر بقالة واحد. ولكن لافتات اخرى كانت أكثر انتشارا منها «كولستريب متحدة»؛ وهو اسم مجموعة من السكان مؤيدة لاستخدام الفحم تأسست لمقاومة الخطاب البيئي حول المدينة. وما زالت العديد من المصالح تعلق لافتات تقول: «الفحم يجعلنا نستمر بالطبخ» و«الفحم يُبقي الابواب مفتوحة». شعر السكان بالسخط من خطة الرئيس السابق أوباما سنة 2015 للطاقة النظيفة واشتراطها بأن تخفض ولاية مونتانا انبعاثات الكربون بنسبة 47 بالمئة بحلول عام 2030، وكان اغلاق محطة الطاقة العاملة بالفحم حتميا لتحقيق ذلك الهدف. 
وحينما سحب الرئيس المنصّب حديثا دونالد ترامب البلد من اتفاقية باريس للمناخ وشرع بتفكيك سياسات وكالة حماية البيئة الخاصة بأوباما إبتهج العاملون بالمحطة، وانتظروا بلهفة تغييرات اخرى يحتمل أن تنقذ المدينة. 
لكن خلاص الفحم لم يصل قط؛ إذ خرج عدد أكبر من وحدات الطاقة (ميغاواط) المولّدة بالفحم من الخدمة ابان حقبة ترامب من عددها خلال السنوات الأربع الاخيرة من رئاسة أوباما، وفي سنة 2019 استخرجت الولايات المتحدة 706 ملايين طن من الفحم فقط؛ وهو أوطأ معدل منذ سبعينات القرن 
الماضي. وفي ذات السنة أعلنت اثنتان من الشركات التي تمتلك حصة من إنتاج الطاقة في كولستريب أنها ستغلق الجزء الخاص بها من المصنع، والمعروف بالوحدتين 1 و 2. ورغم أن حديث  الاغلاق دار منذ سنوات؛ فقد ذُهلت المدينة حينما وقع فعليا، وقالت امرأة حينها: «انه كفقدان فرد من العائلة». قادت تلك الاغلاقات هانتر لنقل اسرته الى اريزونا؛ موطنه الاصلي. ومع احتفاظه بعمله في كولستريب واضطراره للسفر الى هناك، لكنه لم يعد يخطط لتنشئة اطفاله هناك؛ شاعرا بالقلق أن المدرسة الثانوية لن تعود موجودة بعد اربع سنوات، حينما سيتخرج أكبر ابنائه. يقول: «كان الحال يتسرب بعيدا منذ عشر سنوات، ونحن نرى المدينة تصبح أصغر فأصغر». 
ما زال هانتر يملك منزلا وعملا صغيرا في كولستريب، وهو يحاول بيعهما منذ أشهر من دون وجود مشترين. يمضي قائلا: «كنا نأمل باعادة انتخاب الرئيس ترامب، فلعل ذلك يؤخر الامر لبعض الوقت؛ لكن النهاية حتمية». 
 
مسؤولية 
الشركات المالكة
لم يشعر «جون ويليامز»رئيس بلدية كولستريب بالحماسة التي شعر بها خلال انتخابات سنة 2016، حينما حمل الفوز المفاجئ لترامب وعدا بتعامل أكثر ودية من وكالة حماية البيئة وتفكيك ما رآه ويليامز على أنه لوائح غير ضرورية تضر بالنتيجة النهائية لشركات الطاقة التي تمتلك مصنع كولستريب. يقول ويليامز: «كل شيء في مجتمعنا يرتبط بالطاقة؛ وحينما يتسلم بايدن مهامه أرى الكثير من التحديات، وأشعر أن التهديد أخطر على المستوى الفيدرالي». 
بالفعل؛ قال الرئيس المنتخب بايدن أنه يخطط لنسج سياسات تغير المناخ العدوانية في العديد من جوانب إدارته؛ من وزارة العدل الى الزراعة. ووعد باعادة الانضمام لاتفاقية باريس للمناخ في اليوم الأول من تسلمه لمنصبه، وأنه سيعين وزير الخارجية الأسبق «جون كيري» لمنصب جديد مستحدث على مستوى وزاري ليكون مبعوثا خاصا لشؤون المناخ. أقام بايدن أيضًا حملته الانتخابية على تعهد بتحقيق طاقة خالية من الانبعاثات في الولايات المتحدة بحلول عام 2035؛ وهو جدول زمني يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على مصنع كولستريب. ساهم ويليامز (مدير سابق بمصنع الطاقة) بتشكيل المدينة عام 1998، وخدم بصفته رئيسا للبلدية غالبية السنوات منذ ذلك الحين. وحذر أن غروب شمس مصانع الطاقة العاملة بالفحم أسرع من اللازم سيقود إلى انقطاع الكهرباء ورفع أسعار التجهيز للأشخاص الذين يتم تشغيل منازلهم حاليًا بواسطة كولستريب. 
مضيفا أن سكان مدينته لن يكونوا المتضررين الوحيدين من خسارة دولارات ضريبة الفحم، بل ستشعر الولاية بكاملها بذلك. 
ولكن حينما حان الوقت لالقاء اللوم على أحد؛ بدا غاضبا على الشركات المالكة لمحطة الطاقة بحدة غضبه نفسها على السياسيين أو جماعات حماية البيئة، قائلا: «أشعر أن تلك الشركات الكبيرة ذات مليارات الدولارات، التي حققت الملايين نتيجة لجهود الناس الذين يعيشون ويعملون في كولستريب يعطون القليل من القيمة لما سيكون عليه مستقبلهم. وهم (الشركات) يعون ما يدينون به الى هذا المجتمع؛ لكنني اشك أن يترجموا ذلك الى أفعال». 
مستقبل ضبابي
نبع جزء من غضب المدينة ضد الشركات المالكة من واقعة الاغلاق المفاجئ لوحدتي 1 و 2 الانتاجيتين. تمتلك ست شركات مختلفة (مشاركة) الوحدات الانتاجية الاربع، وتدفع جميعها نسبة لانتاج الطاقة. أربع من تلك الشركات من خارج الولاية؛ مما يعني أن غالبية الطاقة المنتجة في كولستريب تذهب لولايات واشنطن وأوريغون. شرعت أوريغون سنة 2016 قانونا بإنهاء انتاج الطاقة بواسطة الفحم بحلول عام 2030، وفي 2019 وقع حاكم ولاية واشنطن قانونا مشابها ينهي استخدام الفحم لانتاج الطاقة بحلول سنة 2025. ووافقت الشركات على اقفال نصف الوحدات الانتاجية سنة 2022؛ ثم صدمت المدينة بتقديم الموعد الى 2020، بحجة أن الوحدات لم تعد «مجدية اقتصاديا». تعهدت احدى الشركات بتقديم عشرة ملايين دولار لتسهيل الانتقال من المدينة؛ لكن السكان واصلوا اتهامهم بعدم الشفافية في التعامل. ولم تعلن باقي الشركات خططها لدعم المدينة. يرى «ميشيل جيرارد» استاذ القانون البيئي أن بوسع ادارة بايدن الاستمرار بجعل الفحم استثمارا غير جاذب لشركات الطاقة؛ مثل استئناف الوقف الاختياري (من عهد أوباما) لتعدين الفحم على الأراضي الفيدرالية، وتعزيز اللوائح المتعلقة بمنتجات النفايات والانبعاثات التي تنتجها تلك المرافق. كما يرى أن مخططات بناء خطوط السكك لنقل الفحم من أماكن مثل كولستريب الى الساحل لبيعه في اسواق أجنبية (مثل الصين) لن يمر عبر ادارة بايدن. لكن أيا من ذلك لن يغير حقيقة أن الطاقة المتولدة من الفحم لم تعد ذات اسعار تنافسية، لكل ميجاوات مثل الغاز الطبيعي الناتج عن التكسير ومصادر الطاقة المتجددة القابلة للنمو بشكل متزايد مثل الرياح والطاقة الشمسية. يقول البروفسور جيرارد: «كانت صناعة الفحم تنحدر منذ عدة عقود، وحتى لو كان ترامب قد أُعيد انتخابه، فليس من الواضح ما كان بامكانه القيام به لاطالة عمر تلك المحطات».