ثلاثمئة مليون كوكب شبيهة بأرضنا

بانوراما 2020/12/28
...

دينس أوفربي
ترجمة وإعداد: أنيس الصفار 
 قبل عقد من الزمن انطلقت جماعة من علماء الفلك لاستقصاء، أحد أقدم الأسئلة التي بقيت تلاحق الفلاسفة والعلماء ورجال الدين والفلكيين والمتصوفة وسائر ابناء الجنس البشري: هل هناك كواكب اخرى في الكون شبيهة بالأرض؟ كم عددها، إن وجدت؟ كم من تلك الكواكب المتناثرة في الأبعاد السحيقة صالح لاحتضان حياة بالصور التي نعرفها؟
كانت وسيلتهم لذلك الهدف مركبة الفضاء "كبلر" التي اطلقت في شهر آذار 2009 لمهمة أمدها ثلاث سنوات ونصف ترصد خلالها 150 ألف نجم (شمس) في بقعة واحدة من سماء مجرتنا المسماة "درب التبانة"، مضت المركبة مفتشة عن اي خفوت يطرأ على ضوء نجم ما لأنه دلالة على مرور احد كواكب مجموعته الخارجية من أمامه. 
قبل ان تلفظ المركبة أنفاسها سنة 2018 كانت قد اكتشفت اكثر من أربعة آلاف كوكب مرشحة بين تلك النجوم (الشموس)، بيد أن اي منها لم ينم عن علامات حياة أو استيطان (لا ننس أنها جميعاً بعيدة للغاية ومن الصعب تحريها بدقة)، استقراء من هذا الرقم يمكننا ان نقدر وجود مليارات الكواكب الخارجية في مجرة درب التبانة وحدها، ولكن كم منها سيصلح للاستيطان مستقبلاً؟
بعد سنتين من تحليل البيانات التي جمعتها "كبلر" توصل فريق من 44 عالماً على رأسهم "ستيف برايسون" من وكالة ناسا الى ما يعتقدون انه الجواب القاطع، للوقت الحاضر على الاقل، وأقرّ البحث للنشر في "مجلة الفلكي".
كان هدف "كبلر" هو حساب نسبة النجوم الشبيهة بشمسنا التي تدور حولها كتل تماثل أرضنا حجماً ضمن المسافة المسماة "غولديلوك" أو "القابلة للاستيطان"، حيث تكون درجات الحرارة دافئة ومناسبة.  
خلصت حسابات الفريق الى أن ما لا يقل عن ثلث النجوم المشابهة لشمسنا في الكتلة والسطوع، وربما حتى 90 بالمئة منها، تحوي كتلاً حجرية مماثلة لصخور الأرض ضمن المسافة القابلة للاستيطان، وهذه ليست نسبة صغيرة. 
تقدر وكالة ناسا وجود 100 مليار نجم على الأقل في مجرة درب التبانة بينها 4 مليارات نجم مشابهة لشمسنا. فلو افترضنا ان 7 بالمئة فقط من تلك النجوم لديها كواكب صالحة للاستيطان، وهو تقدير شديد التحفظ، فمن الممكن إذن ان يكون لدينا نحو 300 مليون كوكب شبيهة بالارض منتشرة في انحاء مجرتنا وحدها.  
تفيد حسابات العلماء كمعدل بأن أقرب هذه الكواكب الينا يبعد نحو 20 سنة ضوئية، تليه اربعة اخرى ضمن نطاق 30 سنة ضوئية عن شمسنا. 
تقول الدكتورة "ناتالي باتالها"، وهي عالمة من جامعة كاليفورنيا أشرفت على توجيه مهمة "كبلر": "لقد استغرق الأمر كله من الاطلاق الى النشر 11 عاماً، وها هي النتيجة العلمية التي كنا بانتظارها".
تعني النتائج الجديدة ان المجرة أغنى بمرتين على الاقل مما قدره اول تحليل لبيانات "كبلر" في 2013 عندما قدر ان نحو خمس النجوم الشبيهة بشمسنا تضم كواكب ضمن مناطقها القابلة للاستيطان.
تقول باتالها إن هذا التحسن في النتائج ربما تحقق بفضل البيانات الاضافية، التي زودنا بها القمر الاصطناعي الأوروبي "غايا" الذي أجرى قياسات الموقع ودرجة السطوع لمليار نجم، وبذلك مكن علماء "كبلر" من تحديد مواقع المناطق الصالحة للاستيطان التابعة لتلك النجوم بدقة أعلى. 
ثمة تحسن آخر تحقق نتيجة التعامل الأفضل مع الاحصائيات، رغم أن عمليات المسح بطبيعتها لا تكون كاملة، لأنك لا تستطيع ابداً مراقبة كل نجم من تلك النجوم، كما توضح باتالها.
 
الأقزام الحمر
تقول باتالها اننا لم نصل بعد الى كواكب مرشحة تتطابق مع الارض تمام التطابق بجميع الابعاد، حجماً ومداراً وصنف النجم الذي تدور حوله. الكواكب التي عثر عليها "كبلر" قد تكون مقاربة للأرض من حيث الحجم ويفترض أنها ذات طبيعة صخرية ولكن لا يعلم احد شيئاً عن بقية التفاصيل او ما اذا كان اي كائن سيتمكن من العيش عليها. لا يبقى لدينا والحالة هذه سوى كوكب واحد مؤكد يصلح للحياة هو كوكبنا، بيد أن الفرصة لا تزال كبيرة في العثور على كوكب آخر، فالقياسات التي اجراها "كبلر" للكواكب الصالحة للاستيطان كانت محصورة بالنجوم الشبيهة بشمسنا، ولكن المجرة فيها نجوم اخرى تفوقها عدداً بكثير. هذه النجوم اصغر حجماً وابهت سطوعاً وتسمى الاقزام الحمر. ربع هذه الأقزام الحمر، وربما نصفها، تضم كواكب ضمن مناطقها الصالحة للاستيطان، بيد ان علماء الفلك يقلقهم ان تؤدي اندلاعات الاشعاع من أمثال هذه النجوم الى القضاء على اي شكل من اشكال الحياة التي تحاول البدء من هناك. هذه الكواكب التابعة للاقزام الحمر لم تدرج ضمن التحليل الجديد.
الكواكب التابعة للاقزام الحمر وثيقة الصلة بالبحث عن الحياة لأن "كبلر" قد سلم المهمة الى مركبة فضاء جديدة تسمى "قمر مسح الكواكب الخارجية العابرة" وتختصر بكلمة "تيس". اطلقت هذه المركبة في 2018 لكي تمسح السماء بأكملها بحثاً عن الكواكب الخارجية التي تبعد عن الأرض بضع مئات من السنين الضوئية، والتي تعد مناطق الجوار المحلي، تمكنت "تيس" حتى الآن من اكتشاف 66 كوكباً خارجياً جديداً واعدت جدولاً بأكثر من 2000 كوكب مرشح. 
من المتوقع ان يكون معظم هذه الكواكب دائراً حول نجم من نوع الاقزام الحمر، وبما ان ثلاثة ارباع النجوم في جوارنا من نوع الاقزام، فإن مجال الاكتشاف مفتوح على مصراعيه امام مركبة "تيس" خلال العقد المقبل.
تدخل قيمة النجوم المشابهة لشمسنا، ولها كواكب تدور حولها، كعامل مهم بقي مجهولاً حتى الان في "معادلة دريك" وهي تعبير رياضي معروف يستخدمه علماء الفلك لتقدير عدد الحضارات المتطورة تكنولوجياً في المجرة والتي قد ننجح ذات يوم في التواصل معها بوسيلة ما. 
لقد آن أوان التحرك نحو الحد التالي في معادلة دريك للكشف عن حضارات لا أرضية، أو ربما ذلك النزر من العوالم التي يمكن للحياة ان تتواجد عليها، فالعثور ولو على اصغر بقعة عفنة فوق صخرة سوف يحدث ثورة ترج علم الاحياء، وإنها لأجندة جديرة بالعناء للنصف المقبل من القرن، إذ يواصل البشر نضالهم للخروج من قوقعتهم الى الفضاء في مسعاهم الأبدي لإنهاء وحدتهم 
في الكون.