الكايان ومحدودية خيارات العيش في تايلند

بانوراما 2021/01/09
...

حنا بيتش
 
ترجمة: بهاء سلمان
 
أمام كل منزل مشيّد من خشب الخيزران في قرية هيواي بوكينغ التايلندية، تبرز أكشاك تبيع الحلي الرخيصة التي ترتبط بحلقات العنق التي ترتديها بشكل تقليدي نساء اثنية كايان.
هناك نسخ مقلدة للفات النحاسية، بمفاصل مفيدة لاستعال سهل، كما توجد وسادات خاصة للنوم مع الحلقات، التي تضغط الترقوة وتخلق خدعة رقبة ممدودة بشكل غير طبيعي، وتوجد منحوتات خشبية لنساء برقاب مزيّنة، وشيء ما يدعى «نبيذ الرقبة الطويلة»، رغم كون القناني قصيرة ومدوّرة، تقول مونا، 58 عاماً، التي تبيع الحلي في قرية أخرى للسياح: «بالنسبة للنساء المتقدمات بالعمر، فهن يرتدين الحلقات كشيء تقليدي، أما الشابات فيرتدينها للترويج السياحي».
 
هجرة قسرية
وتعد أثنية كايان أقلية صغيرة هربت من الحرب الأهلية في شرق ماينمار خلال ثمانينيات القرن الماضي، وعندما وصلوا الى تايلند، رأى المسؤولون التايلنديون، بالاتفاق مع ميليشيا اثنية ماينمارية تنشط في منطقة الحدود بين البلدين، فرصة تلوح في الأفق، فبدلا من وضع الكايان داخل مخيمات خاصة، تم تشييدها لإيواء مئات الآلاف من اللاجئين الآخرين الفارين أيضا من نزاع مسلح شهدته ماينمار في ذلك الحين، تم اسكانهم في قرى مبنية حديثا مصممة للترويج السياحي الهائل. وبمجرّد استقرارهم في القرى، أعطيت النساء رواتب وصلت الى مئتي دولار شهريا من قبل الشركات السياحية، لينتفع التايلنديون من الأمر، من مشغلي الزوارق الى صانعي الحلي.
أطلق المنتقدون على القرى تسمية «مدن الملاهي العرقية»، مع عرض الكايان كوسيلة جذب بشرية للسياحة، وبالنسبة للنساء واسرهن، ضمن السياح لهم دخلا ثابتا، حتى إذا استلزم التواصل بتقليد ربما كان سيختفي مع حلول القرن الحادي والعشرين، وعملت جائحة كورونا على تعقيد المشهد، فقد حظرت تايلند دخول غالبية الأجانب تجنبا لانتشار الفيروس، ولا يزور هذا الجزء النائي من البلاد حاليا إلا قلة قليلة من السياح. وعاد مصير قوم كايان يثير مجددا أسئلة مزعجة حول الاستغلال الثقافي والوكالات والمكاسب الاقتصادية والحقيقة الخطرة بالعيش كلاجئين.
تجلس مو تاي في كشك الحلي الخاص بها، ورأسها يعلو 18 حلقة تجعل المسافة بين حنكها وكتفيها قصيرة للغاية؛ وتقول: «أخبرتنا الحكومة بالحفاظ على إرثنا الثقافي، وفعلنا ذلك، لكن لا أحد يأتي لرؤيتنا»، ومع أن النساء واسرهن انتفعوا من زوار القرى، تعد حلقات الرقبة ارثا من قرن آخر، وحتى قبل الجائحة، تخلّت العديد من النساء عنها، وتشير تاي الى أنها ستبدأ بربط الحلقات حول رقبة ابنتها حينما تبلغ الخامسة، لكنها ليست متيقنة من رغبة البنت بالاستمرار بتقاليد الكايان الى مرحلة البلوغ.
 
تقييد الحركة
ومن أصل 105 نساء تقيم في قرية هيواي بوكينغ، حافظت 12 سيدة منهن فقط  على ارتداء الحلقات المعدنية، وطيلة سنوات، افتقد الكثير من الكايان وثائق رسمية لمغادرة قراهم، ولم يكن لهم أمل بالهجرة الى بلد آخر بسبب عدم اقامتهم بمخيّمات اللجوء؛ ومن تمكن من الخروج بشكل رسمي، غالبا ما جوبه بصدمة مظهره، تقول ما برانغ، 22 عاما، التي أزالت عشرين حلقة من رقبتها قبل أربع سنوات: «عندما ذهبت الى المدرسة في البلدة، حدّق الجميع بي وأصابني الحرج الشديد بسبب الأطواق، أرغب بأن أصير طبيبة، وأعتقد صعوبة تأدية تلك الوظيفة مع وجود الحلقات».
قبل نحو 12 سنة، سمحت السلطات التايلندية للكايان بالانتقال من القرى الى مخيّمات اللجوء كي يستطيعوا تقديم طلبات اعادة توطين في بلد ثالث. ومنذ ذلك الحين، شرع عشرات منهم بحياة جديدة في فنلندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، ودول أخرى؛ لتتوقف النساء عن وضع حلقاتهن.
وبخلاف الكايان المقيمين بمخيّمات اللجوء، تلقى بعض ساكني القرى السياحية الجنسية التايلندية الكاملة، أو بطاقات تسمح لهم بحرية الحركة داخل البلاد؛ لكن حتى بعد عقود من العيش في تايلند، لم يتم إصدار مثل هذه الوثائق لأفراد آخرين من الاثنية نفسها، ليبقوا تحت رحمة بيروقراطية المسؤولين التايلنديين، ويقول يوثن  ثوبثيمثونغ، مدير سلطة السياحة في اقليم هونغ سون، حيث تقع قرى الكايان، أن الحياة وسط وضع من النسيان في احدى القرى السياحية أفضل من العيش داخل مخيّمات اللجوء: «رغم عدم كونهم تايلنديين، أعتقد أن وضعهم الحالي أحسن من العيش في مخيّم مع عشرات الآلاف من الناس».
 
تعطل العمل
حتى قبل حلول الجائحة، كانت حركة السياحة تقل في قرى الكايان الواقعة على الحدود مع ماينمار؛ وتم السماح خلال العقد الماضي لبعض اسر الكايان بالإقامة في المدن التايلندية، بعدما قام المسؤولون عن السياحة بتنسيق معيشتهم في تجمعات سكنية جديدة تتلاءم بشكل أكبر مع السياح الراغبين برؤيتهم، وتقول «ما هاو»، 34 عاما، المستقدمة من ماينمار قبل سبع سنين بسبب ارتدائها لـ28 حلقة، والعاملة في احدى هذه المواقع الجاذبة للسياح بمدينة تشيانغ ماي الشمالية: «في ماينمار، لم أكن أقدر على العمل في المدينة بسبب أطواقي، أما هنا، فأنا أكسب المال بمجرد تواجدي بهذه المنطقة السياحية»، لكن منذ حظر السفر بسبب كورونا، توقف رجال الأعمال التايلنديون الذين اعتادوا على استئجار نساء الكايان من أمثال هاو عن دفع المال، وتؤكد هاو بأنها عالقة في تايلند بلا عمل، مع عدم وجود ما يكفي من المال للعودة الى الديار.
تتكون قرية «تل الرقبة الطويلة» من أكشاك الخيزران، مع وجود طاقة كهربائية متقطعة، أنشأها ضابط شرطة متقاعد ضمن ضواحي تشيانغ ماي، واعتاد على زيارة القرية نحو خمسين سائحا يوميا، أكثرهم من الصينيين، وكانوا يدفعون 15 دولارا لرؤية نساء الكايان وأطواقهن، إضافة الى مجاميع من اثنيات أخرى، هذه الأيام، يأتي القليل جدا من السياح، الأمر الذي أوقف دفع الرواتب، ليضطر الكثير من العاملين الى الرحيل.