القراءة والأثر في تجربة الشاعر ثامر سعيد

ثقافة 2019/01/29
...

زهير الجبوري
في قراءة متأنية لتجربة الشاعر ثامر سعيد ومجموعته الأخيرة (أقيسُ البحرَ بنوايا العاصفة) /2018، تستدعينا القصائد الى اقتراح القراءة، والى الاحتدام بالصور، والاشتباك بالحسي والهاجسي مع الجمالي، القصائد عنده يمكن تأطيرها بمصطلح (المسرودات الشعريّة)، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان كل ما قرأناه ينطوي على بناء ذهني لصور شعرية مجرّدة، 
ربما هذا الزخم في التوصيفات يكشف عن حقيقة التجربة هذه بوصفها بوحا مفتوحا، يصف كلّ ما يدركه او شعر به او يتأمّله، إذ يريد اقناعنا بأنَّ ما قدمه سابقا ويقدمه الآن هو لعبة ابتكار وصفية، في الوقت الذي تقوم به القصيدة العراقية حاليا في رسم ملامح التجريب والتجديد من خلال اعادة صياغة المضمون والاشتغال على المشاريع الاحادية المتفردة
، مثلما قرأنا التجارب الأخيرة لبعض الشعراء العراقيين، لكن (ثامر سعيد)، يدفع بقصيدته نحو التعبير المباشر مع الاشياء، حيث نمسك ثيمات كثيرة تزدحم في جمله الشعرية كالحالات الوصفية المحسوسة والتركيبات الصورية المجردة والاحساس الغنائي العالي، فضلا عن التناصات غير المباشرة، وما الى ذلك من اشتراطات الكتابة الشعرية، ما بين كل هذه الخيوط المتناظرة، ثمّة تحولات قرائية تفتح نوافذ جديدة في التلقي، منها ما تستوفيه مشهدية النصوص الواصفة، ومنها ما تستجليه اللغة الشعرية المبتكرة ومنها ما تكشف عن استرسال غير مقصود في اللّعب اللّغوي داخل القصيدة، الشاعر في مجموعته هذه لا يلملم ذاكرته، ولا يمارس طقوسا خاصة قد ينفرد بها في موضوعة معينة، انما يحيل كل مدركاته الحسية والهاجسية الى فعل القراءة المجردة، قراءة تصف، ثم تطرح موضوعاً هائما في المعنى، لذلك هو رَكَنَ نفسه عن الموجة التجريبية (المجربة) والمواكبة لتحولات ما بعد الحداثة، وظلّ في اطار التجربة الشعرية المألوفة لديه
، وبقدر ما تتنوع موضوعات القصائد، بقدر ما تتضح ملامح الموضوعات التي يتناولها، حيث  القصائد ذات الانسراح الوصفي، هي قصائد تهويمية تسحبنا الى فضاءات القراءة ذات المرجعيات الثقافية المتنوعة، ومثل هذه التجربة طرحت عند الشاعر السبعيني، لأنه يتعامل مع الفضاء الثقافي ومرجعياته كجزء من تجربته الشعرية في النص، نقرأ في قصيدة (اعطني جناحيك يا زوربا): 
تلك السكاكين الصدئة في رأسي
ما زالت تجفلني يا زوربا .(ص6).
ونقرأ في قصيدة (اللّيلة بعد الحياة) المقطع (وبوب مارلي وهو يَحلقُ شعرهُ النيكرو / ويكسر قيثارته / ولا يدري أيَ ماريجوانا ستنسيه غابات أفريقيا) (ص18). في هذه الاستعارات الشعرية، تنهض ملامح القراءة عبر الذائقة الخاصة، ومن خلالها تصبح القصيدة (بنية شعرية متداخلة)، وهي ثيمة تحسب للشاعر، حيث القصيدة ذات المرجعيات المعرفية تحمل العديد من الابعاد الفنية والجمالية معاً ..
المجموعة الشعرية (أقيسُ البحر بنوايا العاصفة)، تستعيد الرؤيا عبر تأملات وجودية، ويتداخل المحسوس بالذهني، والحدس بالواقع، لذا، جاءت القصائد وهي تبحث عن مناخات مناهضة لذات الشاعر ولتفاصيل حياة مدججة بالأسئلة ولوقائع لا تزال هائمة بالاستفهام، فما كانت النصوص (المدجج بالتأويل .. وأكتاف ..وزعيق .. الجثة .. وموت ناعم .. ينزف الشاعر ليلا، وغيرها)، إلّا مجس ات للأثر، وللقراءة الواصفة، نقرأ:
يخرجُ الجنديُّ الى الحرب 
خلفَ خطواتِهِ.. تنثر أمُّهُ الماء 
من قلب مثقوب .. وحينَ يموتُ ..
تنثر على قبرهِ ماءَ الورد .(ص31).
حالة الوصف في مثل هذه الموضوعات التي تشكل ظاهرة الأثر لحياة الحروب وما بعدها، تكشف في حقيقتها عن المحور السسيوثقافي، وهي قراءة امتدت لعقود في ادبياتنا العراقية، فحياة الحرب وآثارها، تشكّلت بلاوعي مجتمعنا، ثمّ في نصياته او مسروداته العامة ..
وفي التقاطات سريعة في قصائد المجموعة، يوظف الشاعر لمحات تناصية مشفرة وغير مباشرة، فبقدر ما تستدعينا النصوص الى فعل القراءة ومتابعة الأثر، بقدر ما تشكف عن فضاءات المحن، نقرأ في قصيدة (سؤال): (أَيتها الرصاصة ../ وأنتِ تصوبينَ شطرَ القلبِ/ جمرتَكِ/ لا أرغمكِ عن النكوص،/ لكن .. أسألك اللطفَ به) (ص119). 
ربما التوظيف النصي الذي اعتمده الشاعر في القصيدة هذه او القصائد الاخرى، يعبر عن تراكم الصور والاحداث والمواقف، فتأتي بعض النصوص (الدينية او التاريخية او الاجتماعية) كجزء مكمل للنص الشعري وللّغة المستخدمة، فـ (ثامر سعيد) شاعر يفكر بالتفاصيل الحياتية و بالمدركات وبكل ما يدور حوله من احساس، وهذا ما جعله يفقد مشروعه الشعري المتفرد ـ كما ذكرت ـ.
ككل، تفرّدت المجموعة الشعرية (أقيس البحر بنوايا العاصفة) بتعدد رؤاها وقدرة شاعرها على طرح الموضوعات بلغة قرائية وحدت كلّ التشظيات داخل النصوص، و(ثامر سعيد) حاله حال أي شاعر يتمتع باللّعب بلغته الشعرية بغية الوصول الى صياغة فنية معينة، وربما في زوايا اخرى قرأنا بعض النصوص التي تعبر عن انشغاله العميق في ملاحقة التحولات الثقافية منذ عقود، بعد ذلك شكلت عنده موقفاً طرح عن طريق كتابته القصيدة، فـ (الحياة الخاصة/ الاحساس بالاشياء/ استذكار الحروب/ التحولات الاجتماسياسية / وما الى ذلك)، أعادت صياغة الأثر الكبير داخله، لتصبح كل ثيمة نصاً شعرياً 
خالصاً.