قد نشم السرد أحياناً

ثقافة 2019/01/29
...

اسماعيل ابراهيم عبد
بعمل روائي غير عادي يقنعنا محمد خضير سلطان بأن بنية الأفكار، للصور التعبيرية المادية واللوحات الحسية المباشرة, ومجالات المعرفية الاجتماعية والفلسفية, يمكنها ان تصنع رواية مهمة تتراكم عبرها سلالم التدرج الخيطي غير المنتظم لتاريخ بلد عبر مئة سنة من ولوج العائلة العراقية المؤسسة للوجود الاقليمي كونها هيكل دولة أُقيمت على اعقاب مئات سنين سابقة من مشاعية الماء والصحراء, الى مئة سنة لاحقة من مشاعية (القوة ونظم سيطرتها) على مؤسسة الدولة. روايته (شبح نصفي) حفر في مشاع فني فكري .. نشم سردها وسرديتها عبر لوحات من لقطات، من افكار، من فعل انتقالي لا حدثي.. افكارها هموم الانسان الرافديني الذي اكتوى بنار القتل والخداع والتضليل وغياب وعي السلطة واستفحال مظاهر الدم الرخيص كصولجان أوحد لصهيل الحكام ..
ان من طرافة حاسة السرد انها تشم غير المرئي من الاشتغال الروائي على النحو الآتي : ـ الاشتغال بطريقة الروي المعتمدة على متجهين فنيين فقط هما الحوار والوصف، وعدم الالتقاء بينهما الا عبر القيم البعيدة: (المهيمنات الفكرية = فكر رافديني + فكر اجتماعي + فكر فلسفي + تهشيم زمني).                       
ـ اعتماد الوحدة المضللة لعائلة العراق المؤسسة للملكية (المشاعية والمسجلة) كونها وحدة عنصر روائي في تشكلها من اصل مائي لأم حورية، ثم تهومها، وتملكها، وتوزعها، وتهشمهاـ ببطلان ملكيتها بإزاء ملكية القوة والسلطة.
ـ لا جغرافية الفعل الروائي، إذ أن الجغرافية عمل فني يقوم على تعويم المكان والزمان بالانفتاح والترميز والأرخنة المخادعة، نماذجه (طريق الهند القديم، الكرنتينة، الكلية الحربية) .. وهي اماكن لا تتعدى محطة قطار ومسافة بين الباب الشرقي والاعظمية. 
ـ اختزال التاريخ بحوار يشكل اشهارات ـ تشبه بوسترات الاعلانات ـ لمادة السرد، وهي (لا تتعدى كثيرا طريقا ومحطة ونصبا لجدارية).
ـ تدفق لغة الروي بحوارات تحول الحوار من تناقض وتناص فكري الى لعبة حركة متقطعة أو متقاطعة.        
ـ الدمج الموصل للتداخل الاسلوبي بين (رواية القص ورواية التلفزة ورواية المشهد) على خلفية التحديث الجديد للتجانس الفني المعاصر بين الفنون والمعارف.
لنقر كذلك، بأن السرد لم يكن قصاً موحداً ولم يكن رواياً متواصلاً، كما أنه ليس تعابير متفرقة.. انما هو لقطات من أحداث، من لوحات، من افكار، تتضامن مع بعضها لتعطينا متعة السرد وفتنته دون ان تلهينا باشتراطاته ..
إذاً .. اننا بأزاء اشكالية قرائية .. ولأجل ألا يضيع علينا هدفنا علينا ـ كما ارى ان نؤمن بوجود قيمة سرد عبر (الصورة = اللقطة = الفكرة) .. واراها تتعاضد عبر الحوار غير المرئي، بوصفه وسيطاً فاعلاً بين النشوة والتأمل ..  
ان الانصاف الشبحية تمثل باطنـا محفـزا على الفهم، ويسـتدعي ان نبـأر بعـضها على النحو الآتي :
1 ـ شبح نصفي = ايديولوجيا تهديمية من (فكر قديم + فكر حديث + فكر اسلامي + وعي متخالف) . ص18 مثالاً.
2 ـ شبح نصفي = وعي متوسط الفهم لحضارة ما بين الماء والصحراء. ص 66 مثالاً.
3 ـ شبح نصفي = تنمية الثروة بين الحرص والسرقة، ومن ثم التسجيل والمشاعية. جميع مفاصل الرواية أمثلة مناسبة.
4 ـ شبح نصفي = التراث الشفاهي والارث المحفوظ . ص10مثالاً .
5 ـ شبح نصفي = نصف شبح أو طيف معلق بين الأرض والسماء ... نصف ميت، نصف حي، مثبت منفي. ص10 , 11 .
7 ـ شبح نصفي = زمن استبداد خائف = زمن حرية مضللة.
يمكننا الالتفات الى زاوية ميدانية في الاشتغال الروائي لمحمد خضير سلطان  تلك هي : 
لذة الأنف السردي: الأنف السردي يتلذذ بحاسته المتذوقة لجوانب مصاغات الفعل الروائي لرواية شبح نصفي، إذ انفتح السرد على: المشاريع النصفية، خاصة تلك المتعلقة بأبي أسعد وعبد الفتاح ابراهيم.
ان تعدي مصادر الروي نحو الكوني، مثالها: الدفاتر الوهمية مطلقة التأويل على ص 12 ، 27 ـ ، الرقم الطينية سائلة المعاني على ص36، التاريخ العقاري ذو الزمن المطلق على ص32، الوثائق والمقتنيات لدى اسعد وعبد الفتاح ابراهيم المفتوحة على ديمومة الزمن على ص 27 ، 36 ، ومحتويات الخزانة المشعة بالقِدَم الأزلي، على ص27 ، مقولات الفكر القديم والفكر اليساري العام والفكر الاجتماعي العام على صفحات كثيرة, منها الموضوع ومنها المتخيل ومنها الساخر الاسطوري.