{كروبات} توثق تاريخ مدن وشخصيات ومؤسسات
ريبورتاج
2021/01/16
+A
-A
قاسم الحلفي
كثيرة هي استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي الايجابية، وابرزها الكروبات في موقع الفيسبوك التي تشكلها مجموعة من الناس، قد يكونون اصدقاء سابقين او زملاء عمل او مشجعي فرق رياضية او ابناء عشيرة او مهنة محددة، لكن ثلة من هؤلاء حققوا طفرة في تحويل تلك الكروبات الى مواقع لأرشفة تاريخ مدنهم او احيائهم او مؤسساتهم التي يعملون فيها او شخصيات بارزة.
وما ساعد هؤلاء على تحقيق هذا الهدف النبيل هو وجود اشخاص يحتفظون بمجموعات من الصور تعد نادرة، وتحكي وقائع وقصصاً لايام الدراسة او لعب كرة القدم، او هي توثيق لاسواق قديمة، بل حتى صور لاشخاص متوفين منذ عقود واحيت ذكراهم.
"السيدية ديرتنا"
واحد من ابرز تلك الكروبات هو كروب "السيدية ديرتنا" تلك المدينة التي تقع في جنوب غرب بغداد بجانب الكرخ، وانشئت عام 1966ميلادية وتعد من أحياء بغداد الراقية، وتتكون من جزأين، هما السيدية القديمة والجديدة، وتعتبر ممراً الى محافظات الوسط والجنوب، وتوجد فيها مدارس كثيرة ومستوصفات صحية ومؤسسات حكومية، واهم شارع فيها هو الشارع التجاري الذي يعد المركز الاقتصادي فيها، وهي من المناطق المميزة في بغداد وتسكنها اسر من كل الطوائف والمذاهب.
وبرزت من اسرها شخصيات سياسية وادبية ورياضية كثيرة، مثل اسرة رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي والشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد والفنانين: هاني هاني وزهرة الربيعي وسهام السبتي وراسم الجميلي وحيدر منعثر وياس خضر، ومن ابرز الرياضيين يحيى علوان وانور جسام ورامي نجم.
التوثيق والتاريخ
يوضح علي حسين الجبوري ابن اقدم الاسر التي سكنت منطقة السيدية، " احتفظ بتاريخ مدينتي بالكامل منذ تأسيسها عن ظهر قلب، فعندما شاركت في كروب "السيدية ديرتنا" لاحظت ان هناك ثلاثة اجيال فيه، الاول هو جيلنا مواليد الخمسينيات والستينيات و الجيل الثاني وهم مواليد السبعينيات والثمانينيات والثالث هو جيل ما بعد التسعينيات من القرن الماضي، وعندما قمنا بنشر صور قديمة تعود الى قبل 40 او 50 عاما تملكت الدهشة الكثير من الاعضاء و علق بعضهم انه يعرف فقط شخصا واحدا في تلك الصورة او انه لا يعرف هذا المكان الذي كانت توجد فيه قنطرة يعبر عليها الناس، فقررت افراغ ما في جعبتي من المعلومات والارشيف لوضع كل اعضاء الكروب بالصورة لمدينتهم، فكتبت اولا عن شوارع السيدية ومن يسكنها من الاسر، واسماء ابنائهم بالتسلسل ثم انتقلت الى الازقة والساحات والاسواق واصحاب محالها التجارية، ونوع الاعمال والمدارس ومديريها ومعاونيها ومدرسيها ومعلميها ومنهم من يوجدون معنا في الكروب، ثم انتقلت الى ارشفة تاريخ فرق كرة القدم منذ نشأتها قبل خمسين عاما، وبعدها ابرز اللاعبين الذين انجبتهم السيدية، واول مدرسة او مكتبة او سوق او فرن او مطعم او قهوة، وما زلت مستمرا في سلسلة أرشفة تاريخ مدينتا السيدية ليستفيد منها كل جيل حسب ذاكرته واعتمدت على موقع الفيسبوك، لانه يحتفظ بتلك المعلومات ويمكن العودة اليها في اي وقت".
أرشيف مصور
علي محمد عجيل المعموري احد سكنة السيدية الاوائل، لديه هواية غريبة، فهو يعشق جمع صور الاشخاص والامكنة منذ نعومة اظفاره، لذلك تجمعت لديه مئات الصور لاهالي السيدية القدماء واسواقها ومدارسها، ويقول عنها ابو عبد الله "ما ان شرع صديقي وجاري علي الجبوري بكتابة تاريخ السيدية حتى فتحت خزائني وزودته بمئات الصور ليختار منها ما يشاء لرفد مواضيعه بصور تجعل القارئ من اهل السيدية يشحن ذاكرته ويستذكر تاريخه، وقد تفاجأ المئات من الاعضاء بهذه الصور، لانها تخص ذويهم او جيرانهم او ابناء منطقتهم وكثير منهم رحلوا عن الدنيا".
مضيفاً " ان لمواقع التواصل الاجتماعي فوائد كثيرة، لكن تسخيرها لكتابة تاريخك واهلك وجيرانك ومنطقتك سيجعلها قاعدة لمن سيأتي بعدنا، فيجدها ارضاً خصبة بالمعلومات وتاريخا مشرفا عن اجدادهم واهل منطقتهم ومعيشتهم وابرز كفاءاتهم والمشهورين منهم واساتذتهم الذين علموهم".
عودة
اسست شركة صلاح الدين العامة في بداية العقد الثمانيني، وكان مقرها بقضاء الدور في محافظة صلاح الدين وجمعت في اقسامها وشعبها ابناء العراق من كل المحافظات وبمرور السنين والحروب والكوارث، تشتت موظفوها واصبحوا يقطنون في مختلف بقاع الارض.
يقول ابو محمد الساعدي احد موظفيها القدماء "جاءتني دعوة من احد زملائي الى "كروب اصدقاء شركة صلاح الدين" وما ان دخلت حتى وجدت المئات من زملائي القدماء معي في الكروب وكانت اخبارهم قد انقطعت عني منذ حوالي خمسة وعشرين عاما، فعادت صداقاتنا وعلاقاتنا مرة اخرى، لاننا كنا اسرة واحدة، ومن خلال هذا الكروب، علمت ان هناك زملاء قضوا نحبهم شهداء بعمليات غدر او على يد الجماعات الارهابية، او ماتوا بأمراض مزمنة، ومنهم من هاجر الى الخارج ويسكن في احدى الدول الاوروبية او العربية، وغيرهم عادوا الى محافظاتهم الاصلية".
ويشير الساعدي الى انه " يحتفظ بصور كثيرة لحياته هناك في الشركة ومجمعها السكني ومنها عن فرق كرة القدم والبطولات التي اقيمت هناك، وما ان نشرها حتى اخرج الكثير من الزملاء صورا بالمئات اعادت توثيق وارشفة تاريخ الشركة منذ نشأتها ومصانعها ومعاملها وورشها الى يومنا هذا، وقد اسهمت هذه الطريقة باعادة التواصل بين المئات من ابناء هذه الشركة، وسافر الكثير منهم من محافظاتهم الى محافظة صلاح الدين او الوسط والجنوب للقاء زملائهم الذين فارقوهم، بل قام العديد منهم بمساعدة زملاء لهم يبحثون عن "أمر اداري قديم" يساعدهم على اضافة خدمتهم الوظيفية او تقاعدهم، من خلال نشر اوامر قديمة في الكروب، كما عمد آخرون الى نشر صور المتوفين من زملائهم استذكارا لهم وترحما عليهم، وكذلك نشر اخبار مناسباتهم الاجتماعية مثل الزواج والوفيات ونجاح الابناء، فاصبحوا كأنهم في حياتهم الوظيفية القديمة".
قطاع في المدينة
تكاد قصص قطاعات مدينة الصدر تتشابه لما يغلب على اسرها من ممارسات يومية لاناس بسطاء ومحبين للحياة، لكن اهالي قطاع 52 في المدينة ارادوا كغيرهم أن يوثقوا تاريخ قطاعهم وحياتهم السابقة واللاحقة، فقاموا بتأسيس كروب في الفيسبوك اسموه" كروب قطاع 52" ووجهوا الدعوات للمئات من ابنائهم، فتناثرت الذكريات ونشرت الصور وسردت الاحداث, ويؤكد عادل حسين أن "استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تحقيق غايات سامية تتمثل في ارشفة تاريخ المناطق والاحياء، يمكنه أن يكون بذرة لارشفة حياة العراقيين لقرن من الزمن، عانوا فيه الامرين من الحروب والابتلاءات"، ويضيف" شحذت همتي ودعوت اخوتي وابناء عمومتي واصدقائي القدماء الى الانضمام للكروب ونشر ما لديهم من صور قديمة، وبالفعل كانت حصيلة كبيرة من التسلسل التاريخي للاحداث، لان لكل صورة حكاية وفي كل حكاية واقعة او وقائع وكل توثيق لتلك الوقائع هو أرشفة للتاريخ".
لم الشمل
ويبين "ان هذا الكروب لم شمل الساكنين فيه ممن هم الآن في خارج العراق او داخله او في المحافظات، وجعل ارتباط الاجيال الجديدة فيه اكثر من جيلنا، لأنهم باتوا يرون صور آبائهم واجدادهم خلال جلسات او فرق رياضية او افراح او مناسبات قديمة، ومنهم من قدم الشكر للكروب او الناشر، لانه قدم له صورا عن ابيه المتوفى لا يمتلكها هو واسرته، او نشر صورا لمعلم له الفضل عليه خلال دراسته في المدرسة الابتدائية او الثانوية".
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة