الموصلية هبة السبهان.. موهبة ولدت تحت أنقاض الحرب

بانوراما 2021/01/16
...

أحمد ماهر
ترجمة: ليندا أدور
أرادت من خلال عملها في مجال الأزياء أن تغير من الاتجاهات الاجتماعية في مسقط رأسها، الموصل، المدينة التي لا تزال تتعافى من آثار الحرب، إنها هبة السبهان، التي استجمعت شجاعتها لتعلن خط للأزياء خاص بها في مدينتها، لتلقى دعما من مصدر غير متوقع، الا وهو: الرجال. 
فمجرد أن أعلنت إطلاقها لمجموعتها على صفحات موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، بدأت التعليقات تنهال عليها، من بينها، يقول تعليق: “استمري.. أحسنت صنعا”، وآخر: “جديا! أنت تفعلين هذا في مدينة لا يزال الرجال فيها يرفضون مصافحة النساء”، اذ لطالما عرف عن ثاني مدن العراق بأنها محافظة، الى جانب كونها عانت في ظل حكم عصابات داعش الارهابي لها منذ العام 2014 حتى العام 2017. 
 
روح حرة
تقول السبهان، (37 عاما) بأنها تحاول تغيير المواقف الاجتماعية،: “أنا روح حرة، وفوق ذلك، محظوظة لكوني امتلك أسرة داعمة لي هم والدي وأشقائي الثلاثة”، مشيرة الى أن ردة الفعل على خطوتها تلك، كانت مختلطة في مسقط رأسها الموصل ذات الثقافة الذكورية التي تلجأ للتقليل من إنجازات المرأة وتطلعاتها. 
إختارت السبهان عرض مجموعتها من الفساتين المصنوعة من قماش الحرير والساتان، بين مواقع تراثية وتأريخية، التي تعرضت للتدمير او أضرار جسيمة على يد عناصر التنظيم الإرهابي، كقلعة باشطابيا، على الجانب الغربي لنهر دجلة، التي تعود الى القرن الثاني عشر. 
تشير السبهان الى أنها، ومن خلال اختيارها للخلفيات غير التقليدية والوقفات المختارة بدقة شديدة، أرادت إيصال رسالة مفادها بأن: “هناك مواهب قد ولدت من تحت أنقاض الحرب، لكني أردت أن ألفت نظر الحكومة الى الوتيرة البطيئة التي تسير عليها عملية إعادة الأعمار، التي لا تزال حتى الآن حبرا على ورق”.
خلال استيلائه على الموصل، معقل داعش، فرضت عصابات”داعش” أحكاما مشددة على الملابس في جميع المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إذ كانت النساء اللواتي يغادرن المنزل من دون أن يغطيهن السواد، غالبا ما يتعرضن للضرب، بينما تواجه اللواتي يقمن بنشر صور وجوههن على مواقع التواصل، تهمة الفحشاء. 
تقول السبهان، التي لم تعد ترتدي الحجاب أو النقاب بأنه: “يذكرنا بداعش، كنا مرغمات على ارتدائه، ولم يعد مرحبا به هنا بعد الآن”.
تشعر السبهان، وهي عاطلة عن العمل بالرغم من كونها حاصلة على شهادتين في الزراعة والأدب الانكليزي في عامي 2007 و2012 على التوالي، بالفخر ان تسمي نفسها “مناصرة لحقوق المرأة” أي نسوية” بالرغم من أن: “بعض النسوة في مدينتي يعتقدن، خطاً، أن الناشطة النسوية كارهة الرجال” والحديث لسبهان. 
 
التعاون لا التنافس
على مدى عقود، كان الاعتقاد السائد بأن الرجال في الموصل هم المعيل الوحيد لأسرهم، بالرغم من أن الكثير من نسائها، قبل العام 2014، كن يشغلن وظائف حكومية كمعلمات وطبيبات وممرضات. 
تقول هبة، وهي غير متزوجة ومن دون دخل ومتكلة على والدها، في حديثها عن النساء الأرامل اللواتي وجدن أنفسهن من دون مصدر للرزق، مع وجود أطفال تتوجب اعالتهم: “تدبير القوت اليومي بشق الأنفس في الموصل، أصبح أمرا عصيبا لدى الكثير من نسائها”، مضيفة “نرغب بإحراز تقم كبير باتجاه تحقيق المساواة مع الرجل، وبشكل خاص، في أماكن العمل والتعليم”، وتضيف “تحتاج النساء للاعتماد على أنفسهن والاستقلال ماديا، لكن الواقع القاسي ينقل لنا قصصا من مختلف أنحاء العراق عن نساء مرغمات على العمل لإعالة أطفالهن”.
تعبّر السبهان عن سعادتها برسائل الدعم لها من الرجال عبر مواقع التواصل، مشيرة الى أن شقيقها عبدالرحمن، 31 عاما، من أشد الداعمين لها: “على الرجال أن يبدؤوا بإظهار الإحترام للنساء من خلال دعمهم لهن في حياتهن ومساعدتهن على التطور والازدهار، يجب علينا التعاون، لا التنافس معهن”، اذ تعتقد أن الكثير من الرجال قد غيروا من موقفهم تجاه النساء بعد التجربة التي عاشوها في ظل حكم داعش، وأنه قد كان درسا للذين اعتادوا على
اهانتهن. 
في مجموعتها الأولى، تأثرت السبهان بالعلامات التجارية العالمية في مجال الموضة، وفي ذات الوقت، مراعاة تلبية المتطلبات التي يفرضها المجتمع الإسلامي وإظهار الروح العربية في تصميماتها، لكن الملاحظ هو إضافة فقرة اليها وهو: قناع الوجه او الكمامة. بالنسبة لسبهان، تعد الكمامة شكلا من أشكال الموضة، اذ تقول: “أردت التأكيد على الحشمة والتواضع، صحيح أن الجميع يضع الكمامة هذه الأيام، لكن لا يزال هذا الأمر حساسا هنا في الموصل التي عرفت بأنها محافظة وبشدة”، مضيفة “كنت قلقة من اعتراض الكثير من الناس، لكن بعد الترحيب الكبير الذي لقيته مجموعتي، أعدكم بأن العارضات في مجموعتي الثانية لن يغطين وجوههن”.   
*صحيفة ذا ناشينال