ثقافة الاعتذار.. شرط إنساني لتقويض الكراهيّة

اسرة ومجتمع 2021/01/17
...

 بغداد: قاسم موزان
في أغلب الاحيان يثار السؤال، لماذا تغيب ثقافة الاعتذار في التعامل المجتمعي عند الوقوع في مصيدة  الاساءة، البعض يعدها انتقاصا من كبريائهم المزعوم  او كسر لهيبتهم، الاعتذارانجاز متمم لبناء لشخصية الانسان وقوة مضافة للتخلص من الزوائد العصابية . 
الى ذلك اشار عالم النفس  د. سعد العبيدي لو جازت المقارنة بين المجتمعات المتحضرة وبين الأخرى المتخلفة في موضوع الإقرار بالخطأ وتقديم الاعتذار، لتبين الفارق شاسعاً لصالح الأولى، وتبين السبب في الغالب يعود الى الفهم الخاطئ لمعنى الاعتذار، هم وفي ثقافتهم يعتقدون أن الاعتذار قوة تضاف الى معايير الشخصية السليمة، تمهد الى عدم العودة لارتكاب الخطأ وبالتالي تزال الشوائب الانفعالية التي تَعلَقُ في زوايا الشخصية، فتبنى سليمة، ويؤمنون أن الشخصية السليمة من الشوائب (الاضطرابات النفسية) وحدها قادرة على بناء الدولة القوية. على هذا يعلمون الأبناء في ثقافتهم معنى الاعتذار عن الخطأ المرتكب ليكونوا أقوياء متسامحين، فيعيشوا بأمان، ويبنوا الدولة التي توفر لهم الأمان، أما نحن الشرقيين المتهمين بالتخلف، نرى في الاعتذار ضعفا وفشلا لا ينبغي إظهارهما، نعلم أولادنا الكتمان، فيتجمع في خلايا عقولنا الانفعالات السلبية التي تجعلنا ضعفاء، من دون وعي من أن الضعفاء لا يمكنهم بناء مجتمعات ودول سليمة قوية قادرة على العيش بأمان في عالم ينبذ الضعيف.
استقواء
وقال الاديب فهد عنتر الدوخي هنالك عوامل كثيرة تؤثر في المزاج المجتمعي وتدفعه للإساءة للغير، منها قلة الوعي الحضاري والاجتماعي، وضعف القانون  الذي يؤطر المجتمع لذلك تجد الشعوب المتخلفة، التي يستبد بها الجهل والخرافة، تستقوي بالعشيرة والأسرة والمذهب والقومية، أكثر إيغالا  بهذا السلوك الذي ينتج عنه سلوك غير حضاري، وليس في قاموسه أن يسامح أو يعفو لو أدركنا المعاني التربوية والأخلاقية للحديث النبوي الشريف (إلتمس لأخيك سبعين عذرا) والذي يعبر بوضوح عن السمات المثالية للمجتمع.
سمو
من جانبه بين القاص  ابراهيم سبتي ان المجتمع الذي تتعدد وتختلف فيه  الصفات والرؤى مما يتطلب وعيا خاصا لأجل الوصول الى الحقيقة التي يعتقدون انهم يتصارعون لأجلها، من هنا تنبع ثقافة الاعتذار كخيار شجاع غير مشكوك بصدقيته، فقد يتقبله البعض كأسلوب حضاري وربما يرفضه البعض الاخر لانه يتقيد بالمطالبة بالرد والثأر، التي يعتقد انهما الوسيلة التي تحل محل ثقافة الاعتذار. بودنا ان نجد ان هذه الثقافة تنتشر في صفوف المجتمع كما تنتشر الصفات الاخرى، انها ثقافة المعاصرة والحياة المدنية التي ترتقي الى السمو، بودنا أن نجدها وقد مارسها الكبير والصغير وتعلمها من في المدارس وأيقن بأنها طريقة مثلى للتعامل الحضاري، ان انتشار هذه الثقافة في المجتمع يجب ان يسبقها انتشار ثقافة الاقتناع والسمو على الصغائر، فمن يتميز بهذه الخصال سيكون مستعدا لممارسة ثقافة الاعتذار بكل ما تحتويه هذه المفردة من عناصر ومفردات، لقد تباينت ردود افعال الناس حول من يعتذر بعد موقف ما، فمنهم من يقول بأنه ضعف ومنهم من يقول بأنه شجاعة ومنهم من يصمت
لا يتكلم.
 
استحقاق ثقافي
وصف الكاتب علي شايع ثقافة الاعتذار هوية يفرضها الشرط الإنساني، كي تزداد ثقة الساعين الى المعرفة  بهذا الاتجاه حتى لا يكبر المقت لدى الناس؛ في أن يروهم ممن يقولون ما لا يفعلون! المؤسسات الثقافية وملحقاتها - إلا ما ندر بالطبع- لا تتخذ منهج الاعتذار كحق للآخر عليها، يوجب أحياناً بعض الاستحقاقات المعنوية والمادية، وأكد شايع أن الاعتذار لا يعني بالضرورة أن نكون على خطأ دائماً، فثمة مراتب لسوء الفهم توجب علينا التقدير والحسبان لتلك 
العلاقات النبيلة مع الآخرين. 
 
إنتاج قيم
بعتقد الباحث شهاب الفضلي، الاعتذار ﺳﻠﻮﻙ ﺃﺧﻼﻗﻲ مديني ﺭﺍق،  ﻳﻨﻢ ﻋﻦ  ﺮﻭﺡ ﺍﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺘﺬﺭ، توافرها يحتاج إلى زمن اجتماعي طويل للتغريز هذه المهمة وتقع على عاتق المؤسسات التربوية، لتضمينها في المناهج الدراسية و إلى وعي كبير من مؤسسات التنشئة، والموضوع شائك ومعقد ومفتوح على اتجاهات ثقافية أخرى، لا سيما منها السلوكية وكما نعرف أن أي مجتمع تقوم مؤسساته التوسطية، والتي يسميها علم الاجتماع بمؤسسات " التنشئة الاجتماعية " في وضع قواعد لغة السلوك وإنتاج القيم، وهي: الأسرة، التعليم، الدين، الأعراف والتقاليد،  القانون، المؤسسة الترفيهية، الصحبة. وقد تعرضت هذه المؤسسات الى تغيرات عبر التاريخ كما هو الحال في الأمم الأخرى، الا أن العراق وما تعرض له من هجمات  عبر الحقب التاريخية من جيرانه وكذلك التأثيرات الإقطاعية القبلية، والطبقة الأوليغاركية بإجماع المفكرين والدارسين كـ " الوردي،   طاهر عبد الجليل، وقيس النوري، وحاتم الكعبي، وخليل معين، وآخرين" اثر كبير في تشكيل الشخصية. وتبقى قراءة الوردي الأبرز في تلك القراءات عبر مفاهيم صراع البداوة والحضارة.
 
شجاعة
قالت الناشطة  سناء الموسوي قد تعتري العلاقات الانسانية بعض المطبات  الخلافية على مستوى الاصدقاء وابناء الأسرة الواحدة التي تنتهي بالزعل اوربما القطيعة بين الطرفين احيانا، ومن هنا ينبغي الاشارة الى ضرورة التاسيس لثقافة الاعتذار التي تقوم على اساس التحلي بالهدوء والتأني والصبر واسترجاع شريط الاحداث لمعرفة الاسباب، التي تقف وراء ذلك، لكي نقرر الاعتراف بأن من أخطأ ينبغي له الاعتذار للآخر، والامر يحتاج الى الشجاعة و يأتي ذلك تاكيداً لما قيل إن الاعتذار عن الخطأ فضيلة يجب ألا يجرح كرامتك، بل يجعلك كبيراً بعين من أخطأت بحقه، وعلى الطرف الثاني أن يتقبل الاعتذار بمحبة  بعيداً عن الغضب والكراهية ومن دون الغوص في اعماق المشكلة مجددا، لثقافة الاعتذار التي يجب ترسيخها كسلوك انساني يبدأ من الطفولة لبناء مجتمع متماسك .
 
اعتراف
يرى الاستاذ في جامعة دهوك زيرفان أمين أن التنشئة الاجتماعية توجه أفراد المجتمع إلى توجه خاص موازٍ لتلك التنشئة، فغياب الاعتراف بالآخر المختلف والحوار معه وتقبله كما هو، وتحمل المسؤولية من أهم أسباب غياب تلك الثقافة الراقية، علاوة على توصيف الأنا بالعصمة، أي عدم تقبل الأخطاء الذاتية وعدم تقبل فكرة الأنا المخطئة، ومن ثم إلقاء جميع الأخطاء على الآخر، وإن اعترف فرد بالمجتمع بأخطائه وقلما نجده،  فإنه سيقدم قائمة بالتبريرات التي دفعته للقيام بها، من دون أن يدرك مسألتين مهمتين في الحياة وهما أن كل إنسان خطأ، وثانياً أن مسألة الخطأ والصحيح من الافعال والأقوال مسألة نسبية من شخص لآخر.