شيكاو.. زعيم بوكو حرام غريب الأطوار

بانوراما 2021/01/18
...

اوليفر هارفي
ترجمة: بهاء سلمان
أعلن عن موته أربع مرات على أقل تقدير، لكن الموصوف بـ»الجهادي» المتعطش للدماء وأكثر شخص مطارد ومطلوب عالميا ظهر مجددا ليضرب بقوة؛ فقد إدعى أبوبكر شيكاو، الذي يتزعم الفرع الأفريقي لعصابات «داعش» الارهابية بوكو حرام، مسؤوليته عن اختطاف أكثر من 300 صبي من إحدى مدارس شمال غرب نيجيريا مؤخرا.
وقام بوكو حرام سابقا بتوظيف الأطفال المختطفين كعبيد لأغراض الجنس وانتحاريين ومجندين. وأطلق أمير الحرب بيانا صوتيا تبجح فيه قائلا: «نحن نقف خلف ما حصل في كاتسينا، وما حصل تم تنفيذه لنشر الدين وعدم تشجيع الممارسات غير الدينية، لأن التعليم الغربي نرفضه».
 
مجابهة السلطة
وتم اطلاق سراح الصبيان يوم 17 كانون الأول الماضي، مع وصف الرئيس النيجيري محمد بوهاري للأمر أنه «مثل ارتياحا كبيرا لعوائل الفتيان، وللبلاد والمجتمع الدولي بأسره.» لكن من غير الواضح إن كان قد تم اطلاق سراح جميع الاولاد، فبعض الطلاب البالغة أعمارهم من 12 الى 17 سنة، والذين فروا خلال عملية الاختطاف، تحدثوا عن موت آخرين حينما سار بهم المسلحون عبر احدى الغابات.
وهناك تخمينات بدفع فدية، رغم نفي الحكومة لذلك. ويواصل شيكاو، 47 عاما، والمتزعم لبوكو حرام منذ تموز 2009، كونه العقل المدبر لسلسلة من الأعمال الوحشية، وتجنّب الإمساك به أو اغتياله. ومثل ابن آوى الصحراء، يبدو إنه اختفى داخل بلد من بلدان الساحل بلا أثر، وعرضت الحكومة الأميركية مكافأة تصل الى أكثر من خمسة ملايين دولار مقابل أية معلومات تدل على مكانه. ويشير مصدر أمني الى أن «شيكاو محمي بشكل ممتاز، والتنظيم مدرّب بشكل جيّد، ولديهم قوات خاصة ومركز للاستخبارات ومركز اعلامي.»
وتسبب بوكو حرام بدمار كبير جراء سلسلة من التفجيرات والاغتيالات والاختطافات مع سعيه لإسقاط الحكومة النيجيرية وإنشاء دولة دينية على غرار دولة «داعش». وقد قتل واختطف آلاف الأبرياء مع نزوح نحو نصف مليون فرد بسبب أعمال العنف؛ وتحدثت نساء مخطوفات كان قد هربن من قبضة التنظيم الارهابي عن أعمال تعذيب واغتصاب وزواج قسري.
كان تنظيم بوكو حرام، ومعناه بلغة الهاوسا المحلية «الثقافة الغربية محرّمة»، قد تصدر عناوين الأخبار سنة 2014 عندما اختطف 276 فتاة مسيحية من إحدى المدارس في بلدة تشيبوك. وأرغمت الفتيات على التحوّل الى الاسلام والزواج بمقاتلي التنظيم بمهر بلغ خمسة دولارات. وفي مقطع مصوّر تقشعر له الأبدان، بعد شهر من حادثة الاختطاف، قال شيكاو متبجحا: «يبيح ديني العبودية، وسألقي القبض على الناس واستعبدهم».
 
تعاطف عالمي
واطلقت حملة عالمية حملت تسمية «أعيدوا لنا بناتنا»، وتلقت رسائل أكثر من مليون متعاطف مع البنات خلال ثلاثة أسابيع فقط. وكان من بين الداعمين للحملة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون، وسيدة أميركا الاولى ميشيل اوباما، وعارضة الأزياء العالمية كارا ديليفنجن، والممثل هاريسون فورد. وقام سلاح الجو الملكي البريطاني بجولات استطلاع فوق شمال نيجيريا خلال الأشهر التالية لفضيحة تشيبوك في محاولة لتحديد مكان المختطفات، وبعد تحديد المكان رفضت الحكومة النيجيرية عرضا بريطانيا بتنفيذ مهمة لانقاذهم، معللة بأنها «شأن وطني» تحله الأجهزة الأمنية المحلية.واختطفت المزيد من البنات من قراهن بعد حادثة تشيبوك، وهربت العديد من البنات، أو تم تحريرهن بعد مفاوضات مع الحكومة النيجيرية، وتصف فتاة اختطفها التنظيم عندما كانت بعمر 12 سنة، واغتصبت عدة مرات، كيف يرعب الارهابيون الأطفال المختطفين، ويتوعدوهم بأفظع العقوبات، ومنها قطع الرأس أمام مرأى من الجميع. وكشفت منظمة اليونيسيف سنة 2018 عن اختطاف أكثر من ألف طفل من قبل بوكو حرام منذ العام 2013.
ولد زعيم الارهابيين المطارد في بلدة شيكاو الواقعة شمال شرقي نيجيريا، وهي منطقة بائسة ومعدمة للغاية؛ وكان منزل الأسرة عبارة عن كوخ مبني من الطين ضمن أفقر أحياء البلدة. ويستذكر أحد زملاء الدراسة أن شيكاو كان قد ذهب للدراسة في جامعة بورنو للدراسات القانونية والاسلامية. وصار قائد التنظيم سنة 2009 عندما قتل محمد يوسف، الذي أسس الحركة سنة 2002، وكانت تعرف آنذاك بعدم
 عدوانيتها.
ويقول أحد مؤسسي التنظيم، الذي ترك بوكو حرام عندما وصلت الى مرحلة حمل السلاح: «كان لدى شيكاو مشكلات عقلية وأرسل الى مستشفى للأمراض النفسية، وكان لديه ميول جنونية. وكان يرعب أقرانه الطلبة خلال مرحلة المدرسة، وامتاز بطبعه الشرير، فكان يربط خيطا بصحنه المعدني الذي يستخدمه لطلب الطعام، ويطلقه باتجاه زملائه، الذين عادة ما كانوا يبتعدون عنه، فيصيب الصحن رؤوسهم وتتدفق الدماء
 منهم».
 
تفاخر بالوحشية
ومع قيادة شيكاو المتعطش للدماء، نفذ تنظيم بوكو حرام أكثر الأعمال الإرهابية المرعبة في العالم، فقد هاجم أكثر من 1400 مدرسة، وفقا لبيانات صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة. وذكرت ايميكا اوكريك التي دونت تقرير المركز الدولي لأبحاث العنف والارهاب السياسي: «إن شيكاو قام بتحويل المنظمة من فرقة متزمتة عنيفة بشكل متقلّب الى منظمة تمارس أقصى حالات العنف، وتصدره حتى الى خارج نيجيريا.»
وبعد قتل أفراد التنظيم لأكثر من 180 شخصا سنة 2012 في مدينة كانو، المدينة الأكبر في شمالي البلاد، خرج شيكاو في مقطع مصوّر يتبجح بالقول: «أنا أستمتع بقتل أي فرد يأمرني الرب بقتله، بالطريقة نفسها التي أستمتع بها بقتل الدجاج والخرفان». وبعد تنفيذ عملية اختطاف فتيات بلدة تشيبوك في نيسان 2014، ظهر بعيون جاحظة خلال مقطع آخر متفاخرا: «لقد خطفت بناتكم. أقسم بالله أني سوف أبيعهن في السوق. سأبيعهن وأزوّجهن». وفي آذار 2015، أعلن شيكاو مبايعته لزعيم تنظيم «داعش» الارهابي أبو بكر البغدادي، الذي قتل خلال غارة أميركية شمال سوريا سنة 2019.وبخلاف البغدادي وزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، أفلت شيكاو من القتل أو القبض عليه؛ ورغم وجود أربع روايات تتحدث عن وفاته، يبقى الزعيم الارهابي حرا طليقا بشكل كبير. 
وكانت والدته «فالماتا» قد تحدثت عنه خلال لقاء مع اذاعة صوت أميركا، فقالت: «لم أره منذ 15 سنة. نعم، إنه ابني، وكل أم تحب ولدها، لكننا شخصيتان 
مختلفتان».