بعد التاسع من نيسان 2003 وسقوط جدار الدكتاتورية الذي فتح باب الحرية (الكتابيّة) وتعدد وسائل النشر محليا وعربيا، شهدنا جملة اصدارات في اول سنتين منها ما توثق لمرحلة سابقة ذكر كتابها انها كتبت في زمن النظام السابق لكنّها مُنعت دون تقديم دليل على ذلك، ربما تم منع قصيدة هنا قصة هناك لكن ليس بعدد ما اعلن في تلك الفترة، واخرى في فضاءات اخرى متنوعة. هذه الموجة سرعان ما اختفت بسبب الاحتقان الطائفي وتحول البعض من الادباء والكتاب الى ناطقين باسم طوائفهم، هذه الموجة هي الاخرى اختفت تدريجيا لكنّها عاودت الانتشار بعد حزيران 2014 ودخول داعش لعدد من مدن البلاد، ما يشير الى هشاشة المستوى الثقافي وسطحية الوعي عند هولاء مدمني الاحتراب والصراعات.
السنين الاولى للتغيير اقتصرت على كتابة ونشر مجاميع الشعر والقصة بشكل خاص، لكن بعد ذلك جاء الدور للرواية التي اخذت الحيز الاكبر من الاهتمام بالكتابة والنشر والمتابعة النقدية بل حتى المبيعات، وتحولت كتابة الرواية الى شبه موضة ادبية، اذ انبرى شعراء وقصاصون وكتاب وصحفيون الى كتابة الرواية منهم من يريد ان يجرب الكتابة واخر يبحث عن شهرة كتابية وثالث ركب موجة الكتابة كما فعل الكثير من راكبي الامواج السياسية والاجتماعية والفنية والصحفية.
ذلك الاهتمام والجوائز والمسابقات جعلت من الرواية جنس الموسم الكتابي حتى وصل عدد الروايات العراقية الصادرة الى المئات ومع ان هذه الموجة حسبما يقال انها عالمية لكنها قياسا بالعراق والرواية وتاريخها الكتابي يعد كبيرا جدا، اذ ما علمنا ان هذه الاصدارات قد تفوق ما صدر من روايات عراقية منذ اول رواية عام 1928 وحتى نيسان 2003، وخاصة فترة الفورة الروائية من 2010 وحتى 2016 والتي شهدت اصدار قرابة (500) رواية اي في العام الواحد بحدود (85) رواية بغض النظر عن المستويات المتباينة فنيا وحكائيا.
لكن هذه الفورة شهدت في العام الماضي والذي قبله خفوتا كبيرا جدا، فلو تتبعنا عدد الروايات التي صدرت سنجدها لا تتجاوز العشرين رواية بعضها اخذت حيزها من خلال الجوائز والمسابقات واخر نال الاهتمام النقدي ومنه (الاخواني) فيما سجلت نسبة كبيرة من هذه الروايات ككتاب صادر في سيرة الكاتب الشخصية.
هذا الخفوت قد يترك عدة انطباعات واراء، ولماذا هذا الخفوت؟ رغم زحمة الموضوعات التي تعج بها الساحة العراقية وجسامة الاحداث وتنوعها فضلا عن فسحة الحرية والنشر، لكن الذي يبدو ان هناك ثمة كسل عند البعض وفتور عند اخر، واحباط عند نسبة كبيرة بعد عدم نيل الاهتمام والمتابعة لما كتبوه واعتقدوا انه "رواية" ناجحة تستحق الاشارة بأقل تقدير.
لكن ذلك حتما يؤشر الى اسباب اخرى يفترض على اولي الشأن (السردي والنقدي) بحثها والتطرق لها في مؤتمرات وملتقيات السرد التي ستقام هذا العام، وثمة تساؤل هل كل ماكتب تحت جنس "الرواية" بعد 2003 يستحق ان يحمل صفة الرواية؟، وبتعبير أدق كم رواية من مجموع ما صدر تحمل ميزات ومواصفات الرواية الناجحة، بعيدا عن تقيم الجوائز والمسابقات المحلية والعربية فلهذه الجوائز أسرار مفضوحة...
ربما انتهى موسم الرواية وقد يكون الموسم المقبل للقصة القصيرة والقصيرة جداً.