رقي الإنسانيَّة

اسرة ومجتمع 2021/01/22
...

سعاد البياتي 
في مشهد حميمي مؤثرعرض في صفحات الفيسبوك لبطة بيضاء تقف على جرف نهر وأمامها فتات من الخبز، فتقوم بإطعام سمكة بكل حنو، بعد ان تدنو منها وتلتقط  بفمها اللقيمات الصغيرة، وهي لا تشعر بالملل من ذلك العمل الى ان اكتفت السمكة وراحت تغوص بعيدا عنها، هذا الموقف الحي والممتع استوقفني للحظة تأمل، بينما يحمل من معانٍ عميقة وسلوك فطري صادق جسدته اثنتان من المخلوقات الجميلة،  وكل من راقبها بتمعن وجد فيه ترجمة مذهلة لمفردات الرحمة والرأفة، التي وضعها الخالق سبحانه وتعالى في مخلوقاته وابدع في صنع عالم من الجمال 
واللطافة. 
وعلى الرغم من غرابته، الا أنني اكتشفت فيه صورة مثالية من صور التطوع غير المدروس والمخطط له، عمل يجسد رأفة العالم الادنى من الانسان حسب نظرية التطور والتصنيف الاحيائي والعلمي بأنه يرتقي وقد يفوقه في السلوكيات الرأفوية والعاطفية، حينما يحمل بين جوانحه تلك الرحمة والذكاء ويكون عوناً ومسعفاً لآخر احتاج ان يسنده في محنة الجوع والبحث! فهل بإمكاننا ان نحذو حذو هذا الحيوان الأليف، بعد أن تأكد أن في مجتمعنا حالات كثيرة من البؤس والفقر، ومديات من الصور الموجعة لمساكين يفترشون الطرقات تعلو وجوههم المسكنة واليأس من توفير قوتهم 
اليومي!
فالعمل الخيري وحملات التطوع التي تقوم فيها فرق الاغاثة الشخصية وبعض الخيرين ممن نذروا حياتهم ومقاصدهم في خدمة شرائح المتعففين، تعد من العبادات التي أولاها الدين الاسلامي اهمية كبرى في المعاملات لما فيه من منفعة وفائدة انسانية يرقى بها المجتمع، وهي فرصة لتأكيد قيمة المبادرات المبتكرة في تجاربنا الملهمة للمحتوى الانساني المرموق، الذي يخلو من التباهي والرياء وهو جامع لصدق التعبير والعمل، فالاسلام دين الانسانية وغايته الكبرى هي التكافل والتعاون وسد حاجات الناس المعوزين بطريقة تضمن لهم حياة كريمة من دون المساس بكرامتهم او التشهير 
بفقرهم. 
لذلك ادعو اهل الخير ومدمني التواصل الاجتماعي الذين ينشرون صور تبرعاتهم ومساعدتهم للاخرين ان يكونوا محافظين على (ماء وجه) هؤلاء بغض النظر عن اظهار عوزهم وفقرهم، كي لايكونوا مادة للعرض، فالله عز وجل يحثنا على التخفي في ابداء الصدقة والمساعدة، حينما بين ألا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، وتلك حدود انسانية راقية في حضرة المجتمعات المتحضرة والامينة على حفظ كرامة 
مواطنيها.