حرف يدويَّة في السماوة مهددة بالزوال

ريبورتاج 2021/01/24
...

 
السماوة : احمد الفرطوسي
 
ا على عدد من الاسر تتوارثها جيلا بعد جيل حتى أصبح يطلق عليها مهن الآباء والأجداد.
الحداد أبو جاسم، تحدث عن أسباب تراجع حرفة الحدادة بطابعها التراثي في السماوة قائلا: "لقد تراجع الإقبال على منتجاتنا خصوصا بعد اختفاء السياح، واتجاه الناس لاقتناء الأواني المصنوعة من الألمنيوم وغيره"، مثلما "اثر في عملنا بشكل كبير ارتفاع أسعار المواد الأولية التي تدخل في عملنا، بسبب استعمالها في الكثير من الصناعات، ناهيك عن الاهمال الذي تعاني منه مهن وحرف، بل وفن الصناعة اليدوية وعدم تلقيها الدعم".
واضاف "ان استمرار حال هذه الحرف بهذا الشكل قد يعرضها الى الزوال".
 
محافظة
وأوضح "ان عدد الذين يعملون بهذه الحرف أصبح لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، كما تعاني الحدادة من قلة الطلب على المنتوج المصنوع يدويا، بالاضافة الى ما نواجهه من ارتفاع بأسعار ايجار المحال".
وطالب أبو جاسم بـ"المحافظة على المهن والحرف اليدوية ومنها الحدادة من خلال دعمها ماديا ومعنويا".
بينما ذكر الصفار ناجي عبود مدلول (80 عاما)، "أن حرفة الصفارة تشهد تراجعا منذ خمسينيات القرن الماضي،  وذلك لاستخدام مادة الفافون في الصناعة، اذ ترك العمل الكثير ممن كانوا يعملون بهذه المهنة، وأصبح الذين يعملون فيها يعدون على الأصابع".
 
مليون دينار
مشيرا الى وجود شخص في العاصمة بغداد يعمل في هذا المجال، وهو الأسطة ابراهيم محمد، بينما كان يعمل في هذه المهنة قبل الخمسينيات أكثر من مئة شخص في العاصمة فقط، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي المحافظات، اذ لا يوجد في كربلاء سوى شخص واحد، وفي بعض المحافظات لا يوجد اي شخص يعمل في هذه المهنة، خصوصا بعد ارتفاع سعر الطن الواحد من النحاس الى اكثر من عشرين مليون دينار عراقي، بعد أن كان في السابق بسعر 20 الف دينار".
ويقوم مدلول بعمله باستخدام المطرقة والفحم الحجري ومادة البليت وقطع النحاس، ويقول أنه لم يتبق سواه يعمل في هذه المهنة في محافظة المثنى، وأضاف "بدأت العمل بهذه المهنة منذ عام 1934 وحتى اليوم، وأقوم حاليا بصنع القدور الضخمة فقط، وتكفي لطبخ مئتي كيلوغرام من الرز، والتي تباع بمبلغ مليون ومئتي الف دينار، وتستخدم في المناسبات الكبيرة فقط".
 
مواصفات
أما السراج عمار حميد جابر فقال ان" مهنة السراجة (صناعة الأحزمة والأحذية الجلدية) قد شهدت هي أيضا تراجعا كبيرا، وعزا ذلك الى "اعتماد الأسواق والتجار على السلع المستوردة من إيران وسوريا، والتي تكون بحكم أسعارها المتدنية مناسبة للمتبضع، وان كانت رديئة النوعية". واستدرك "لكن الذي يريد سلعة جيدة يحدد مواصفاتها بنفسه، أو يضع شروطا على عملية صنعها، ويتوجه الينا  نحن أصحاب العمل اليدوي حين لا يجد ما يبغيه في البضاعة المستوردة". وذكر جابر أن الطلب على صناعاته قد تراجع بشكل كبير، وأوضح" الإنتاج الحالي ليس كما كان في السابق، اذ كنا ننتج 28 {سيتا} يوميا، اي بحدود 300 قطعة، أما اليوم فلا نبيع ربع تلك الكمية".
وتابع "لا يوجد أحد غيري يعمل بهذه الحرفة في السماوة، ولو قدم لي الدعم لأنشأت معملا يفوق في انتاجه البضاعة المستوردة، 
ولكن العلة تكمن في قلة الدعم المادي".
عبء
أما المهندس الحداد خالد هاشم، فيرى أن هناك سببين رئيسين وراء تراجع الحرف اليدوية وهما "الاهمال الذي يعاني منه القطاع الزراعي، وعدم دعم الدولة لهذا القطاع المهم، بإلاضافة الى طمع اصحاب الملك".
ويوضح "ان اغلب محالنا مستأجرة والايجارات تخضع باستمرار الى الزيادة من قبل أصحابها، وهذا ما شكل عبئا كبيرا على المستأجرين، كما أن القطاع الزراعي يعاني من إهمال واضح، وهذا ما يؤثر سلبا في طلب الأدوات التي نصنعها، والتي يستعملها الفلاح بشكل واسع". 
ويطالب هاشم الجهات المختصة بـ"الاهتمام بهذه المهن اليدوية لمردودها الاقتصادي الكبير، لو قدم لها الدعم اللازم وأنشئت معامل خاصة بها لأصبحنا نقوم بتصديرها الى الدول المجاورة بدلا من استيرادها".
 
منافسة
بينما قال النداف كرار وهاب ان انقطاعات التيار الكهربائي كانت سببا رئيسا وراء تراجع حرفة الندافة، وأوضح "تدخل الآلة في الكثير من عملنا، وان انقطاع التيار الكهربائي له تأثير كبير في سرعة إنجاز عملنا، لأن الزبون دائما ما يحدد أو يشترط سقفا زمنيا لإنجاز ما يطلبه باسرع وقت ممكن، ولهذا يلجأ الكثير من الزبائن الى البضاعة الجاهزة في الأسواق، إلا القليل منهم ممن يريد أن تكون البضاعة حسب ذوقه وحسب الشروط والألوان التي 
يبتغيها". 
ويقول صاحب محل بيع الجملة أبو حميد، أن لا فرق بين البضاعة المستوردة والإنتاج المحلي من حيث السعر، ويرى أن كمية المنتوج المحلي لا تكفي لسد حاجة السوق، وخلق أجواء تنافسية مع المنتج المستورد في السوق. ويشير أبو حميد الى أنه لا يتعامل بالمنتجات المحلية، ويعتمد على السلع المستوردة في تجارته، ويعلل ذلك بـ"سهولة التعامل بالسلع الأجنبية وتوفرها، على العكس من الإنتاج المحلي الذي لا يكفي لاعتمادنا عليه في أسواقنا، بالإضافة إلى أن بعض أصحاب المهن لا يوفرون السلعة في الوقت المناسب، وحسب رغبة المستهلك إلا بكميات قليلة جدا".