كيف ستتغير السياسة العالمية هذه السنة العالم في 2021 ؟

بانوراما 2021/01/24
...

ايما غراهام هاريسون، هانا اليس بيترسين، ديفيد سميث، جون هنلي، هيلين ديفيدسون، أوليفر هولمز، أندرو روث
ترجمة: مي اسماعيل
سوف يغير غياب دونالد ترامب وجه الجغرافية السياسية، وستؤثر أزمة المناخ والاستجابة لفيروس كورونا على جميع الأمم؛ في حين تواجه اخرى تحديات من نوع خاص. هيمن مزيج قوي من الأمل والخوف على بداية العام الجديد في أغلب انحاء العالم؛ إذ أنتج العلماء عدة لقاحات لمرض لم يكن له حتى اسم خلال هذا الوقت من العام الماضي، مع أن دولا مثل بريطانيا والولايات المتحدة ما زالت تتخبط عند أسوا مراحل الوباء.
لن يبدأ ظل كوفيد- 19 بالانقشاع (حتى في الدول الغنية) لعدة أشهر مقبلة، ومع أن بريطانيا كانت الاولى باجازة لقاح وتأمين إمدادات واسعة النطاق؛ لكن اقتراح رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” أن الحياة قد تعود الى طبيعتها بحلول عيد الفصح (بداية شهر نيسان المقبل. المترجمة) يُعد متفائلا على نطاق واسع. بينما تواجه دول أخرى (خاصة النصف الجنوبي للعالم) انتظارا طويلا للحصول على اللقاح والمساعدة لدفع ثمنه. ستكون اعادة بناء الاقتصادات التي حطمها كوفيد- 19 في كل مكان عملية بطيئة، وحتى الدول التي نجحت باحتواء الوباء تلقت ضربات؛ من فيتنام الى نيوزيلاند. 
ولكن حينما سينتهي التهديد المباشر؛ سوف يواجه العالم تحديات رئيسة اخرى كانت ستسيطر على عناوين الاخبار في السنوات الاعتيادية. ولعل الأكثر إلحاحا منها، رغم أن العديد من السياسيين لا يعتبرها كذلك دائما؛ هي أزمة المناخ. جذبت حرائق الغابات والطقس المتطرف الانتباه الى الكلف الواجب انفاقها في عالم يعاني الاحترار، وتناقص نوافذ خفض الانبعاثات ومنع الاحتباس الحراري الكارثي. 
من المزمع أن يلتقي زعماء العالم بحلول شهر تشرين الثاني المقبل في غلاسكو ضمن قمة رئيسة، ولأنها تأخرت عاما كاملا بسبب الجائحة؛ هناك ضغط متزايد عليهم للاتفاق على خطوات جديدة حاسمة.
عادت الصين الى النمو بعدما احتوت الوباء سريعا؛ وقامت الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي أواخر العام الماضي كتذكير بمدى جاذبية اقتصادها للمستثمرين العالميين. مع هذا هناك استياء في دول عديدة حول معالجة الصين للوباء خلال أيامه الاولى والإحجام الواضح عن السماح بإجراء تحقيق دولي مستقل في أصول فايروس كوفيد- 19.
كذلك واجهت قيادة الصين الشيوعية تمحيصا متزايدا بشأن انتهاكات حقوق الانسان؛ من قانون أمني شامل استخدم لسحق الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ إلى معسكرات اعتقال الأقليات المسلمة بمقاطعة شينجيانغ الواقع عند أقصى غرب البلاد. بحلول نهاية ولايته كان ترامب قد قلب عقودا من السياسة، متخذا خطا متشددا ضد الصين حول التجارة والقضايا الدبلوماسية؛ منها الدعم العسكري والسياسي لتايوان. ومن المتوقع أن يسلك بايدن مسارا أقل مواجهة من سلفه. 
برحيل ترامب ستشهد سنة 2021 اختبارات لزعماء شعبويين آخرين؛ إذ يواجه رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو رابع انتخابات عامة خلال عامين مع استمرار تهم الفساد ضده. ويتجه الرئيس البرازيلي “جاير بولسونارو” الى ثالثة سنوات حكمه الاربع، ولكن بينما تتجه دفعات تعويضات الوباء الى خواتيمها؛ قد تتعرض شعبيته الى انحدار قاسٍ. وهذا عرض لبعض مجريات السياسة المتوقعة لسنة 2021..
 
العودة الى الواقعية
سيواجه بايدن ملفات أكثر تشعبا وتقييدا مما واجهه أي رئيس جديد للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ قتل فيروس كورونا أكثر من 400 ألف أميركي، ويكافح الاقتصاد بوجود بطالة معدلها نحو سبعة بالمئة ويصطف الآلاف أمام بنوك الطعام. وباتت المطالبات بالمساواة العرقية والعدالة أكثر الحاحا، وتتجه الشكوك الى روسيا حول أكبر هجوم سيبراني على الاطلاق ضد الحكومة الاميركية.. أميركا باتت مُقسّمة، وديمقراطيتها الهشة تحتاج للاصلاح، بينما تصرخ أزمة المناخ طلبا للقيادة. 
أوضح بايدن، وهو الرئيس الأكبر سنا في الثامنة والسبعين؛ بأن ترويض كورونا له الأولوية رقم واحد بالنسبة له. تضم أميركا، التي تترنح تحت فشل تاريخي في القيادة بسبب دونالد ترامب، نحو أربعة بالمئة من عدد سكان العالم ولكن نحو 19 بالمئة من عدد وفيات الوباء وما يفوق مئة ألف شخص في المستشفيات. حذّر الرئيس مؤخرا من أن “الأيام الاكثر سوادا” في المعركة ضد الوباء “أمامنا.. وليست خلفنا”. 
ووعد بايدن بتوقيع أمر تنفيذي يوم توليه الحكم يطالب المواطنين بارتداء الكمامة في الحافلات والقطارات العابرة لحدود الولايات وداخل المباني الفيدرالية الحكومية، ويهدف لاعادة افتتاح أغلب المدارس خلال المئة يوم الاولى، وتجهيز مئة مليون جرعة لقاح خلال الفترة ذاتها. ومن أهم التحديات المواجهة سيكون كسب المتخوفين من سلامة اللقاح وأصحاب نظريات المؤامرة العازمين على زرع عدم الثقة فيه. في الواقع قد يتبين أن جائحة المعلومات المضللة في أميركا أكثر عدوى وعنادا من فيروس كورونا؛ إذا استمر رئيس سابق معين في التغريد من الخطوط الجانبية، وإذا استمرت وسائل الإعلام اليمينية في تضخيم حديثه. ضمن هذا السيناريو فإن ما بدأ على أنه “حقائق بديلة” عند بدء رئاسة ترامب قد يتطور الى “وقائع بديلة” في عهد بايدن؛ مما يغذي الحزبية المفرطة في واشنطن ويجعل البلاد غير قابلة للحكم تقريبًا.
 
أوروبا: 
المشي بحذر
بعد توقيع اتفاقية بريكست وفق استحسان الاتحاد الأوروبي وانطلاق موجة تلقيحات كوفيد-  19 ووصول رئيس أميركي أكثر ودية (ويمكن التنبؤ به) الى البيت الأبيض؛ يجب أن تكون سنة 2021 أكثر سهولة لأوروبا، لكن يبدو أن متاعبها الداخلية، اضافة لاستمرار التغيرات الجيوسياسة الدولية التي سبقت أزمات سنة 2020، ستجعل السنة الحالية أيضا صعبة ومحيرة للتعامل معا. 
ما زال الشقاق بين عدد من دول أوروبا الغربية وحكومات بولندا وهنغاريا مستمرا بالاتساع؛ بعد خلاف السنة الماضية إثر محاولة بروكسل (الاتحاد الأوروبي) ربط ميزانية الاتحاد باحترام سيادة القانون؛ كاشفا عن اختلافات ثقافية عميقة حول قضايا أوروبية جوهرية مثل الهجرة وقيم الليبرالية. في هذه الأثناء تخاطر ألمانيا مع فرنسا (وهما أركان القوة الاقتصادية والسياسية الأوروبية) بالانشغال برحيل “أنجيلا ميركل” عن مسرح السياسة واختيار خلف لها بمنصب المستشارية؛ لا سيما بوجود انتخابات شهر أيلول المقبل واحتمال مرور أشهر من محادثات التحالف بعد ذلك. تواجه هولندا؛ وهي لاعب أوروبي متزايد التأثير (خاصة بعد رحيل بريطانيا) ايضا هذه السنة انتخابات برلمانية. وفي كلا البلدين يمكن أن يلعب اليمين المتطرف الأوروبي المتشكك (الذي كان مهمشا بشكل فعال خلال سنة 2020 بفعل الجائحة) دورا مؤثرا، بينما تحتل الأزمة الاقتصادية محل الأزمة الصحية. لا يبدو محتملا وصول احزاب اليمين الالمانية الى الحكومة؛ لكن بامكانها التأثير على سياسات المنافسين الأكثر اعتدالا الساعين للفوز بأصوات أقصى اليمين؛ وبالتالي يحتمل أن تؤثر في ديناميكيات مستقبل الاتحاد الأوروبي.
أما الجاران الصعبان: روسيا وتركيا، فلا يبدو أن العلاقة معهما تسير نحو السهولة؛ إذ لا يبدو “فلاديمير بوتين” ولا “رجب طيب اردوغان” متطلعين لتخفيف موقفهما المناهض للاتحاد الأوروبي. ولأن زيادة تداخل السياسة الخارجية الأوروبية (رغم الكلام الكثير عن “الاستقلالية الأوروبية الستراتيجية”) ما زالت أمرا بعيدا؛ فإن التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين سيجبر أوروبا على السير في طريق دقيق بين المبدأ والمصلحة الذاتية.اضافة لذلك هناك الحاجة (في مرحلة ما بعد الجائحة) لاتخاذ خطوات لا تحظى بالشعبية لمواجهة أزمة المناخ، وانتهاج مسار متنازع عليه نحو سياسة أوروبية مشتركة للدفاع والأمن؛ وتوتر متصاعد عبر الأطلسي بشأن خطط الاتحاد الأوروبي للحد من تجاوزات عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة، ولكل تلك الاسباب لا تبدو سنة 2021 بالنسبة لأوروبا أكثر سهولة من سابقتها.
 
الصين: العودة الى اللعبة
بدأت الصين سنة 2021 بانتعاش اجتماعي واقتصادي من تفشي الفيروس، ولكن بعلاقات دولية أكثر سوءًا الى حد مريع، ومجتمع دولي أقل ترددا للعمل ضدها، بدأت السنة الماضية بداية سيئة، بمحاولات الصين التغطية على انتشار وباء كورونا؛ مما أساء لسمعتها بما لا يمكن اصلاحه ببناء جسور من الكمامات واللقاحات. وتخطط منظمة الصحة العالمية لارسال فريق تقصي صحي الى مدينة ووهان للبحث في أصل الوباء. تشير الدلائل المتزايدة على إن الحكومة ستستمر بالتحركات الاستبدادية ضد الأقليات العرقية في شينجيانغ والتبت، وبالأنشطة التوسعية في المناطق الحدودية.
من المتوقع مغادرة أعداد كبيرة من الناس لهونغ كونغ لاعادة الاستقرار أو اللجوء في بريطانيا أو أوروبا أو استراليا أو تايوان المجاورة (التي فر اليها كثيرون بالفعل، وتعرض من ألقي القبض عليهم للمحاكمة). سيرقب الجيران الاقليميون استمرار التعزيزات العسكرية والتهديد للجزر المتنازع عليها في تايوان وبحر الصين الجنوبي. لم يتم حل النزاعات الدبلوماسية والتجارية مع أستراليا وبريطانيا وكندا واميركا. 
وعد بايدن بأن يبقى حازما اتجاه الصين؛ وإن كان ذلك بعيدا عن دبلوماسية ترامب العدائية التي لا يمكن التنبؤ بها. 
ولكن لا يوجد مبرر لتراجع الصين (عن مواقفها)؛ حتى في مواجهة العقوبات والازدراء الدولي. داخليا- لدى الصين أهداف تقليل الانبعاثات للعمل عليها، وستنظم جدولها لتبني خطتها الخمسية الرابعة عشرة في الربيع المقبل. ستتواصل حالات تشكيل الثقافة؛ وبضمنها تصفية الحساب مع حركة “# أنا ايضا-#MeToo”  وكبح جماح شركة “علي بابا” التي تجرأ مالكها “جاك ما-Jack Ma” على امتلاك النفوذ خارج نظام الحزب. 
 
اسرائيل: انقاذ “الملك بيبي”
تتجه اسرائيل لتنظيم رابع انتخاباتها خلال عامين، بينما تنطلق الازمة السياسية الممتدة الى سنة 2021. فرغم المحاولات المتكررة فشل البرلمانيون بتشكيل حكومات مستقرة؛ غالبا بسبب كراهية وتفخيم وعدم الثقة برجل واحد: بنجامين نتنياهو. 
فرئيس الوزراء ذو الواحد وسبعين سنة، الذي هيمن على السياسة الاسرائيلية منذ أواسط التسعينات، نجح مرارا في منع خصومه من احتلال موقعه. والآن، بعدما طُمِست المعارضة التقليدية الى حد كبير؛ يواجه نتنياهو ما يمكن أن يكون تهديدا أكثر خطورة من مجموعة حلفاء سابقين، يشاطرونه عموما ايديولوجيته القومية اليمينية. فهناك “نفتالي بينيت”؛ قائد سابق من أقصى اليمين ضمن حركة الاستيطان الاسرائيلي، عمل مع حكومات رأسها نتنياهو، ويقود اليوم حزب “يمينا” بهدف ان يكون رئيس الوزراء المقبل. 
كما انفصل تلميذ نتنياهو السابق “جدعون سار” ليؤسس “حزب الامل الجديد”. أما “أفيدور ليبرمان” الذي كان مساعد نتنياهو واكتسب شهرة سلبية بسبب آرائه المعارضة للعرب، فيسعى ايضا إلى خلع الزعيم الإسرائيلي الملقب محليا بـــ”الملك بيبي”.
على ما يبدو مؤكدا وبشكل متزايد فإن من سيقود حكومة اسرائيل المقبلة سوف يستمر بتبني موقف متشدد بشأن استمرار الاحتلال، وبينما تعرض ادارة أميركية جديدة احتمال تجديد المفاوضات؛ لا يتوقع الا القلة تغييرا ذا مغزى في الوضع الحالي،  تُظهر استطلاعات الرأي أن حزب ليكود لنتنياهو لا يزال بإمكانه الظهور كأكبر فصيل في البرلمان، وفي بلد سكانه تسعة ملايين تخطو سلطاته سريعا نحو حملة التلقيح؛ يأمل رئيس الوزراء (بحلول موعد الانتخابات في آذار المقبل) بأن يبدو كمنقذ الأمة. لكن سمعته قد تتلقى صفعة اخرى بحلول شباط القادم حينما يدلي الشهود باقوالهم عند محاكمته بتهمة الفساد. وبينما ينكر نتنياهو الاتهامات؛ فانه يواجه ثلاث قضايا منفصلة تشمل الرشوة والاحتيال.
 
روسيا: تجميد المعارضة
ستجلب سنة 2021 مواجهة بين فلاديمير بوتين وزعيم المعارضة “ألكسي نافالني”؛ إذ سعت الحكومة لابقائه خارج روسيا بتهديده بسنوات من السجن إذا ما عاد الى روسيا. وقد عاد فعلا بعد أن أمضى فترة في أوروبا منذ آب الماضي، إذ كان يتعافى من عملية تسميمه على يد قوات الأمن الروسية “FSB” وقد اعتقلته تلك القوات حال وصوله البلاد. ومن المرجح أن يحرص بوتين على معاقبة نافالني لكشفه المحرج عن فرق العمليات الروسية “هيئة الأمن الفدرالية الروسية- FSB”؛ ومن ضمنها تأكيدات مسجلة قدمها نافالني ذاته. أواخر السنة الماضية اتهمت لجنة التحقيق الروسية نافالني بالخداع، فحصرته بين خيارين، أحدهما البقاء في المنفى والآخر العودة لمواجهة حكم بالسجن، فاختار الثاني. عاثت تأثيرات التغيرات المناخية العالمية فسادا بمناطق سيبريا والقطب الشمالي الروسية خلال السنة الماضية؛ إذ أدت درجات الحرارة المرتفعة الى حرائق الغابات وفساد المحاصيل وحتى حدوث أكبر بقعة تسرب للديزل في تاريخ القطب الشمالي. ترتفع درجات الحرارة في تلك المناطق بوتيرة اسرع من باقي مناطق الأرض، واحتمال الكارثة بات واضحا. خلال الصيف الماضي سُجلت درجات حرارة 38 مئوية بمنطقة فيرخويانسك؛ وهي الاعلى اطلاقا في المنطقة القطبية. لم يعاود ثلج البحر تشكله حتى اواخر السنة الماضي في بحر لابتيف، حيث يعتقد العلماء أن انطلاق تراكمات الميثان المتجمد قد تعجل من عملية الاحترار. وخلال السنة ذاتها سجلت حركة السفن عبر مسار البحر الشمالي (التي تختصر اسابيع من الزمن من شمال اوروبا الى آسيا) ارقاما قياسية بسبب غياب الثلج. لم يعد تأثير تغيرات المناخ في هذه المنطقة الحساسة بعيدا؛ بل أصبح مشكلة عاجلة بالنسبة لموسكو وللشعب الروسي عموما. 
 
• صحيفة الاوبزيرفر البريطانية