مراجعة الطبيب النفسي..خطوة شجاعة في مجتمع خجول

ريبورتاج 2021/01/26
...

 عواطف مدلول
 
بعد معاناة لمدة أشهر مع مرض ظهر لها في الجهاز الهضمي، تلقت سناء على اثره علاجات كثيرة، و لم تتردد لحظة في التفكير بزيارة طبيب نفسي، لأنها لم تعد تشعر كالسابق، اذ اختفت بعض ملامح شخصيتها المعروفة بالبهجة والايجابية، لتحل محلها انسانة اخرى مشتتة تحمل مشاعر الخوف والقلق الدائم من المستقبل، وغلبت عليها علامات الضجر، اذ لا امل ولا تخطيط ولا رؤية واضحة للمستقبل.


حينما اخبرت سناء المقربين لها برغبتها تلك اختلفت آراؤهم بين القبول والرفض، فالبعض يخشى عليها من ادمان الادوية النفسية، والبعض الاخر يتمنى أن تجد من يساعدها للخروج من تلك الحالة التي جعلتها تبدو صامتة حزينة، وهناك من نصحها من زملائها (المثقفين) بألا تتفوه بذلك الموضوع، لان مجتمعنا ينتقد كل من يرتاد عيادة الطبيب النفسي.
 
سن اليأس
 بحثت وسـألت كثيرا عن اسماء وعناوين لاطباء ومتخصصين معروفين ومجربين بقدرتهم وكفاءتهم، في ايجاد حلول لمرضاهم وايصالهم الى بر الامان، واستمعت الى قصص مختلفة عن اناس خاضوا تجربة مراجعة معالج نفسي، واغلبهم وجدتهم قد تشافوا تماما وانتقلوا الى مراحل من التغيير، اذ عادت حياتهم كالسابق، والبعض طلب منها بأن تترك طريق الاطباء وتعالج نفسها بنفسها، فهي التي تميزت بقوة وصلابة شخصيتها، وبالتأكيد ستنتصر على كل أمراضها النفسية والجسدية.
تعلم سناء ان المرض الجسدي هو السبب الوحيد لما تمر به حاليا من انتكاسة نفسية، وبالمقابل فان التراكمات التي غالبا ما تبقى حبيسة بداخلها جراء هموم ومشكلات حياتها هي التي خلفت وراءها تلك الامراض الجسدية، كما ان عمرها الذي بدأ يقترب من سن اليأس وما يحصل خلاله من اضطرابات هرمونية طبيعية لعبت دورا في تكثيف الاحساس لديها بالاكتئاب والملل.
 
هروب من الواقع
مع ذلك جمعت سناء كل قواها وقررت أن تذهب لمتخصص بالأمراض النفسية، فاتصلت باحدهم وحددت موعداً لها، وفي اليوم الاخر بعد أن اكملت دوامها غادرت الى عيادة الطبيب، معتقدة بانها ستكون الوحيدة فيها لكنها تفاجأت بانها مليئة بالمرضى من الرجال والنساء والشباب وكبار السن، مثل اي عيادة اخرى لطبيب في اختصاص اخر، كانت تتصور انها ستتمكن من اقناع الطبيب بتلقي العلاج على شكل تقديم بعض الارشادات من دون أن يصف لها العقاقير، شرحت وضعها له وما مرت به على مدى اشهر، واستنتج بان الهرمون المسؤول عن السعادة (السيروتين)  قد نفد خلال رحلة علاجها وما عانت فيها من آلام تسببت بذلك، ولا حل امامها غير الادوية، طالباً منها أن تزوره بعد عشرين يوماً ووعدها خيراً.
 
دعم معنوي
لم تقلق كثيرا، لان لديها اصراراً شديداً على الشفاء بأي طريقة، رغم ان  صديقة حكت لها بانها سبق وأن راجعت طبيبا نفسيا في مرحلة من حياتها ببداية زواجها عندما واجهت مشكلات مع شريكها، وقد جعلها العلاج تدمن النوم وتغرق فيه، فكان بمثابة هروب من الواقع.
بالوقت نفسه تتذكر سناء ما قاله لها احد الاقارب بشأن زوجته التي كانت تعاني من أزمة نفسية على اثر فقدان احد ابنائها قبل سنوات، اذ بقيت تتلقى علاجات شتى وراجعت عدة اطباء وطرقت كل الابواب، لكن حالتها استقرت عند هذا الطبيب، فتشافت وتركت الدواء نهائيا.
أدوية وعقاقير
وتؤكد المختصة بعلم النفس هبة حسين أن هناك خلطاً بين الطبيب النفسي والمعالج النفسي، فكثيراً ما نسمع عن علم النفس وعن الطب النفسي ولكننا نجهل الفرق بينهما، وقد يتداخل على الكثيرين هذان الفرعان، وعلى الرغم من أن كلاً من الطبيب النفسي والمرشد النفسي له دور كبير في مساعدة الأشخاص بأن يعيشوا بشكل أفضل، لكن الفرق شاسع بينهما.
وتضيف: "أود توضيح الفرق بين الطبيب والمعالج النفسيين، ولعل هناك معلومات ربما غابت عن الكثيرين، فالطبيب النفسي هو طبيب متخرج من كلية الطب ومتخصص في الطب النفسي، وغالباً ما يعتمد الطبيب النفسي في تشخيصه على الأعراض القائمة أمامه وإهتمامه بالتأريخ المرضي قليل جداً، والعلاج الأساس لديه هو الأدوية والعقاقير النفسية للسيطرة على الأعراض دون الكشف عن أسباب المرض النفسي الأساسية بلا تدخل منه في علاجها، فبمجرد أن يمتنع المريض عن الدواء المصروف له ينتكس و يعود لحالته السابقة، كما أن الطبيب النفسي هو الوحيد الذي يحق له صرف الأدوية من بين أفراد الفريق المعالج لما عنده من خلفية طبية، ويقوم الطبيب النفسي أيضاً بعلاج ما يعترض مراجعيه من أمراض أخرى، إن لم يقتض الحالة تحويلها إلى طبيب مختص.
 
مراحل العمر
 كما تشير حسين الى ان المعالج أو المرشد النفسي هو ذلك الشخص الذي تخرج من قسم علم النفس بإحدى الكليات النظرية كالتربية أو الآداب، اذ درس فيها وتلقى تدريبه لمدة أربع سنوات، ليحصل بعدها على بكالوريوس الآداب بقسم علم النفس أو التربية بقسم العلوم النفسية والتربوية، وهو يعتمد في تشخيصه على الأعراض القائمة أمامه وعلى المقاييس النفسية والاختبارات وعلى تتبع مراحل العمر المختلفة للمريض لمعرفة الأسباب الأساسية للمرض، وعلى عمل خطة علاجية على هذا الأساس دون تدخل للأدوية الكيميائية، ويتابع المختص مع المريض حتى زوال المرض وتأكده من استعادة المريض لصحته والاعتماد على نفسه.
 
ثقافة "العيب"
وبشأن عزوف المرضى عن مراجعة الطبيب النفسي توضح هبة حسين: يعتقد الكثير بأن مجرد دخول عيادة الطب النفسي يسبب حرجا وجرحا لثقة المجتمع بهم بسبب ثقافة العيب السائدة في مجتمعاتنا العربية، والتي أدت إلى العزوف عن مراجعة الطبيب النفسي ومراجعة المشعوذين كبديل عنه، إلى جانب الاعتقاد السائد بأن الأدوية النفسية هي أدوية مخدرة وليس لها أي دور علاجي، ناهيك عن تكاليف المراجعة المتكررة للطبيب النفسي.
كذلك من أسباب العزوف عن المراجعة للطبيب النفسي، هي قلة الوعي المجتمعي والجهل الثقافي لدراسة علم النفس وعرضه للمجتمع بطريقة ساخرة، فمن المفترض عرضه بطريقة تثقيفية وتوعوية .