· كي تكون الدولة دولة، عليها: نيل شرعية الحكم، وتكوين نواة صلبة للحكم، والاحتكار المطلق للقوة، وإلزام رعاياها بالنظام. وجميع وظائف الدولة هي رهن بلورة ورسوخ هذه المبادئ تشكيلاً وبقاءً،.. فكل شرعية حكم خارج إطار الشرعية المستمدة من الشعب هي شرعية زائفة، وكل حكم لا يُنتج نواة صلبة فهو مهدد بالسقوط، والشرعية والحكم دونما قوة فارضة لهيبتهما وطاعتهما فلا قيمة لهما، فالقوة هي الرافعة للحكم والمطبقة للشرعية والحافظة للنظام من الفوضى والتمرد.
· الدولة كيان يقوم على الغَلبة ويتأسس ويبقى بالقوة، وأمثل مصاديق القوة هي الشرعية ونفوذ القانون وسيادة المؤسسات والتفرد بالعنف الشرعي لضمان الإلزام والالتزام والمسؤولية تجاه الدولة،.. فالدولة ضرورة بقاء دونها شرعة الغاب وفوضى السياقات، ولا عدالة ولا حقوق ولا واجبات ولا أمن ولا سلام ولا رخاء دونما دولة. ولكي تكون الدولة حاكمة، عليها أن تكون قوة هيمنة بالعدل وأجهزة إرغام بالقانون لضمان تأدية وظائفها وخدماتها لمواطنيها وذات سيادة داخلياً وفي تعاطيها الدولي.
· النواة الصلبة للحكم بالأنظمة الديمقراطية هي المؤسسات القانونية الراسخة، وبالأنظمة الشمولية أو الدكتاتورية أو الوراثية هو الحزب أو الطائفة أو العائلة أو النخبة أو شخص الدكتاتور العسكري أو المدني، وفي الأنظمة التوافقية هي قوى النخبة الحزبية الممثّلة لمجتمعيات الدولة. وأياً كان النظام السياسي للدولة فإنَّ النواة الصلبة للحكم هي عماد الدولة ومركز بقائها، ومتى ما فشل النظام السياسي بتكوينها فسينهار. من هنا وجب أن تكون النواة الصلبة موحدة الرؤية والإرادة والسياسة تجاه الدولة ونظامها ووجودها بغض النظر عن الخلافات المتصلة بإدارة الحكم. وكلما كانت النواة الصلبة متراصة وحيوية وفعّالة كلما قوى الحكم واستوطن. وتشتد الحاجة إلى يقظة وفاعلية وقوة النواة الصلبة للحكم بمراحل التأسيس للدول ومراحل الأزمات والانهيارات، وعليها هنا استخدام القوة العادلة بأقسى تعابيرها لضمان فرض النظام وإعادة المجتمع والمؤسسات إلى سكة الدولة.
· خرجت الدولة العراقية في 2003م من أعتى نواة صلبة للحكم أنشأها البعث/ صدام، نواة صلبة استندت الى مزيج متراص من: القومية/ الطائفة/ الحزب/ العائلة/ الشخص، فأنتجت نواة حكم صلبة شديدة التمركز بالرؤية والارادة والسياسة، امتازت: بالدكتاتورية المفرطة، الشمولية الآيديولوجية الكاملة، الرعوية السياسية الاقتصادية الثقافية المطلقة، الإدارة على أساس من الأزمات والحروب والمغامرات والدعاية والتعبئة الدائمة، التوحش بالرعب كمنظومة إلى جانب سياسة التطميع. وما إن انهارت نواة البعث/صدام حتى انهارت الدولة برمتها كبنية، وعادت لمكوناتها الأولية تبحث عن تكوين.
· بعد 2003م لم تنجح العملية السياسية بتكوين نواة صلبة للحكم، وهنا مكن عجز واستلاب الدولة الجديدة، بسبب تعدد إرادات وتضارب مصالح قوى التأسيس، وبسبب بنية النظام المكوّناتي المعتمَد الذي يحول تشظيه دون تكوين نواة صلبة للحكم، وبسبب التدخل والاستلاب الخارجي،.. إنَّ جميع مظاهر الخلل بالدولة من فوضويتها وتغوّل المجتمع والجماعات عليها، واجتياحها بالعنف والإرهاب والفساد، ناجم عن الافتقار إلى نواة حكم صلبة متراصة وضاربة وموحدة الرؤية والإرادة والسياسة تجاه الدولة كدولة. وما لم تتشكل نواة صلبة للحكم تمارس سلطاتها بالضبط والإلزام والهيمنة على الجميع وعلى أساس من القوة الشرعية العادلة، فلا يمكن للدولة أن تستعيد كيانها وسطوتها وسيادتها داخلياً وخارجيا.