انتهت أطول أزمة خليجيَّة داخليَّة بالصُلح، وهو ما أثار من جديد السؤال عن الطريقة التي سيتمكّن العراق عبرها من إقامة علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الإقليميَّة، من دون أنْ تؤثر هذه العلاقات في بعضها البعض، وتجنبه بذات الوقت ويلات الصراعات ويجنّب استقراره الداخلي شررها.
كانت الأزمة الخليجيَّة بين قطر والسعودية بشكل رئيس، وهي أزمة طويلة نسبيًا، من بين الأحداث الإقليمية المهمة التي دفعت العراق الى أنْ يعيد النظر في خارطة علاقاته الخارجيَّة بعيدًا عن عُقدة الطائفة وسياسات الحزب الواحد.
والأزمة نفسها أسهمت في تغيير بعض التصوّرات الخليجيَّة التي رافقت التغيير الحاصل بالعراق عام 2003، بمعنى أدق أنَّ "القطيعة الخليجية" أفرزت نوعًا من الود تجاه العراق فرضه شعور كل الأطراف بالحاجة لحلفاءٍ جددٍ في معركة تكسير العظام التي استعرت. يحدث هذا قبل أنْ تجد تلك الأطراف نفسها مضطرة الى الصلح والوئام من جديد.
إنَّ الحاجة للتواصل مع العراق خلال الأزمة، هي التي دفعت بعض المسؤولين العراقيين الى التوقع بأنَّ "قمّة العُلا" ستنعكس سلبًا على علاقة الأطراف المتصالحة مع العراق. لكنّه توقعٌ يغفل حقيقة أنَّ العراق لم يصطف (طيلة سنوات الأزمة الثلاث) مع أي طرف بالضد من الآخر. وهي قاعدة مهمة لتجاوز اختبار النوايا في بناء العلاقات مع الآخر. كما أنَّ هناك حقيقة أخرى خلاصتها أنَّ العلاقة بين الأطراف الخليجية الرئيسة أصبحت محكومة بمجموعة عوامل منها التنافس الاقتصادي والسعي الدائم الى دور البطولة في الملفات الإقليميَّة الشائكة، وهذه أمورٌ تكفي لوحدها أنْ يستمر شعور هذه الأطراف بالحاجة الى بلدٍ مهمٍ مثل العراق. وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار"الصُلح"عودة للوراء. بل إنَّ كل التطوّرات في المنطقة تبدو وكأنها ستساعد العراق على إعادة رسم وضعه الدولي وفق صيغة "الفصل بين العلاقات".
ولعلَّ احتفاظ قطر بعلاقة متوازنة بين إيران والسعودية (إيران لم تكتف بالترحيب بل دافعت عن موقف قطر عشيّة قمة العُلا) هو مثالٌ حيٌّ لهذه الفرصة. الأمر نفسه ينطبق على استعادة العلاقات مؤخرًا بين الإمارات وسوريا. سوريا التي تحتفظ بعلاقة عميقة مع إيران!.