موسوعة ويكيبيديا.. بين الدقة والمصداقيّة والانحياز

بانوراما 2021/02/03
...

أليكس هيرن
ترجمة وإعداد: ليندا أدور
توقع رافضو فكرة إنشائها بأن الموسوعة التي يكتبها مستخدموها لن تنجح على الإطلاق، واليوم تفتخر باحتوائها على أكثر من 55 مليون مقال وأكثر من  مليار و700 مليون زائر شهريا، انها موسوعة ويكيبيديا، التي احتفلت مؤخرا بمرور عشرين عاما على إطلاقها كمشروع جانبي لموسوعة نيوبيديا برعاية شركة تقنيات ناشئة، كان هدفها هو إنشاء موسوعة مجانية على شبكة الانترنت، لكن بطء وتيرة العمل واجراءات التحرير الصارمة ومراجعة الأقران الشاملة والتركيز على مؤلفين ذوي خبرة، أدى الى انهائها لعامها الأول بـ 21 مقالا فقط. 
ومع ذلك فإن المشروع الجانبي هذا، جاء ليستغني عن كل تلك التعقيدات، فبدلا من ذلك، أصبح بإمكان أي شخص أن يكتب أو يحرر المقالات، فانقسم مؤسسو «نيوبيديا» حول ما اذا كانت عملية المبادلة- محتوى أكثر مع معوقات دخول أقل- تستحق العناء، لكن بنهاية عامه الأول، كان المشروع الجانبي قد نجح في جمع أكثر من 18 ألف مقال، وبحلول موعد إغلاق موقع نيوبيديا في العام 2003 كان في جعبته 25 مقالا
 فقط.
 
افتقار المتاجرة
 اليوم، يمتلك المشروع الجانبي أكثر من 55 مليون مقال، مستخدما 300 لغة ويحتل المرتبة الثالثة عشرة بين المواقع الأكثر شعبية على الشبكة، وفقا لموقع أليكسا، موقع المراقبة التابع لأمازون، الى جانب كونه من بين أفضل 50 موقعا يدار كليا على أساس غير تجاري. كان النموذج التأسيسي للموسوعة عرضة للانتقاد منذ اليوم الأول، فبغياب كتاب خبراء ومحررين مهنيين، تساءل الكثيرون كيف يمكن ضمان الدقة فيه؟ يشير جيمي ويلز، المؤسس المشارك للموسوعة الى عاملين هما السبب في إحداث هذا الفرق بقوله: «الأول هو أن الجميع يعرف ما هي الموسوعة،  والثاني هو ان الموسوعة لم ينظر لها مطلقا على انها منبر مفتوح لحرية التعبير، بل هي مشروع لبناء موسوعة، لذا كنا نحاول تجنب الحروب المستعرة على مواقع التواصل الاجتماعي».
ولماذا نجح هذا الموقع في بناء مجتمع إيجابي عبر الانترنت في حين فشل آخرون؟ تقول أبيجيل برادي، محررة لفترة طويلة في الموقع: «أعتقد أن سر نجاحها على المدى الطويل هو افتقارها للمتاجرة، فقد إتخذ جيمي ويلز قرارا بأن تكون ويكيبيديا غير ربحية منذ البداية والتزم بذلك»، مضيفة «لا وجود للإعلانات فيها، فهو مشروع تعاوني حقيقي».
لا يزال هذا المشروع التعاوني يواجه الكثير من المعوقات ليتجاوزها، بدءا من أزمة التمويل، التي حُلَّت جزئيا من خلال نموذج الايراد المدفوع عن طريق التبرعات، الى دوره غير المرغوب به كميدان  صامت لحملات مؤثرة تدار بمهنية بهدف إعادة تأهيل السمعة، الى جانب مواجهته لذات الضغوط التي تواجه مصادر المراجع التقليدية. 
 
تحيزات ممنهجة
يعد التمييز مشكلة للكثير من المواقع التي يديرها مستخدموها كموقع ويكيبيديا، من خلال أكثر من 33 مليون محرر متطوع، يمكن لمحتوى الموسوعة أن يتغير ما يجعلها مصدرا رئيسيا للأحداث الجارية والثقافة الشعبية والرياضية وغيرها من الموضوعات، لكن الاعتماد على متطوعين يمكن أن يؤدي الى حدوث تحيزات ممنهجة، سواء في إنشاء  المحتوى أو تحسينه، تشير دراسة اجريت في العام 2013، بأن النساء يشكلن نسبة أكثر من 16 بالمئة من مجمل قاعدة محرري ويكيبيديا، اذ يعتقد ويلز، ان هذا الرقم لم يتغير منذ ذلك الحين، ففي حال لم تسهم النساء بالتحرير بنفس نسبة الرجال، ستتعرض الموضوعات التي تهم المرأة الى خطر تلقيها تغطية أقل بشكل غير متناسب. 
وقد كشفت إحدى الدراسات عن أن تغطية الويكيبيديا عن النساء كانت أكثر  شمولية من موسوعة بريتانيكا عبر الانترنت، اذ تشكل المدخلات عن النساء أقل من 30 بالمئة من تغطية السير الذاتية، غالبا ما ترتبط المدخلات عن النساء بمدخلات عن الرجال وليس العكس، من المحتمل أن يتضمن معلومات عن العلاقات العاطفية والأدوار العائلية. علاوة على ذلك، تنص سياسات ويكيبيديا أن يكون المحتوى منسوبا الى مصادر موثوقة منشورة، لطالما كان، تمثيل النساء في الأدب المنشور، على مدى التأريخ، أقل من الرجال، فقد يكون من الصعب العثور على مصادر موثوقة عن
 النساء. 
لكن بعد مرور 20 عاما، من الصعب إنكار أن ويكيبيديا قد أثبتت لرافضيها بأنهم على خطأ، فسواء كانت هي النزع الأخير لرؤية عن الانترنت كانت تمتلك كل شيء وخبت، أو هي منارة تشرق لتنير الطريق لمستقبل أفضل، يتبقى لنا أن نرى.