عصر رقمي فيروسي ينذر بالكوارث الأدبيَّة

منصة 2021/02/07
...

ضحى عبدالرؤوف المل
 
يشق الأدب العربي حاليا طريقه بصعوبة تكاد تصل إلى لفظ الأنفاس، حيث بدا العصر الرقمي هذا مقرونا بفيروس غزا العالم،  وتسبب بالتلاشي المقرون بسقوط الكثير من الصحف والمجلات الورقية، اضافة الى الكتاب الورقي والغلاء الذي اصابه بالتراجع، ومن ثمّ تقوقع الكاتب، الذي يسعى إلى التطور الأدبي روحيا، بعيداً عن فن الكتابة الذي يتقهقر، وبغض النظر عن تحديد فائدته المعرفية  التي استثمرها من قراءات تشكّلت عبر سنين كان العلم فيها يسير ببطء للغاية، والتنافس ما بين العلم والأدب انحصر بين خطين متوازيين، وضمن السياق الاقتصادي والاجتماعي، قبل تراجعهما في عصر رقمي فيروسي، ينذر بالكوارث الأدبية في ظل صدى الأزمات المالية، التي أصابت المؤسسات الثقافية، فانحسر النتاج الأدبي حاليا في دراسات النقد الأدبي بكثرة، ليكافح وجوديا بشراسة للبقاء أمام موجات التقدم التقني والعلمي، فالعلم يسبق الأدب لأنه يتقدم بسرعة هائلة، ويؤسس ثقافته واخلاقياته المنزوعة الادب او الأحرى المقترن بأدبه الخاص المتفلت من الثوابت، التي نشأنا عليها، كجيل سعى إلى المعرفة الأدبية.
فالانترنت خلق جيلا من الناس المسطحين والفاسدين بغض النظر عن الجيل، الذي يعتمد على الأنمي او الرسومات المتحركة والمترجمة بلغة عربية ذات قواعد معروفة، تساعد في الابتعاد عن الأدب المقروء، فالثقافات العامة والصناعات وشبكات التواصل الاجتماعي مع وسائل الاتصالات المختلفة، غيّرت من أخلاقيات الانسانية، فالعلوم التقنية سبقت الأدب واستحوذت على عقلية الإنسان وحولته إلى آلة صماء، لا يمكنها إلا تفكيك الأدب، بل ونبذه اوحصره ضمن فئة ما زالت تسعى لاثبات وجودها بصعوبة كبيرة، اضافة الى الضائقة النفسية والصحية، التي غيّرت الكثير من الأشياء او من الثوابت السابقة، فهل يمكن عودة الرومانسية في العصر الرقمي الفيروسي هذا؟ وهل يساعد الأدب على الانتشال الروحي من أزمات الإنسان التي تتراكم في هذا العصر؟ أم أن فقدان الرومانسية في الادب الحالي هو من الأسباب التي أدت الى  التوحش والى التوحد، بمعنى تحويل الأدب الى ارشيف انساني بعيداً عن كونه حضارة بحد ذاته، فهل سبب ذلك المجتمع التقني؟ أم تقدم البشرية المذهل خلال السنوات الأخيرة؟.
إنَّ العصر الرقمي الفيروسي يأكل كل شيء من وجودنا، فالخليوي في متناول الجميع من الأصغر سنا إلى الأكبر، ويتدخل في تفاصيل حياتنا اليومية، بل في التفاصيل الأكثر حساسية كالبيع والشراء والتعليم والاتصالات المرئية، وتحديد المقبول وغير المقبول، وتخطي الكثير من الخطوط الحمر في التوجه نحو منصات متعددة مقبولة وغير مقبولة اجتماعيا، وهذا ما نوافق عليه من خلال استعمالنا له بغض النظرعن ايجابياته، بل وحتى اعتمادنا عليه في المراجع العلمية والادبية وغيرها، فإن رفضناه لن نصل إلى نتيجة مطلقا، لأننا حينها سنعيش في انعزال وانحسار منغلقين على أنفسنا، وإن قبلناه علينا مواجهة هذا التسارع التقني، الذي يصيب الأدب بمقتل، وربما بجعله أدبا ذاتيا يتناقله الأدباء، في ما بينهم فقط ، فهل الكوارث الأدبية جعلتنا في تساؤلات لا تنتهي، ومفتوحة على انعدام للرؤية او ضبابية الحلول للحد من أزمة ادبية قاتلة؟
تبدو إشكالية هذه الأزمة تعاود الظهور في ظل التسابق الاقتصادي او الانهيارات الاقتصادية المتلاحقة، وتتسبب بالقلق باعتبارها أزمة أدب، بعيداً عن التعتيم العلمي أو الابتعاد عن التقنيات العلمية، وجمود الحضارات الحالية، التي تتسابق اقتصاديا بناء على النزعة الاستهلاكية العالمية، والتي تصيب المرافق الأدبية بنوبات تؤدي إلى وضعها تحت الإنعاش، في ظل غياب الرومانسية او الحداثة في الأدب، بسبب الخوف المتزايد من التقهقر الاقتصادي،  والبعد عن الإنتاج الأدبي تحديداً، بسبب انصراف الكاتب او الاديب تحديدا إلى تأمين لقمة العيش، او في محاولات للدخول في علم التقنيات العلمية، التي بات يحتاجها لإدراك جوهر وجوده، بل وتحرير نفسه من قيود هياكل العمل التقني، فهل من رؤية أدبية جديدة للعالم، تعيده الى خارطة العصر الفيروسي وتحدياته
الوجودية؟.