مئوية أشهر خدعة سحرية

بانوراما 2021/02/08
...

مارك براون
ترجمة: مي اسماعيل
قبل مئة عام، قدم ساحر بريطاني يدعى “بيرسي توماس تيبلز” فقرة  قطع فيها بالمنشار صندوقا خشبيا مغلقا الى نصفين، مع وجود امرأة مستلقية داخله، اثارت الخدعة دهشة كبيرة وأصبحت منذ ذلك الحين من أشهر الحيل السحرية، وجرت تأديتها بمختلف أنواع الادوات (ونتجت عنها كميات متنوعة من الدماء!)؛ وتضمنت دائما قطع شخص الى نصفين وإعادته سليما.. بمعجزة ما !.
 
يقول “نويل بريتن” رئيس جمعية “الحلقة السحرية-the Magic Circle»  إن هذه الخدعة باتت ايقونة في عالم السحر بقدر ما كانت حيلة اخراج الأرنب من القبعة، بات لهذه الخدعة تراثٌ “غني ومدهش”؛ رغم أن أسباب شعبيتها شبه الفورية عام 1921 قد لا تكون نبيلة، ففي ذلك الحين كانت حملة المطالبة بمنح حق التصويت للنساء موضوع الساعة، كما استطرد “بريتن” قائلا: “هل يمكن القول إنه مقابل كل شخص يدعو لاعطاء النساء حق التصويت، كان هناك آخرون يعتقدون أن من الجيد وضع امرأة في صندوق وقطعها الى نصفين بالمنشار؟” مخترع هذه الخدعة هو “تيبلز”؛ الذي عمل باسم مستعار هو “بي تي سيلبيت”، وقدمها لأول مرة على مسرح “امباير فنسبيري بارك” شمال لندن يوم 17 كانون الثاني سنة 1921. ومنذ ذلك الحين بات يقَدمها عدد لا يحصى من السحرة وبأساليب متنوعة. يقول “ويل هاويستون” مؤدي الألعاب السحرية: “انها فكرة شديدة البساطة والوضوح، ويسهل فهمها بسهولة على أنها مستحيلة. لها تأثير دقيق ومجال هائل للتطوير والتجديد”. 
يمضي هاويستون قائلا إن خدعة سيلبيت الأصلية لم تجرِ بحيث يظهر رأس المرأة وقدماها من خارج الصندوق؛ وهو أمر أصبح لاحقا من تقاليد تلك الخدعة، كما كانت عملية استخدام المنشار حقيقية وبطيئة: “كانت عملية تستغرق وقتا طويلا، لكن لا أعتقد أنه يمكن استقطاب انتباه الجمهور اليوم الى هذا الحد”. 
يمكن القول إن خدعة قطع انسان الى نصفين تعود لزمن بدء تقديم الحيل السحرية على المسارح، وتجري عادة بأن تستلقي امرأة في صندوق، بحيث لا يظهر الا رأسها وقدميها من طرفي الصندوق، ثم يشرع الساحر بقطع الصندوق بالمنشار من المنتصف ويُبعد الجزأين عن بعضهما. بالنسبة للعين غير المُدربة يبدو وكأن المرأة قُطعت الى نصفين؛ لكن الباحثين كشفوا أن الامر لا يعدو كونه خدعة جيدة الترتيب يمكن لأي شخص القيام بها؛ وكل ما يحتاجه الأمر هو تنظيم المسرح والمعدات.
 
أصلٌ مختلف عليه
دار جدل حول الاصل التاريخي لخدعة قطع انسان الى نصفين بالمنشار؛ إذ ذكرت بعض المصادر أن ساحرا يُدعى «توريني» قدم أول نسخة منها أمام البابا «بايوس السابع» عام 1809. لكن الغالب أن تلك الرواية كانت اسطورة لها أصل في مذكرات الساحر الفرنسي الشهير «جان روبرت- هاودين»، المدونة عام 1858، ووصف فيها تلك الخدعة التي قدمها ساحر اسمه توريني، يستنتج المؤرخ ومبتكر الخدع السحرية الحديثة «جيم ستاينماير» أنه غالبا لم يوجد ساحر اسمه توريني، وأن القصة كانت مجرد طريقة يتلاعب بها هاودين بالافكار، بل وذهب البعض (خلال جلسات محاكمة لاحدى القضايا عام 1922) أن لتلك الخدعة أصلا فرعونيا؛ لكن لم يجر اثبات ذلك الادعاء. ومهما يكن أصل تلك الخدعة فقد بقيت مجرد فكرة؛ لإحداث تأثير مُبهر بدلا من كونها تطبيقا عمليا لوسيلة عرض.
لكن المتعارف عليه عموما أن سيلبيت أول من قدم عرضا عموميا مطلع العام 1921، وكان قد سبقه بعرض أداه أمام نخبة من جمهور الممولين ووكلاء مسارح لندن؛ لإقناع أحدهم بتقديمه في حفل عام. وكانت خدعته المسماة (حينذاك) “نشر امرأة” تختلف بشكل كبير عما يتوقعه الجمهور المعاصر. هنا جرى وضع المرأة (وهي مساعدة الساحر) داخل صندوق خشبي مغلق، ولم يكن بالامكان رؤيتها. وجاء الانطباع العام أنها لن تتمكن من تفادي حد المنشار بسبب الفضاء المحدود داخل الصندوق، وتقييد يديها وقدميها وعنقها بالحبال؛ وهي حبال أمسك بها أفراد من الجمهور طيلة فترة الأداء. 
طوّر مؤدو العروض السحرية نسخا متنوعة من الخدعة؛ استبدل فيها المنشار أحيانا بالسيوف والشفرات الحادة وألواح الزجاج، وبات رأس المرأة وقدماها يظهران خارج الصندوق، ثم يُبعد نصفا الصندوق عن بعضهما لمسافة مناسبة يراها الجمهور. ودفع نجاح الخدعة أمام الجمهور شركة “ثاير” لبيع تجهيزات الخدع السحرية بالاعلان عام 1921 عن بيع “صندوق النشر الشهير” بمبلغ 175 دولارا، أو خرائط تنفيذية له بمبلغ خمسة دولارات فقط! 
كان من أشهر عروض تلك الخدعة ما عرضته قناة “بي بي سي” البريطانية عام 1956 ضمن برنامج بانوراما والذي صدم الجمهور البريطاني؛ إذ ظهر فيه الساحر “سوركار العظيم” يقطع امرأة الى نصفين بمنشار دائري. ولأن البرنامج كان يقدم على الهواء وانتهى وقت البث؛ ظهر المُقدّم “ريتشارد ديمبلبي” وألقى تحية الختام قبل أن يُعلن “اعادة” المرأة الى الحياة؛ فازدحمت بدالة الهواتف بمكالمات من أشخاص صدقوا أنهم قد شهدوا للتو جريمة
 قتل!