الاتحاد الأوروبي يستهل عهد بايدن باتفاقية مع الصين

بانوراما 2021/02/10
...

ستيفن إرلانجر
ترجمة: شيماء ميران
شرع الاتحاد الاوروبي بإبرام اتفاقية تجارية مع الصين، معتقدا ان الارتباط مع الصين قبل سبع سنوات كان افضل طريق لتغيير سلوكها وجعلها شريكا ملتزما في النظام الدولي. لقد أبرمت الاتفاقية بهدوء أواخر العام الفائت، في الوقت الذي تغيرت فيه الصين والعالم ايضا، تعرضت العلاقة العابرة للاطلسي لضرر بسبب سياسات الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، فضلا عن الشكوك الجديدة في اوروبا بشأن استقرار اميركا، وقلق الاخيرة من طموحات اوروبا.
وفتح توقيت الاتفاقية الباب امام المحللين وبالاخص المسؤولين الاميركان لتوجيه التساؤلات والانتقادات للاتحاد الاوروبي، باعتبار الصين المنافس الستراتيجي الهجومي الجديد لأميركا، وقبل اسابيع فقط من تسلّم الرئيس الجديد جو بايدن الرئاسة من سلفه دونالد ترامب، الذي شهد عهده تراجع مستوى العلاقة مع بكين، واعتبرت خطأ دبلوماسيا وسياسيا. 
عُقدت الاتفاقية وسط القمع الصيني في هونغ كونغ وشينجيانغ وتقبّل الوعود الصينية المبهمة بوقف استخدام العمل بالسخرة. كما أثارت الشكوك حول رغبة اوروبا للاهتمام بدعوة بايدن والعمل معه في ستراتيجية مشتركة تجاه بكين. ومع تحقيقها انتصارا مهما للصين، فقد لاقت المبادرة ترحيبا باعتبارها نجاحا كبيرا للرئيس الصيني (شي جين بينغ) قبل حلول الذكرى السنوية للحزب الشيوعي الصيني، وتأكيدا على نفوذه في العام الجديد.يقول لو كوري الباحث الصيني بمدرسة كينيدي في جامعة هارفرد ومؤسسة كارنيغي: «كانت صفعة على وجه العلاقة العابرة للاطلسي»، خصوصا بعد مطالبة الاوروبيين إدارة بايدن بالعمل مع اوروبا على نهج مشترك تجاه الصين. مضيفا: «لقد اضر ذلك العلاقة العابرة للاطلسي بالفعل». ويشير المسؤولون الاوروبيون الى ان التوقيت لم يكن متعمدا، لكنه جاء مفاجئا بسبب الامتيازات التي أذن بها الرئيس الصيني في الدقائق الاخيرة.
 
الرؤية الألمانيَّة
كانت الاتفاقية من اولويات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بسبب رهان ألمانيا الكبير على السوق الصيني، ولاعتقادها بأن قوة المشاركة وليس المواجهة كانت افضل سياسة لتراجع الغرب أمام نهضة الصين السريعة.
كانت الاتفاقية بالنسبة لميركل تتويجا لمسيرتها الطويلة مع بكين، واختتاما للرئاسة الالمانية للاتحاد الاوروبي الزاخرة بالاحداث، وتحقيقها نجاحا غير متوقع قبل ترأس خليفتها البرتغالية في الاول من كانون الثاني الماضي.
وستصب الاتفاقية بمصلحة الشركات الالمانية اكثر من غيرها، حتى انها تحدد هدف المصالح الاوروبية والتي لا تتطابق مع المصالح اميركا، والاكثر من ذلك وبعد كل ما توقعه الجميع بأن يكون هناك استياء دائم وعدم ثقة تركه عهد ترامب. 
يوضح لو كوري أن: «السنوات الاربعة الاخيرة لترامب قد تركت وصمة على ألمانيا وخصوصا ميركل. ومع وجود خيبة أمل كبيرة وبعض الامور المجهولة حول بايدن، يُظهر الاربعة والسبعين مليونا الذين صوتوا لترامب ان وضع الولايات المتحدة بعيد عن الاستقرار، لذلك قال الصينيون في نهاية رئاسة ميركل ’امسكيها ان استطعت‘“.  مضيفا انه رغم عدم نشر نص الاتفاقية حتى الآن، لكن هناك بعض الامتيازات التجارية الممنوحة لأوروبا تماثل تلك التي حصل عليها ترامب خلال المرحلة الاولى من إتفاقه مع الصين.
وسواء كانت الصين ستحافظ على تلك التعهدات، وسط تكهنات مصادقة البرلمان الاوروبي على اتفاقية الاتحاد الاوروبي، فما زال الوضع غامضا تجاه بكين، نظرا لغضب الاتحاد من انتهاكات حقوق الانسان ومنها اعتقال عشرات الناشطين المؤيدين للديموقراطية في هونغ كونغ مؤخرا.
 
 سياسة ميركل
تقول مديرة برنامج آسيا فى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين جانكا أورتيل: «رغم ان الاتفاقية معتدلة، لكنها أقل أهمية من التوقيت والسياسات. وسواء تمت المصادقة عليها أم لا، فإن الضرر قد وقع بالفعل بالنسبة للسياسات والانعكاسات».
موضحة انه لم تظهر سوى انتقادات متواضعة داخل المانيا، مقارنة مع الجدال العنيف حول التعامل مع جائحة كورونا فيروس واللقاحات. لكن هناك تساؤلات متكررة حول ما اذا كانت سياسة ميركل في الارتباط الهادئ مع الصين لا تزال سارية المفعول، ام يجب أن تكون أنموذجا للمستقبل. كما ان موقف المانيا ايضا من هواوي كان اكثر ليونة من العديد من جيرانها الأوروبيين.
وترى أورتيل عدم إدراك ألمانيا وبروكسل لهذا باعتباره نصرا سياسيا للصين، وتطرح أسئلة جوهرية حول ما إذا كان بالإمكان إبرام أية اتفاقية مع الصين والاعتماد عليها، وعن طريقة العمل مع الاتحاد الاوروبي، مبينة انه كان من السهولة إلغاء الاتفاقية بأكملها كونها قديمة الى حد كبير، او بالإمكان مناقشتها الآن بعد تولي بايدن الرئاسة، مع تحقق المزيد من النفوذ والثقل عبر المحيط الاطلسي. 
تقول دانييلا شوارزر، مديرة المجلس الالماني للعلاقات الخارجية: «لا يزال انقسام الآراء في المانيا يُظهر تغير الفهم تجاه الصين، وتقييم أكثر واقعية للمخاطر، وأن الآمال بتحول الصين لم تعد كما كانت حين بدأت ميركل». مضيفة انه في الوقت ذاته، اوضح الضغط الالماني نوعا من الواقعية تجاه هكذا اتفاقية رغم التوترات مع واشنطن وبقية الدول الاوروبية التي ابدت استيائها من التسرع. وتوضح شوارزر: «ان الاتفاقية تظهر لنا المدى الذي ينبغي للسياسة الخارجية ان تأخذ بحسبانها الطريقة التي نبني بها إقتصادنا. وان الاقتصاد الالماني المعتمد على التصدير واحتياجه لسلسة توريد مستدامة جميعها تحد من نطاق خيارات السياسة الخارجية تجاه الصين».
 
تولي بايدن الرئاسة
من جهته، حذر جيك سوليفان (مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي) الاوروبيين برسائل على تويتر من التسرع، مبينا: «ان الإدارة الجديدة ترحب باجراء مشاورات مبكرة مع شركائنا الاوروبيين بشأن مخاوفنا المشتركة حول الممارسات الاقتصادية للصين»، وأضاف أن هدف بايدن اجراء مناقشات مبكرة مع الحلفاء الاوروبيين، من منطلق الاحترام المتبادل لوضع اجندة مشتركة في ما يتعلق بالممارسات التجارية للصين.
ويؤكد المحلل الامني الفرنسي فرانسوا هيسبورغ ان وصول بايدن غير  طريقة التفكير والجدال الاوروبية بشأن تحقيق ستراتيجية الحكم الذاتي ونقلها الى مستوى مستقر بدلا من سياسة سلفه المجنونة. فقد أبرمت الاتفاقية بأسلوب هادئ، وبأقل قدر من المناقشات، وبطريقة سرية وتكشفت رائحتها». ويضيف هيسبورغ: «البعض يساوره الشك بأن اوروبا وبالاخص ألمانيا سيوفون بوعدهم، بينما يعتقد البعض (دعونا جميعا نتعاون معهم فهناك فرصة جيدة لتنفيذ وعودهم)، لكن هذا يتحول الى حجة».
ويوضح مسؤولون ألمان أن اوروبا كانت ببساطة تُنهي اتفاقية طويلة عندما انتقلت الصين اخيرا  الى قضايا بعيدة المدى. وتقول شوارزر: «هذا صحيح، لكن كان الاختيار ايضا تنفيذها الآن، ويكمن غموضها في التساؤل لماذا كانت تبدو ذكاء ستراتيجيا؟.