إثر اغتيال مبارك على طرد ابن لادن من السودان

بانوراما 2021/02/13
...

آن كدموس
ترجمة: بهاء سلمان
كان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في طريقه الى عاصمة أثيوبيا، أديس أبابا، وبعد مغادرته المطار حصل فجاة بأن توقفت شاحنة صغيرة زرقاء اللون أمام موكبه، ليقفز رجال مسلحون، مستهدفين السيارات، بقصد اغتيال مبارك.
نجا الرئيس من الحادثة، ومات شرطيان وسبعة أفراد من المهاجمين خلال تبادل إطلاق النار، وعاد هو بطائرته الى القاهرة. هناك، وقف بكل هدوء أمام كاميرات التلفزيون، ليلقي باللائمة على ارهابيين تأويهم دولة السودان المجاورة، كان اليوم هو 26 حزيران 1995، ليمثل بداية النهاية لتنظيم القاعدة واسامة بن لادن في السودان.
ارتباطات مشبوهة
عمر البشير، العميد العسكري الذي أصبح زعيما للبلاد، كان قد استولى على السلطة عبر إنقلاب نفذه سنة 1989، وشيّد نظاما اسلامويا متأثر بالايديولوجية المتطرّفة للزعيم الديني حسن الترابي. وعندما طردت السعودية ابن لادن سنة 1991 لرفضه وجود القوات الأميركية على التراب السعودي خلال حرب الخليج، قامت الجبهة الاسلامية الوطنية التابعة للترابي بدعوة زعيم تنظيم القاعدة لتمركز منظمته داخل السودان، فسارع ابن لادن لانتهاز الفرصة. وبعد سنة، إنضم نائبه، الطبيب المصري أيمن الظواهري، إليه مع مجموعته الإرهابية المسماة «الجهاد الاسلامي العسكري». ومن ملاذها السوداني الآمن، قامت المجموعة المتشددة بتنفيذ هجمات إرهابية ضد القادة المصريين، وخططت لضربات تستهدف المصالح الأميركية.
بالنسبة لمعظم العالم، صار هناك تركيز حاد على ارتباطات السودان باابن لادن والظواهري ومجموعتيهما بعد الهجمات الارهابية على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، والضربات الصاروخية الأميركية الانتقامية ضد معمل للمواد الكيمياوية في الخرطوم، إلا أن حكومة السودان طردت ابن لادن مسبقا سنة 1996؛  ولم تكن الصواريخ الأميركية وراء الطرد، وإنما تحالف اقليمي قادته مصر متأثرة بالمحاولة الفاشلة لاغتيال مبارك، وبدعم من الولايات المتحدة للجم القيادة الاسلاموية السودانية.
يقول ديفد شين، السفير الأميركي السابق لدى اثيوبيا وبوركينا فاسو، والذي كان سنة 1995 مدير شؤون شرق أفريقيا لوزارة الخارجية الأميركية: «مثلت محاولة اغتيال مبارك سنة 1995 حدثا مفصليا بشكل هائل، اسفر عنه تحشيد ضغوط ضد السودان من قبل مصر وإثيوبيا والولايات المتحدة».
 
تعاون الحكومات
إلى ذلك الحين، تسببت التوترات بين مصر وإثيوبيا وارتيريا بعدم حصول تعاون بينها، رغم عدم تقبلها لإيواء السودان لابن لادن والظواهري، غير أن الاعتداء على مبارك لدى مغادرته أديس أبابا بعد اختتام اجتماع لمنظمة الوحدة الأفريقية ترك أثيوبيا في وضع حرج. وساهمت المحاولة الفاشلة «بشكل كبير» بتعزيز سياسة دول المواجهة وجعل مصر وإثيوبيا وارتيريا تضغط بشكل جماعي على السودان، كما يقول شين، الدبلوماسي المتقاعد: «رغم وجود مشكلات جدية بين مصر وإثيوبيا حول قضايا مياه نهر النيل، تملك الطرفان الغضب من دعم السودان حادثة الاعتداء على مبارك».
بالنسبة للقيادة السودانية، كانت الرهانات مختلفة للغاية قبل أربع سنوات من الحادثة، حينما استضافت ابن لادن والظواهري، فالحرب الباردة كانت تتلاشى وتنتهي، وتمكّنت حكومات حديثة الولادة من اتخاذ حجم أكبر للمناورة بدلا من الاختيار بين كتلتين سادتا الجو السياسي طيلة عقود، بحسب دونالد هولبروك، المحاضر بالشؤون السياسية لدى جامعة لانكستر البريطانية. الذي رجح بأن الترابي رأى في ابن لادن والظواهري بوصفهما وكيلين له ليشيّد نفوذه الخاص.
آنذاك، كان الجميع ينظر إلى ابن لادن كمموّل للمجاميع المتطرّفة أكثر من وصفه إرهابيا. ولكونه رجل أعمال، قام باستثمار ضخم داخل السودان، بدرجة هائلة وصلت إلى حد تنازل الحكومة السودانية عن الرسوم المفروضة على مواد البناء والمكائن، التي قام زعيم القاعدة باستيرادها، يقول هوليروك: «كان السودان فقيرا جدا، وجلب ابن لادن استثمارات لبنى تحتية قيّمة، ووصل به الأمر حتى إلى قيادة مشاريع هندسية لم يكن فيها أي أمل لنمو اقتصادي، أما التعاون مع تنظيم القاعدة، ومستوى تأثيره المهم، مع تزامن الاعتداءات الارهابية، فقد أتى لاحقا،» بحسب هولبروك.
 
تباين الظروف
بدأت الضغوط للتحرّك ضد ابن لادن والظواهري تتزايد اواخر العام 1993 بعد فشل محاولة اغتيال عاطف صدقي رئيس الوزراء المصري، عندما كان عائدا إلى منزله من اجتماع لمجلس الوزراء في القاهرة. لكن لم يكن هناك «حب مفقود بين مصر والسودان،» بحسب هولبروك، فالتنافس الشديد ساد علاقات البلدين منذ الحقبة الاستعمارية، كما إن نظام البشير إدعى رسميا عدم تورّطه بأية هجمات إرهابية تنطلق من بلاده. غير أنه ومنذ العام 1995 بدأ تتزايد لديه حالة القلق من اابن لادن والظواهري: في ذلك الوقت، صارت الطموحات الحقيقية للقاعدة تتوضح بشكل أكبر للعالم، كما إن مجموعة الجهاد هددت أيضا السلطات السودانية بعد تعذيب شابين مراهقين ينتمي أبوهما للتنظيم بسبب تعاونهما مع الأجهزة الاستخباراتية المصرية، علاوة على احتياج السودان لاستثمارات أضخم مما قدمه اابن لادن تأتي من المجتمع الدولي، بحسب شين: «أعتقد جازما أن اابن لادن قام بعزل العديد من القادة السودانيين».
وحينما فشلت محاولة مجموعة الجهاد لاغتيال مبارك، أدركت السودان أن الوقت قد حان لرحيل زعيم القاعدة «على المدى البعيد، كانت التكلفة باهظة للغاية،» يقول هولبروك. لكن لم تكن هناك خطة أو تنسيق لما ينبغي فعله مع اابن لادن بعد طرده من السودان، يقول شين، فلم تكن مصر تريده، ولا حتى السعودية؛ كما إن الولايات المتحدة لم تكن تريده، فهي لم تكن متيقنة من إمكانية إدانته داخل الولايات المتحدة، يتذكر شين. بالتالي، وجد اابن لادن ملاذا جديدا مع حركة طالبان جنوبي أفغانستان، ومن هناك خطط لهجمات 11 سبتمبر.