شخصيَّة الرئيس الجامدة ترامب لم يطوّر نفسه خلال سنوات حكمه

بانوراما 2021/02/15
...

تيم ستانلي
ترجمة: خالد قاسم
جرت العادة أن يتحدث الناس عن دور الرئاسة بتغيير شخصية الرئيس عندما يترك منصبه، فباراك أوباما غادر أشيب الشعر وتحوم حوله الشكوك، لكن الحال لا تنطبق على دونالد ترامب، فقد دخل البيت الأبيض من خارج العملية السياسية، هدفه تعطيل الأوضاع السائدة، وخرج من المنصب بالحال نفسه.
تحدث ترامب خلال خطاب تنصيبه عن "الحب والصلاح" مثلما يفعل معظم الرؤساء حرصا منهم على توحيد بلادهم بعد حملة انتخابية شديدة، لكنه تحدث أيضا عن الجريمة والمخدرات والهجرة والتراجع الصناعي الذي وصفه "بالمذبحة الأميركية" ، واتهم في أول مؤتمر صحفي له وسائل الاعلام بالكذب بشأن حجم حضور حفل التنصيب.
ذكر ترامب أن الصحافيين من بين "أقل البشر شرفا على سطح الأرض"، ونادرا ما أظهر رئيس دولة تطورا شخصيا ضئيلا في منصبه كالذي أظهره ترامب، يقول المدافعون عنه إن شعوره بالاضطهاد فاقمته معارضة الليبراليين والجمهوريين المنشقين وكثير من مؤسسات الدولة، والذين لم يكتفوا بكرههم له، بل رفضوا قبول شرعية فوزه الانتخابي الضيق.
شهدت العاصمة واشنطن في اليوم التالي لتنصيبه أكبر مظاهرة في تاريخها سميت "مسيرة النساء" وبعد شهرين من توليه المنصب أكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي أن المكتب يحقق بوجود صلات بين حملة ترامب 
وروسيا.
أقال ترامب كومي يوم 9 آيار، ودخلت كلمة "عزل الرئيس" حلقة الصراع. وحفلت أول سنتين له في الرئاسة بتحقيق قانوني خاص بشأن حملته الانتخابية، أما السنة الثالثة فعصفت بها اجراءات العزل داخل الكونغرس، وحملت السنة الرابعة ويلات وباء كورونا. 
حكم ترامب تحت حصار دائم، رغم أن كثيرا من هذه الأزمات أثارها ترامب نفسه، أو زاد حدتها. 
 
عادات غريبة
استمرت التغريدات في البيت الأبيض، وكذلك الحال للطعام الغريب. تناول ترامب اللحم والبطاطا المقلية والآيس كريم وهو لا يحب شرب الكحول، لكنه يتناول الكثير من المشروبات الغازية، مما قد يفسر نومه لمدة ساعتين أو ثلاث فقط.
اعتاد ترامب على الاستيقاظ عند الساعة الخامسة والنصف صباحا، وتألف جدوله اليومي من مشاهدة التلفاز والتغريد على تويتر واستخدام الهاتف واجراء لقاءات مع المسؤولين الموالين له، وهم مجموعة صغيرة من رجال ونساء وثق بهم لأنهم لا يسربون معلومات للصحافة.
تجنب ترامب التمارين الرياضية، فالجسم كما يقول يحوي الكثير من الطاقة، ومن ثمّ يحتفظ بها، لكنه مارس الغولف بكثرة وكلّف ملايين الدولارات كإجراءات أمنية، وعانى الرئيس السابق لإيجاد حلفاء له أو حتى موظفين بإدارته، اذ بقيت مئات المناصب شاغرة مع ما حمله ذلك من عواقب وخيمة على الحكومة (عند بدء الوباء كان 20 من مجموع 75 منصب رفيع المستوى في الأمن الداخلي شاغرا أو مشغولا بشكل 
مؤقت).
لم يحظ الرئيس ترامب بحب مسؤولي ادارته، فأول وزير خارجية ريكس تيلرسون استمر لمدة سنة واحدة فقط، ويقال إنه وصف ترامب بالأحمق. ولم يكن رفقاؤه الأيديولوجيون جيدين بالسياسة، اذ أسهم مستشاره ستيف بانون بإقناعه بفرض حظر على الهجرة من بعض الدول الاسلامية، وهو عمل عنصري رفضته المحاكم بعد أسبوع واحد فقط من إصداره.
اهتمت وسائل الاعلام بزواج ترامب، اذ ظهرت زوجته ميلانيا وهي تبعد يده عنها أكثر من مرة، واعترف الرئيس السابق أنه نسي شراء هدية لها بعيد ميلادها. لكن الحقيقة هي أن السيدة الأولى كانت خجولة ولم تتحمل ضغط وسائل 
الاعلام. 
ظهر أن أكثر المقربين من ترامب كفاءة وولاء هو صهره جاريد كوشنر، ويقال إن كوشنر وايفانكا ترامب أقنعا الرئيس السابق بإيقاف اصلاحات قضائية مهمة والتقرب من الناخبين السود، أما مبادرات كوشنر لسلام الشرق الأوسط، فقد عادت على الادارة بانتصارات دبلوماسية للولايات المتحدة، وكان سر نجاح كوشنر، بحسبما استنتجه الصحافي بوب وودوارد هو أنه فهم كيف يقرأ الرئيس، وكيف يعيد التفكير بما أراده وإحضاره إليه قبل أن يطلبه. 
يقول المتحدث الأسبق باسم ترامب "شين سبايسر" إن "قدرته على التحول من لحظة تكاد تنهي مسيرته الى هجوم شديد على معارضيه تعد موهبة يتمتع بها قلة من السياسيين". وحصلت انعطافات مهمة فور دخوله البيت الأبيض، فلم تدخل هيلاري كلنتون السجن، ولم يعد الناتو عتيقا، واستمرت روسيا تشكل تهديدا.
 
تغيّر طفيف
أظهر ترامب اشارات على نضجه في منصبه، لكنها كانت متسقة كليا مع رؤية عالمية صاغتها الغريزة وليس الفلسفة، فالسياسة لم تتصف بالاتساق لأن ترامب فعل ما أحس بأنه الصواب في لحظة معينة.
في أعقاب المجزرة المروعة بمدرسة بولاية فلوريدا خلال العام 2018، ساند ترامب السيطرة على الأسلحة لفترة وجيزة، لكنه أخبر اتحاد السلاح الوطني بعد أسابيع على ذلك بأن الحل الأفضل هو تسليح المدرسين لكي يتمكنوا من الرد على 
المسلحين.
الصفة الوحيدة المستمرة لدى ترامب، وفق ما يراه جون بولتون مستشاره الأمني، هي هوسه بثمن الأشياء، فعلى سبيل المثال طلب ترامب من أعضاء الناتو زيادة إنفاقهم العسكري، لأن أميركا تتحمل العبء الأكبر من نفقات الحلف.
عندما سئل ستيف بانون عن هدف إدارة ترامب، أجاب بأنه ترجمة الاضطراب الى سياسة و"تفكيك الدولة الادارية". 
ويعني هذا القيام بالضد مما فعله أوباما، فالرئيس الأسبق كان قد انخرط بالشأن السوري، أما ترامب فأراد الانسحاب منه. لكن أوباما فشل أيضا في فرض خطوط حمراء ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، على العكس من ترامب.
تباهى ترامب بحجم انجازاته، ويعود جانب من احترام الناخبين المحافظين له الى قيامه بما أرادوا، والمقصود بذلك تخفيضات ضريبية تاريخية وإلغاء الضوابط وبناء جزء من الجدار الحدودي وتعيين قضاة محافظين بالمحكمة العليا.
لكن المحافظين لم يشعروا بالراحة من وجهات نظره بخصوص التجارة الحرة، وعملوا أحيانا ضد اجراءاته، اذ شعر جون بولتون بالذعر عندما اكتشف أن المعنيين بإصلاح مشكلة الحدود أداروا بأنفسهم سياسات مضادة لأسلوب ترامب بأكمله.
في مواجهة كل تلك العقبات الهيكلية حكم ترامب بلاده عبر وسائل تنفيذية أو دبلوماسية وتحولت السياسة الخارجية الى مسرح لإضطراباته العالمية. 
وخير مثال على ذلك هو تعامله مع الملف النووي لكوريا الشمالية، اذ أعلن ترامب في آذار 2018 بعد سنة من الاهانات والانتقادات اللاذعة عن لقائه الزعيم الكوري كيم جونغ أون لمناقشة السلام في سنغافورة.
يلتقي الزعماء عادة بعد الاتفاق على أمر ما، وليس قبله، لكن بولتون شعر بالقلق من أن رئيسه أقتيد الى ضربة دعائية ناجحة لصالح نظام بيونغ يانغ، وأن رغبته بكسب الشعبية دفعته لارتكاب خطأ 
ستراتيجي.
نجح الزعيمان في النهاية وتوقفت كوريا عن اختبار صواريخها، أما ترامب بالمقابل فقد أوقف مناورات عسكرية كبيرة حول شبه الجزيرة الكورية، أعدّها مكلفة جدا في كل الأحوال.
أدرك ترامب أن الساحل الكوري الشمالي جذاب للغاية وربما يجعله يوما ما وجهة عقارية شاطئية. وعاود الزعيمان اللقاء مرة ثانية في فيتنام مطلع 
العام 2019، لكن القمة اقتطعت بعد مطالبة كيم برفع كل العقوبات المفروضة على بلاده. وتحدث ترامب بخشونة الّا أنه فضّل الانسحاب الستراتيجي، وشعر الكثير من المحاربين القدامى بضرورة تأييدهم له.
 
الفايروس المدمر
مع حلول شباط 2020 كان موقف ترامب قويا لإعادة انتخابه، وبدأت معدلات شعبيته بالارتفاع بعد محاولة عزله الفاشلة، وبدت قبضته على المجمع الانتخابي قوية. 
لكن وباء كورونا سدد ضربة قاصمة لفرص فوزه بالتصويت، الّا أن كيفية تعامل ترامب مع الوباء لخصت نقاط قوة وضعف أسلوبه الفريد في الرئاسة.
اذا كان ترامب قد تكيف مع الحكم طيلة ثلاث سنوات من فترته، عبر استخدام البيروقراطية بكفاءة أو توحيد بلاده بخطاباته الرنانة، فإن مجريات الأمور تغيرت بحلول السنة الرابعة، إذ منع بعض الرحلات الدولية وقدّم تمويلا لإنقاذ الاقتصاد واحتل العلم مكانة مهمة، وليس صحيحا بالكامل أن ترامب رفض الكمامات أو نفى وجود الفيروس، لكنه لم يتصف بالثبات وشعر بالفزع من تأثير الوباء على فرص اعادة انتخابه.
تضاءلت احتمالات فوز ترامب بعد ترشح جو بايدن عن الحزب الديمقراطي، بدلا من بيرني ساندرز الاشتراكي، الذي يسهل الفوز عليه. وفي الثاني من تشرين الأول دخل ترامب المستشفى العسكري بسبب اصابته بالفيروس، لكن شخصيته التي ورثها عن أبيه كانت تؤكد  قوة صحته وعدم تعرضه للأمراض، لأنها حسب وجهة نظره تعد نقطة ضعف.
أقنع ترامب نفسه أنه سيفوز في انتخابات تشرين الثاني عبر صناديق الاقتراع وأن الديمقراطيين سيحاولون سرقة النصر من خلال تزوير حجم الأصوات القادمة عبر البريد. وكانت الخطة اعلان النصر فور انتهاء التصويت، ومن ثم زرع الشك بشأن الأصوات البريدية، عندما يجري حسابها لاحقا، لكن قناة فوكس نيوز المقربة نوعا ما منه دمرت كل شيء بإعلانها فوز بايدن بولاية 
أريزونا.
كانت تلك هي اللحظة التي احتاج فيها ترامب لنصيحة موضوعية أكثر من أي وقت مضى، ومشورة حكيمة بإعلانه الهزيمة، لكنه دفع ثمن طريقة حكمه. واستمرت الاجراءات القانونية الى أن أعلن محاميه رودي جولياني عبر مؤتمر صحفي قبول الرئيس السابق أخيرا السماح بانتقال السلطة.
استمر ترامب حتى بعد تلك اللحظة بإخبار مؤيديه أنه تعرض للغش، وكانت العواقب وخيمة عندما اقتحم جمع منهم مبنى الكونغرس يوم 6 كانون الثاني مما تسبب بمقتل خمسة أشخاص منهم 
شرطي.