مشاريع {سوفييتيَّة} كان يمكن أن تهزّ العالم

بانوراما 2021/02/24
...

إيكاترينا سينيلشيكوفا
ترجمة: شيماء ميران
بعد ثلاثين عاما من تفكك جمهوريات {الاتحاد السوفييتي}، 
ما زالت دوائر البحث والدراسات تنظر الى مشاريع عملاقة بعين الاعجاب، ومع هذا كانت هناك مشاريع أخرى عملاقة ايضا، لكن لم يكتب لها النجاح بحسب مفارقات وظروف أحاطت بها، كان ينبغي لهذه المشاريع الطموحة أن تجعل منه قائدا للعالم في عدة مجالات، لكن دائما ما كان يحدث شيء ما خطأ، وهذه نماذج منها.
الانترنت السوفييتي
كان المشروع يشير إلى الانترنت السوفييتي كنظام آلي على مستوى البلاد للحوسبة والمعلومات او ما يسمى (أوجاس)، لكنه حسب النمط السوفييني الفعلي لم يكن ممتعا، إذ لم تكن هناك محادثات ومنتديات وشعار او فكرة سريعة الانتشار او تدفقات مجانية. 
وكان من المفترض ان (أوجاس) يُعنى بالاشراف على تخطيط الاقتصاد السوفييتي، مثل كمية البضائع الموضوعة على الرفوف بالنسبة إلى عدد العمال في الوجبة. 
وكان عمله على النحو التالي: هو قيام شبكة من مراكز الكومبيوتر المرتبطة بجمع وتحليل البيانات الفورية من جميع انحاء البلاد، لتعطي أفضل الستراتيجيات، وكان سيتم تسجيل جميع أفراد الشعب السوفييتي، علاوة على ذلك، كانت ستصبح العملة الورقية قديمة وتستبدل بنظام دفع الكتروني.
في العام 1970، كانت الكومبيوترات الحكومية لها القدرة على حساب 180 معاملة. 
وارتفع العدد في العام 1985 إلى ثلاثين الف، لكن الفكرة لم تؤتَ اُكلها مطلقا لعدم وجود اجهزة كافية او تمويل مالي للبدء بتشغيلها، ولأن الاقتصاد كان يسير وفق نظام مخطط له مسبقا، كانت الصناعات العسكرية والفضائية تحظى بالاولوية دائما.
 
رحلة الى المريخ
لم يكن الهبوط على القمر نهاية المطاف مطلقا بالنسبة لمهندسي الفضاء السوفييت، وإنما مجرد نقطة انطلاق على طريق هدف اكبر، تتمثل بتحقيق رحلة إلى الكوكب الأحمر، والذي بدأ سيرجي كوروليف المصمم الرئيس لبرنامج الفضاء بتحقيقه فعلا خلال العام 1960.
كان كل شيء مخططا له بعناية، صاروخ فائق الثقل للوصول إلى مدار المريخ، محطة مستقلة ذات حياة ودورة إنتاج قابلة للتدوير، ومساحة دفيئة وهكذا.
لكن السباق إلى القمر وضع المشروع قيد الانتظار. ورأى العلماء السوفييت امكانية وصول الاميركان إلى هناك اولا، فتغيّرت الأولويات. وبعد خسارتهم الحقيقية في السباق إلى القمر، وضعت اول رحلة بشرية إلى المريخ على البرنامج مرة اخرى، وكان من المقرر انطلاقها بحلول العام 1985، وأن تحمل خمسة رواد فضاء. لكن مع موت كوروليف في العام 1966  تعرقلت رحلة المريخ ايضا، حتى اُلغيت المهمتان سوية في النهاية.
 
قصر السوفييت
كانت البنية العمرانية لهذا المبنى الحكومي الضخم ستصبح أحد اضخم المباني في التاريخ السوفييتي كله، وسيتميز القصر بتمثال لينين، الذي يرتفع الى 100 متر، بمثابة مستدقة، ليصبح أعلى مبنى في العالم حينها وبارتفاع 415 مترا، فهل تم إنجاز هذا المشروع؟ وقد رأينا اليوم مبنى مشابها له.
كان من المفترض بناء القصر السوفييتي، بدلا من كاتدرائية المسيح المخلص المهدّمة، حتى أنهم تمكنوا من إكمال أساسات المشروع، لكن الحرب العالمية الثانية أوقفت أعمال البناء، كما إن انتعاش المشروع بعد انتهاء الحرب، التي أكلت ست سنوات من خيرات الدولة، كان مستحيلا، ولذلك تم إنشاء مجمع مدينة “موسكو” التي تعد اكبر المدن المطلة على النهر، بدلا من ذلك . وفي العام 1990 هُدمت المدينة وبُنيَّ في محلها نسخة عن الكاتدرائية
المهدمة.
 
صاروخ GR-1
لقد أخذ مفهوم الصاروخ العالمي دلالته من المشروع الأميركي، والذي سرعان ما عده هؤلاء غير قابل للتطبيق، لكن لم يبد العلماء السوفييت كانوا على وشك التخلي عن الفكرة. ثم جاء التخطيط لصنع صاروخ GR-1  بفكرة ان يحمل رأسا نوويا ويوضع في المدار، حيث يمكن أن يتم اطلاقه ضد اي تهديد محتمل. ولم تكن هناك حدود للمدى الذي يمكن ان يصل إليه، فمن السهل ان يصل إلى اي هدف على الكوكب.
وكان الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف قد اعلن إنه: “بوجود هكذا صاروخ، سيصبح اي رادع نووي مؤكدا، ولا يمكن الكشف عن الصواريخ العالمية، ما يجعل أي إجراء وقائي عديم الفائدة منذ البداية”. وفي العام 1956 شهد العالم كيف سيبدو عليه الصاروخ من هذا النوع، عندما نقل النموذج التجريبي محمولا على عجلات إلى الميدان الاحمر خلال موكب النصر في التاسع من آيار (عيد انتهاء الحرب والانتصار على النازية)، ما جعله يبث الخوف بين الصحفيين الغربيين والقادة على حد سواء، ومع ان الصاروخ لم يكن إلا أنموذجا مخيفا، وليس اكثر خوفا من مشروع معرض علوم المدرسة الحربية السوفييتية. لكن الحقيقة هي أنه لم يتقدم مشروع الصاروخ السوفييتي بعد تلك المرحلة، واُلغي المشروع، ثم حظرت الجمعية العامة للأمم المتحدة المعدات الفضائية بعدها بفترة وجيزة.
 
تحويل الأنهار
إن التفوق على الطبيعة هو مجال اخر تجرأ المخططون السوفييت على غزوه، إذ كان مشروع السبعينيات المجنون تماما هذا قيد العمل لاكثر من عشرين عاما، وشاركت فيه أكثر من 160 مؤسسة للبحث والتطوير. كما سعت الحكومة إلى طريقة لتحويل المناطق السوفييتية القديمة الجافة إلى جنة مزروعة، حتى أنها اعتقدت لفترة ان البحث كان 
ناجحا.
ولتنفيذ ذلك احتاجت الحكومة إلى إعادة جزء من التدفق المائي لبعض المناطق الاكثر جفافا في مناطق، مثل كازاخستان ووسط اسيا. فعلى سبيل المثال تم عكس مجرى المياه بالكامل من نهر إرتيش عن طريق محطات ضخ خاصة، وعقد كهرمائية وخزانات المياه الجوفية.
وكان هناك مشروع سيئ آخر قيد التطوير يسمى (تايغا)، والذي كان من المفترض أن ينشئ قنوات جديدة تتفرع من أنهار الأورال بمساعدة 250 انفجارا نوويا، وقد تمكنوا من تنفيذ ثلاثة منها فقط، ومع ذلك ادرك العلماء بأنهم ألحقوا ضررا فعليا بالبيئة لا رجعة فيهن ووصلوا الى نتيجة مشابهة لفكرة عكس اتجاه الأنهار، بالحس السليم السائد.
 
برج تالين
بالرغم من الحقيقة بأن الصرح الدولي الثالث لم يتم تقديمه مطلقا، لكن برج “تالين” كما كان يعرف ايضا نجح بأن يكون رمزا للمدرسة البنائية في عموم العالم.
تصور فلاديمير تالين البرج كرمز لثورة اكتوبر في العام 1917 التي غيرت وجه البلاد. كما ان البناء الذي يرتفع بحدود 400 متر كان سيصبح دوارا، إذ كان نموذجه المكعب سيقوم بدورة سنوية، وسيقوم مخروطه بدورة شهرية، بينما ستقوم واسطوانته بدورة يومية ويتكفل نصفه الكروي بدورة لكل ساعة واحدة فقط، ولم يحصل شارع لينينغراد الذي يعرف اليوم بشارع بطرسبرغ على مشروع الصرح العظيم هذا، ومع حلول أواخر العشرينيات بدأت الحكومة التصرف بعدم مبالاة مع النخب الطليعية المتحمسة للثورة، وتوقفت عن توظيفهم لحماية المشاريع.
 
إضاءة الأرض من الفضاء
ظهر على ما يبدو مشروع فضائي مبهم اخر بحلول مطلع الثمانينيات، إذ فكّر المهندس السوفييتي فلاديمير سيروماتنيكوف، الذي طور نظام الالتحام الفضائي المستخدم اليوم، باستخدام المركبة الفضائية للطاقة الشمسية، بدلا من وقود الصواريخ باستعمال مرايا فضائية، او اشرعة شمسية؛ مثل التي نعرفها اليوم، لتتولد فكرة اخرى من ذلك، وهي ماذا لو تمكنا من توجيه مرآة فضائية نحو الارض لتعكس ضوء الشمس نحونا، ومن ثمَّ سيطول وقت النهار على بقع منتخبة من 
الأرض؟.
والواقع انهم تمكنوا من اثبات الفكرة، وإن كان بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. ففي العام 1993 نجحت مركبة الفضاء “بروغرس” في تشغيل عاكس تم وضعه بالقرب من محطة “مير” الفضائية، لإنشاء بقعة ضوء على الارض بمساحة ثمانية كيلومترات مربعة، وانتقلت بسرعة ثمانية كيلومتر في الثانية عبر اوروبا، بدء من جنوب فرنسا حتى غربي روسيا، ورغم ان الجو كان غائما في ذلك اليوم، لكن الكثير من الناس اكدوا انهم شاهدوا توهج الضوء. وكانت هناك تجربة اخرى تلت هذه، لكنها لم تكن ناجحة. إذ وضعت احدى قطع المرآة علامة على القمر الصناعي لمحطة مير. غير أنه تم إيقاف المشروع لأنه غير قابل للتطبيق.
 
مجال الالتواء
إنَّ مجال الالتواء هو مفهوم افتراضي في الفيزياء، ويشير إلى مجالات تكونت من قوة او دوران جسم ما. وكان الاتحاد السوفييتي خلال عقد الثمانينيات مؤمنا بتلك النظرية بقوة تماثل مثل فكرة اننا سيكون لنا قاعدة على القمر، ووضعت الدوائر العلمية السوفييتية أسس البرنامج بالكامل بمشاركة أوساط اكاديمية، وكذلك الاستخبارات السوفييتية “الكي بي جي” ووزارة الدفاع لغرض دراسة آثار مجالات الالتواء. 
وبحسب العالم السوفييتي أناتولي أكيموف فان تحقيق الفكرة من خلال التطبيق سيقود الى منجزات فريدة من نوعها، مثل انتاج محرك يعمل بطاقة الالتواء، ومصدر للطاقة الالتوائية ومواد بخصائص فيزيائية جديدة، اضافة الى أنها ستمنح الجيولوجيين رؤية مباشرة للكوكب بالطريقة، التي يمكن للأشعة السينية ان تقود إلى سرعة اكتشاف المزيد من المعادن الثمينة.
كانت هذه النظرية المثالية برعاية الحكومة فقط، لكنها لم تثمر عن أية نتائج او اكتشافات علمية لتعزيز الوجود لأي من الاحتمالات أعلاه. وفي تموز من العام 1991، عقد اجتماع مجلس العلوم والتكنولوجيا ليتم فيه الاعلان رسميا عن استحالة تحقيق البرنامج، وأصبح طي النسيان.
 
عن موقع راشيا 
بياند هيدلاينز الروسي