قيس قاسم العجرش
خريطة العراق التي تزيّن مكاتب بعض المسؤولين كان الأولى بها أنْ تكون "صمّاء" بلا تفاصيل، مثل تلك التي اعتاد تلاميذ الابتدائيَّة التعامل معها لغرض تعلّم رسم النهرين ومواضع المدن على صفحتها.
الخريطة الصمّاء يجب أنْ تكون صفحة ينثر عليها المسؤول/ الوزير أو غيره، مسؤولياته ومشكلاته أيضاً. فإذا وجد أنَّ المشكلات تتركز في مكانٍ ما دون آخر، فتلك إذنْ مسألة تحتاج الى عملٍ لأجل الحل، أو لأجل تخفيف معنى التمركز هذا.
هذا الشرط اتضح أكثر من أي شيء آخر في الساحة العراقيَّة المحلّية. فالفقر (على سبيل المثال)، لو استوطن في مكانٍ ما دون آخر، فالأمر سيكون مشكلة متمايزة مضافة بمعزلٍ عن مشكلة الفقر نفسها.
ولو أنَّ معدّل توزيع الأراضي السكنية في محافظة ما، انخفض بشكلٍ واضحٍ عن نظيره في المحافظات الأخرى، فهو كذلك سيكون مؤشرًا على مشكلة تنتظر المسؤول، ولن تخبره في كثيرٍ من الأحيان بموعد انفجارها.
وإذا حدث ولاحظنا سوء التوزيع في الدرجات الوظيفيَّة (رغم أنَّ معظمها من جنس البطالة المقنّعة)، فالموضوع سيتحوّل الى نقمة متراكمة في نفوس التوّاقين الى الحصول على مقعدٍ في قطار هذه البطالة، ولن ينفع معهم الجدل بأنها بطالة. لأنَّ العين الجمعيَّة للناس والجموع لا تقرأ ولا تقيس المشكلات إلا بنتائجها، ستدرك فقط حصائلها النهائيَّة. وهي دائمًا ما تكون في معزلٍ عن جدليَّة الأسباب التي قادت إليها.
لا أحد سيرغب في معرفة "السياق المنطقي" الذي ظهرت به هذه المشكلات. مثلما لن يرغب أحد بالاستماع الى مسؤول يقول إنني "ورثت"هذه المشكلات، وإنني أعمل على حلّها، وإنَّ الحل بحاجة الى وقت.
خريطة صمّاء للعراق الجميل، ستساعد المسؤول أنْ ينثر مشكلات مسؤوليته، فيفهم على الأقل ماذا بانتظاره كطبقٍ رئيسٍ يأتي مع المنصب.