صحيح أن كرسي البابا سيجلب الأنظار تلقائيا لكل من يعتليه. لكن البابا فرانسيس، الذي يشغل الكرسي لديه الكثير مما يميزه، فهو أول بابا يولد خارج أوروبا منذ 1300 عام. وهو البابا الأول من القارة الأميركية. وهو البابا الأول الذي يقدم من قبل جماعة (الآباء اليسوعيين). والأهم من هذا كله؛ إنه البابا الأول الذي يزور المنطقة العربيَّة.
البابا فرانسيس، البالغ من العمر 84 عامًا، ولد في الأرجنتين باسم (جورج ماريو بيرغوغليو)، بدأ حياته بممارسة أعمال لم يسبق لأحد من الباباوات أنْ مارسها، فقد عمل حارساً في مطعم، وكذلك مساعدًا في مختبر ملحق بمصنع للمواد الكيمياوية، ثم عمل في تنظيف الأرضيات. وربما هذا ما جعله يترك تماماً استعمال السيارة المخصصة للبابا، والتي كان يستعملها البابا بينيدكتوس (مرسيدس) ذات القبة الزجاجية، لصالح استعمال سيارة عادية من نوع رينو.
واشنطن بوست كتبت عنه مرّة تقول: إنه ليس أكثر ممارسة للسياسة من سابقيه. فهو ما زال يستخدم السياسة في الحوار، وميله الى التبسط ليس أكثر من منهج سياسي.
وكتبت عنه الصحافة الأميركية عن تفاصيل تتعلق بتقشفه الشخصي في المعيشة, في الحقيقة هذا يعود تمامًا الى كونه شخصاً ذا مرجعية تعود الى الآباء اليسوعيين الذين تعودوا أنْ يعيشوا ضمن جماعات تعتمد على بعضها البعض.
ومن نقاط الاختلاف فيه، كتبت يو اس اس توداي، عنه تقول: خلال السبعينيات والثمانينيات، حين عانت الأرجنتين من الانقسام السياسي، كان البابا فرانسيس واحدًا من القادة المجتمعيين الذين رفضوا سلوك الانقساميين الآيديولوجيين، وطرح فكرة لاقت رواجاً وأنصاراً كثيرين وهي تتلخص في إصلاح المجتمع الأرجنتيني الوسيط وما يعاني من أمراض اقتصادية واجتماعية عبر الاهتمام أولاً بالمهمشين وأولئك الذين يعيشون على فتات المدن. رجل الضواحي الفقيرة، كان هذا ما تحدثت به الصحافة الأرجنتينية عن الأسقف بيرغوغليو (قبل أنْ يصبح بابا للفاتيكان).
كتبت عنه مرة نيويورك تايمز تقول: إنَّ البابا فرانسيس وسياساته القريبة من الفقراء قد لا يغير العالم، لكنه بالتأكيد سيغير الكنيسة الكاثوليكيَّة. آراؤه المعتدلة مع قضايا الهجرة (البابا نفسه هو ابن مهاجر أرجنتيني)، ومع قضايا التغير المناخي (وهي القضية التي يحاربها المحافظون بوصفها شأناً من شؤون السماء لا أحد يستطيع التدخل فيه، لكنَّ القراءات العلميَّة تقول إنَّ التغير المناخي سببه التلوث)، كان البابا فرانسيس له السبق بالوقوف موقفًا علميًا إزاء مثل هذه القضايا. وربما يكون موقفاً غير مسبوق.
أسهم البابا فرانسي في ترسيم 14 كاردينالاً وفق مفاهيم تحدد مسيرتهم بين الناس، وهم على وجه الدقة، نسخة من سلوكه الشخصي والوظيفي. هذا يعني أنَّ نصف مجمع الكرادلة بالتراكم قد صار يحوي أعضاءً يشبهون الى حدٍ كبير سلوك وأفكار البابا فرانسيس. ولنتذكر أنهم هم المسؤولون عن اختيار البابا القادم.
أما الموقف الأخير من جائحة فيروس كورونا فهو الموقف الأكثر جرأة على الإطلاق، إذ دعا مباشرة الى تعضيد البحث العلمي، بوصفه من سينقذ البشرية في النهاية، أي إنَّ البابا يدعو عملياً الى "العمل"، بدلاً من الركون الى"الدعاء والصلاة". حسب الصحافة الفرنسيَّة.