متابعة: الصباح
لا أحد يبدو اليوم بموقف من يمتلك حلا عقلانيًا للصراع الدائر في سوريا. لا أحد يمتلك المفاتيح، بل يمكن القول بقوة إنه لا توجد مفاتيح بالأصل. ولا أحد يمكن له أن يرسمَ خطوطا على الأرض، لفصل ما هو سوري عما هو ممتد بجذره الى الأزمات المستعرة في المنطقة.
لكنَّ معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يسجل آراءً مهمة، أحلاها يبدو مؤلمًا للأميركيين، وللسياسة الأميركية في عمومها.
الأول، هو رأي السفير جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص السابق لسوريا، والسفير السابق في العراق وتركيا، الذي يقول: لقد وجهت انتقاداتي للسياسة التي كانت تبدو متسقة للغاية، والتي كانت تنتهجها الولايات المتحدة إزاء سوريا خلال عهد الرئيس أوباما وكذلك خلال أول سنتين من عهد الرئيس ترامب. إنَّ الصراع في سوريا، هو في الحقيقة مرحلة انتقالية بين ما كنا ننظر إليه دائماً كصراع محلي، وانتهى باتفاق الطائف عام 1989، والتداخل بالشأن اللبناني. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما ننظر إليه كصراعٍ بين دولة ودولة، على سبيل المثال ما سبق أنْ حصل في أفغانستان، ومؤخرًا بين أرمينيا وآذربيجان بشأن ناكورنوكاراباخ. إنَّ هناك خللاً في هذه القراءة، فالصراعات لا تستنسخ، وبالتالي ستتنوع وسائل السعي الى حلّها. إنَّ الولايات المتحدة لم تواجه فقط بفشل في السياسة الأميركيَّة تجاه هذا الصراع، إنما كان لديها شحّ في التصورات. إنَّ كلا الإدارتين (أوباما وترامب) فشلتا في النظر الى الصراع في سوريا خارج مفاهيم الصراع التقليدي الذي تنظر إليه الولايات المتحدة في الصومال مثلاً. ولم يكن هناك فهم بأنَّ الجيوستراتيجيَّة السياسيَّة في الشرق الاوسط قد تغيرت تماماً عما هي الحال عليه قبل أربعين عاماً.
الرأي الثاني تمثله د.بسمة قضماني، عضوة المجلس الوطني السوري المشكل بتدخل دولي، والذي يرأسه برهان غليون. لا شك في أنَّ للصراع داخل الأسرة أهميته، إذ إنه يدل على انهيار إحدى أهم الصفقات التي سمحت لبشار الأسد بتكريس وتعزيز سلطته في بداية حكمه، وهي الصفقة داخل الأسرة. أذكر تمامًا كيف كان التوتر عاليًا جدًا داخل الأسرة، وكان أشد من الخلافات مع أجهزة الدولة.
أما الأسرة فقد كانت مختلف الأطراف تسعى إلى وضع يدها على جزءٍ من السلطة، في محاولة لاستغلال ضعف رئاسة بشار وقلة خبرته. لكنه لم يستحمل وجود رجال أقوياء من حوله (من أمثال آصف شوكت أو من رفاق أبيه القدماء)، يطمحون إلى السيطرة على أجهزة أو مؤسسات تشكل مصدر سلطة؛ فراح يتنازل لآل مخلوف أي لخاله محمد ولأولاده عن جزءٍ كبيرٍ من الثروة، مقابل دعمهم في تمكينه للتحكم في الأمن والسياسة الخارجيَّة. إنَّ هذا العقد الأسري يتفكك اليوم مثل ما تتفكك البنية الأمنيَّة التي لم تكن لتصمد، لولا الدعم الخارجي.