من بئر ماء الى مخفرٍ للشرطة ..بصية.. موطن النباتات النادرة

ريبورتاج 2021/03/16
...

  احمد الفرطوسي

لا يوجد رأي قاطع حول سبب تسمية بصية بهذا الاسم، فقد كانت بصية قبل أن تكون مخفراً للشرطة سنة 1927، بئر ماء قديمة ورد ذكرها في كتاب الفتوحات الاسلامية، وهي محطة لقوافل القبائل العربية القادمة من نجد الى مدن العراق الجنوبية بقصد التبضع والاكتيال، بصية التي تقع شرق قضاء السلمان بمسافة 200كم وهي ناحية تابعة للقضاء، تقع على وادٍ رملي بعمق 6 - 7 امتار وتليه طبقة حجرية تحجب تسرب المياه الى طبقات الأرض السفلى، في جنوب العراق، وتابعة ادارياً لمحافظة المثنى وتقدر المساحة الاجمالية للناحية بـ (24532)كم2 ويحد بصية من الشرق قضاء الزبير ومن الشمال قضاء الناصرية وسوق الشيوخ، أما قضاء السماوة والخضر فيحدانها من جهة الشمال الغربي ويحدها من الغرب قضاء السلمان، وتحد ناحية بصية من الجنوب حدود العراق الدولية مع المملكة العربية السعودية ومن الجنوب الشرقي دولة الكويت.

تغير نفوسها بحسب الفصول
تبلغ مساحة محافظة المثنى الاجمالية (51740) كم2 وبذلك فان مساحة ناحية بصية تمثل 48 % من مساحة المحافظة، وتمثل 6 % من المساحة الاجمالية للبلد الذي تبلغ مساحته (435052) كم2، اضافة الى وفرة آبار المياه القديمة فيها، هذه القرية العراقية المنسية التي تتوسد كثبان الرمال وهي تفتح عينيها، على العراق ارض الخير والنماء وعلى ارض الجزيرة ارض النبوة ومهبط الوحي والمكرمات، كما يصفها الباحث الراحل عبد الجبار بجاي الزهوي، كانت ولا تزال بالنسبة لي اشبه بالاحجية في كل شيء، في طبيعتها المتنوعة الغنية وحجم سكانها الذي يتغير مع تغير الفصول، واحلام اهلها الطيبين البسيطة التي لا تتعدى ربط ناحيتهم بالعالم الخارجي بـ (طريق مكتمل) وتحسين الخدمات الصحية والماء الصالح للشرب وتطوير شبكة الكهرباء، وعيونهم ترنو الى من يرفع الحيف عنها بعد سنين طوال من النسيان، كأنها لم تكن في يوم من الايام جزءاً عزيزاً من جسد هذه المدينة، "الصباح" كانت هناك لتجري هذا التحقيق عن بصية. 
 
طوبوغرافية بصية
يقول مدير ناحية بصية توفيق جابر علك "بالنظر لوقوع ناحية بصية والهضبة الصحراوية على حافة جبل كوندنالند التاريخي قبل انحسار بحر (تتش) الذي كان يغطيها بالكامل، فقد كانت الحركات الأرضية تتمثل بظاهرة غمر البحر له فترة من الزمن وانسحابه في فترة أخرى، بحيث غطته طبقات عديدة من الصخور الرسوبية تعود لعصور مختلفة، وفي الفترات التي تشتد بها الحركات الأرضية والضغط الجانبي من الشمال يزداد الجرف والترسبات الى قاع بحر (تتش)، والدبدبة هي الجزء الأهم من حيث مكونات وطبوغرافية أرض ناحية بصية التي تمتد من المركز وحتى الأراضي الكويتية والسعودية، اذ تقسم ناحية بصية من حيث التركيب الطبوغرافي الى قسمين، هما صحراء الحجارة وصحراء الدبدبة، ويعد وادي بصية (لويحظ) هو الحد الفاصل بين الصحراوين وتتميز أرض الحجارة بكثرة الصخور والحجارة ذات الحافات الحادة وتقع في جنوب الهضبة الصحراوية للبلد الى الغرب من المركز وتسمى محليا بالبادية الجنوبية، وتحدها من الشمال منطقة الوديان، ومن الشرق خط ارتفاع (300متر)، أما صحراء الدبدبة فتقع في أقصى الجنوب الشرقي من الهضبة الصحراوية وهي التي تلي وادي بصية مباشرة باتجاه جنوب شرق الناحية، وهي منطقة منبسطة تغطي سطحها الحصى والرمال التي جلبتها الرياح والوديان من الصحراء المجاورة، وقد تكون الحصى نتيجة تفتت أحجار الكوارتز وتوجد فيها وديان قليلة تصرفها نحو الشمال الشرقي، ومن أهمها وادي الباطن العميق الواسع والمحاط بحافات عالية ووادي بصية (لويحظ) وتنتشر في هذه المنطقة كثبان رملية تمتد باتجاه شمال شرقي- جنوبي غربي تقريبا".
 
مهددة بالانقراض
بينما قال احمد حمدان الجشعمي من (تجمع حماية البيئة والتنوع البايولوجي) لـ"الصباح" ان "بادية بصية وتحديدا منطقة الدبدبة تحوي أكثر من (350) نوعا من النباتات النادرة التي قل نظيرها أو انعدم في أغلب الصحارى العربية، ناهيك عن الأعشاب الأخرى التي لم تندرج ضمن النباتات النادرة والتي تمثل الغطاء البيئي لعموم البادية في فترات الانبات، وان نبات الغضا أو ما يسمى بشجرة الغضا تعد من الأشجار النادرة التي اندثر وجودها في كل صحارى العالم تقريبا، وبقيت باديتنا تتمسك بالمساحات القليلة منها نتيجة القطع الجائر من بعض الأشخاص الذين يأتون من المحافظات القريبة لبيعه في أسواقها، اذ ان للنبات قيمة مادية كبيرة، لعطره الزكي وتدفئته العالية وتاريخه، اذ تغنى به الكثير من شعراء العرب قديما ويكفي أن مالك بن الريب التميمي صاحب المرثية ولد في وادي الغضا شرق مركز الناحية بـ(28) كم، أما الحيوانات التي تزخر بها بادية بصية بعد أن انقرض طائر النعام عن ربوعها سنة 1954 وشوهد آخر قطعان الغزلان وهي ترد ماء بصية سنة 1973، فتتواجد الآن الذئاب والضباع والثعالب والقطط البرية والدعالج والقنافذ وأنواع كثيرة من السحالي، اشهرها الضب والأرول، والصقور والشواهين والسنور والحبارى وطائر القطا والحمام البري والأرانب والأفاعي وأنواع هائلة من الخنافس والحشرات البرية، كل هذه الحيوانات تتعرض للصيد الجائر والعبثية في التعامل من قبل الناس والعرب الرحل وطوارق الصحراء من سكان المدن والسياح العرب بقصد الصيد أو اللهو والعبث أو للاستشفاء من الأمراض أو دفاعا عن النفس".
 
استثمار ومحميات طبيعية
ويضيف الجشعمي "ان البادية زاخرة بالفيضات والمناطق السياحية والمناطق الرعوية الشاسعة، مثل ابو غار وشبجة وهدلة وطويفحة وعيون نعمة وغيرها، وهي تزخر بشجيرات السدر البري، التي تقلصت أعدادها للأسف الشديد، بسبب قطعها لغرض استخدامها كحطب".
مبيناً "ان البادية تشتهر بالعديد من الأعشاب الطبية النادرة كشجرة الرين وشجرة القبى وشجرة الجعد وشجرة العلندة، وهذه النباتات دخلت الآن في مجالات الطب".
منوهاً بأن "النباتات الموجودة في بادية المثنى ربما تكون نادرة، وهي تحوي أكثر من 350 نوعا من النباتات النادرة الموجودة فيها، اذ ان استخداماتها الآن مازالت بدائية لا ترتقي إلى مستوى الطموح، وان الأهالي يستخدمون هذه الشجيرات وهذه الاعشاب في التداوي، لاسيما في ناحية بصية وقضاء السلمان"، داعيا الجهات المعنية الى ضرورة ادراج هذه الفيضات والوديان والعيون على لائحة التراث العالمي والتحرك لجعلها محميات طبيعية بهدف الاستفادة منها سياحيا وعلميا من قبل جامعات العراق، لغرض الدراسات والتجارب والبحوث العلمية.
 
طموح بصية الكبير
المواطن ناصر صعيوي الغليظاوي يقول: "ان الناحية حصلت على محطة لتحلية المياه R-O عن طريق قوات الدفاع الذاتي اليابانية، بالرغم من صغر حجمها وعدم كفايتها واستحداث ثانوية بصية، اضافة الى مشروع محطة التناضح العكسي"، وزاد "ان كان الأمر يتعلق بالطموح أو بالتمني فلأبناء بصية طموحهم الكبير في ربط مدينتهم النائية بطريق معبَّد الى محافظتهم، كون الطريق الحالي لم يصل الى مركز الناحية بسبب قلة التخصيصات المالية بحسب الجهات ذات العلاقة، وكذلك يأملون باعادة الدوائر الملغاة في الناحية الى العمل كالمراعي الطبيعية وصيانة الآبار الجوفية والاتصالات والأنواء الجوية ومكافحة التصحر والدفاع المدني والشعبة الزراعية، اذ تستطيع اعادة هذه الدوائر للعمل احتواء عدد لا بأس به من البطالة المتفشية بين أبناء الناحية".
 
السياحة والكمأ
ويضيف الغليظاوي "تشهد البادية بصورة عامة و بصية خاصة توافد اعداد كبيرة من المواطنين واسرهم ومواشيهم لكثرة الامطار واخضرار اماكن شاسعة، اضافة الى جمع الكمأ الذي تشتهر به محافظة المثنى وباديتها، اذ توجد في الناحية علوة لبيع الكمأ وتسويقه الى جميع المحافظات العراقية ودول الجوار"، مستدركاً "الا ان هنالك عبثا من البعض بأشجار الغضا التي يبيعونها لمقاهي الاركيلة، لاستخدامها كفحم، بالاضافة الى انقراض بعض النباتات النادرة".