التفرقة بين الأبناء.. {عقدة} طفولة لا يعالجها الزمن

ريبورتاج 2021/03/16
...

  عواطف مدلول
 
  بالرغم من أنها باتت تعيش حياة (الجدة) في السنوات الاخيرة، كونها أماً لثلاثة اولاد متزوجين، ولديهم ابناء، لكن نسرين ما زالت تعاني (عقدة) التفرقة بينها وبين اخوتها الاصغر منها، ولطالما تألمت من ذلك الاحساس الذي رافقها منذ الطفولة، ولم تفلح كل المساعي التي بذلتها لكي تجذب والديها إليها، وتنال محبتهم ورضاهم كبقية اخوتها الثمانية، فلكل واحد منهم مكانة خاصة تجعله منفرداً بها داخل الاسرة، لذا تصف نفسها بأنها (غير محظوظة). 

درس قاسٍ
تؤكد نسرين (أم احمد) أنها اجتهدت في كثير من المواقف الايجابية لصالح اهلها، وخاصة والديها، لانتزاع ولو جزء من اهتمامهما، إلا انها في النهاية دائماً تجد نفسها في آخر القائمة اثناء التقييم، وحتى بعد مرور هذا العمر بقيت تتلقى المعاملة نفسها مع انها البنت البكر، ويفترض ان تتمتع بالنسبة الاكبر من المحبة والود، لكن هذا لم يحصل، وتضيف: "تعلمت من ذلك الدرس القاسي وعاملت اولادي بمستوى واحد، وحرصت على مراعاة مشاعرهم جميعا، فكلهم مقربون لي ولم اهمل احدهم على حساب الاخر".
على العكس تماما يرى نجم جاسم ان البنت او الولد الاول في الاسرة، وكذلك الاصغر (اخر العنقود)، هو المفضل والمدلل وله الاولوية، لكن الابن الاوسط عادة ما يكون بالدرجة الثانية. 
 
اذ يقول: "كنت دوما اشعر بنوع من الغبن لان والدي -رحمه الله- لم يكن منصفا في تحقيق المساواة بيني وبين بعض اخوتي، وهذا ما تسبب في إحداث شرخ كبير في علاقتي معهم، خلف مشكلات وازمات ادت الى نشوب فراق وبُعد ابدي، اذ  انقطعت صلة الرحم بيننا، وتجاوزت مع الكبر بالسن تلك المشكلة وتغلبت عليها بعدما اسست لنفسي منزلة بالمجتمع حالي حالهم، بل وربما احسن منهم".
 
الأسر الصغيرة
يجد نور سامي، وهو اب لولدين، ان في الاسر الكبيرة السابقة كانت هناك تفرقة بشكل واضح وصريح يعلن عنها الاباء والامهات من دون مراعاة لمشاعر بقية الابناء من خلال سلوكهم وكذلك كلامهم، الآن الوضع تغير لان الأسر صارت صغيرة والرعاية والعطاء يمنحان لجميع الافراد من دون استثناء.
في حين ترى رشا عبد الله ان التفرقة ما زالت موجودة بين البنات والاولاد في اغلب الاسر العراقية، اذ ان الولد هو المرغوب مهما تغير الزمن إلا ما ندر، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها وتعترف انها كانت الاقرب الى قلب والديها، وهذا ما انعكس على وضعها بالاسرة والمجتمع، وعمل على صقل وبناء شخصيتها القوية، وبالمقابل اثر في تفاقم الخلافات بسبب الغيرة مع بعض اخوتها، ولكن البعض الاخر منهم يعشق هذا التميز الذي حصلت عليه ولا يرفضه، ولم يؤثر في نفسيته وحياته بالمستقبل.
 
الابن البكر
تفسر المختصة بعلم النفس في جامعة بغداد آية احمد، قائلة "في حالة كانت التفرقة تأتي من الام، فان التأثير يكون بشكل اكبر في الطفل، لان اول علاقة اجتماعية في حياته هي علاقته بوالدته كونها تشبع حاجاته الاولية المباشرة، وعادة في مرحلة النمو عندما تبنى لديه الادراكات سوف يلاحظ تغير سلوك أمه معه، فيظهر عنده انفعال الغيرة، إذا كان هو البكر وجاء طفل اصغر منه واخذ منه كل الاهتمام، كل ذلك سوف يتسبب في ان يقوم الطفل بسلوك عدواني تجاه الاصغر منه، او يلجأ الى الارتداد فيؤدي حركات اصغر من سنه، مثل الكلام الطفولي والتبول اللاارادي والصراخ لأسباب تافهة حتى يجذب الانتباه له".
 
الكذب الادعائي
وتضيف آية احمد "ان استمرار الام بعدم اشباع حاجات ابنها حاليا، سواء كان يريد أكلا او اهتماما او لعبا، وانصرافها عنه للاهتمام بالاصغر منه سيفقده الثقة بنفسه وبالاخرين، ويتخذ العدوان الوسيلة للتعبير عن ذاته، وفي المرحلة التي يبدأ بها بتعلم المعايير الاجتماعية ولكي يحصل على رضا واهتمام الوالدين سوف يضحي برغباته الخاصة، ويظهر عنده الشعور بالحرمان والنقص وعدم الكفاءة، فيلجأ لتعويض ذلك بالكذب الادعائي حتى يبين للاهل مظاهر القوة والسيطرة والمبالغة كل ذلك في سبيل جذب الاهتمام".
 
علاقة متوترة
وتحدد آية بعض الاسباب التي تكون وراء التفرقة داخل الاسرة الواحدة، ومنها توتر العلاقة بين الام والاب، جراء الضغوط النفسية او المشكلات، و بهكذا حالة فالام لا تستطيع مراعاة شخصية الطفل، خاصة ان شخصية كل واحد منهم تختلف عن الاخر، فمثلا لا يمكنها أن تتعامل مع المشاغب مثل الهادئ، وبالتالي الاخير لا يجعلها تركز عليه اكثر لانه غير متعب، وبالنتيجة فالمشاغب هو الذي سوف يشعر بالتفرقة ويتساءل بينه وبين نفسه لماذا انا اتعرض للغضب دوما؟، فيجب أن توازن في ردة فعلها تجاه تصرفاتهم، وتفهم طبيعة اختلاف كل شخصية عن الاخرى، واحيانا تحصل التفرقة عندما تعاني علاقة الزوجين من عدم الانسجام وتتحول مع انجاب طفل جديد نحو التحسن في تلك الفترة، وتلقائيا سوف تميل الام او الاب الى هذا الطفل، ويعدانه النهاية والحل لمشكلاتهم الشخصية، فمعه تغيرت الامور لذا يمنحانه حباً اكبر.
 
الحلقة الأضعف
وتبين آية احمد "لكي لا يصل الزوجان الى مرحلة التفرقة بين ابنائهما ينبغي أن يكون لديهما وعي كامل وادراك تام بطريقة تربية الاطفال قبل الارتباط، والشيء الاهم الذي يخفف من حدة الغيرة بين الاولاد هو اشراك الكبير بمسؤولية تربية الصغير من خلال المساهمة بتحضير ملابسه او العناية بهندامه وشكله، حينها سوف يصبح اكثر حنانا وحبا لأخيه الاصغر بدلا من احساسه بأنه اقل منه في الاهمية". 
وتختتم موضحة: "ان التفرقة آثارها في الغالب تكون سلبية، لان الشخص الذي تعرض للحرمان يعد هو الحلقة الاضعف بين اخوته، حتى إن كبر ونجح ونال مركزا وسلطة كي يثبت نفسه تبقى معاناته داخلية، لذا عليه الا يقع فريسة العقد النفسية، ويعالج نفسه بالتقبل للخروج من دائرة الالم، وهناك طرق عدة للحماية من التفرقة من جهة الاباء ينصح بها علم النفس، لكن من جهة الابن فبرأيي أن بيده الحل، ولكي يصلح نفسه عليه أن يتجاوز ويعد ما حصل معه مرحلة مرت وانتهت".