غابات الموصل تعود للحياة مجدداً

ريبورتاج 2021/03/18
...

   شروق ماهر
هي احد ابرز المتنفسات السياحية الجميلة لسكان مدينة الموصل، والتي أنشئت في الساحل الأيسر لمدينة الموصل، وسميت في حينها (غابة الحدباء النموذجية) عام 1954، وتقع على مساحة (10) دونمات، اذ أنشئ مشتل محدود لإنتاج شتلات أشجار الغابات واستمر العمل فيه حتى عام 1955، وتم تشجير حوالي (200) دونم على الضفة الشرقية لنهر دجلة في الجهة الشمالية للمدينة، وتوسعت على مراحل إلى أن وصلت إلى مساحة (900) دونم، وزراعة أنواع مختلفة من الأشجار مثل (اليوكاليبتوس والاسبندر والجنار والدردار والصنوبر) وغيرها من الأنواع والأصناف التي تلائم الظروف البيئية للمدينة.

لقد كانت هذه الغابة في أحسن حالاتها حتى أواسط الثمانينيات من القرن العشرين، عندما تم استقطاع بعض المساحات منها لإقامة بعض المنشآت، مثل مقتربات الجسر الثالث والخامس، وكذلك فندق نينوى الدولي ومجمع السدير ومجمع القرية السياحية، وتوسيع الطريق الرئيس على حساب الغابة، وإنشاء مجموعة كبيرة من الكازينوهات والمطاعم والقاعات وغيرها.
 
داعش والحرق
حولت عصابات داعش الارهابية اثر احتلالها وسيطرتها على مدينة الموصل في العاشر من حزيران 2014، غابات الموصل الواقعة على ضفاف دجلة وجميع مواقعها السياحية الى ثكنات عسكرية، بعدما اقدمت تلك العصابات الاجرامية على حرق الاشجار وتفجير اجزاء كبيرة من الدور السياحية في مجمع السدير السياحي والجزيرة السياحية والقرية السياحية والكازينوهات ايضا، اذ كانت تعمل عناصر عصابات داعش الاجرامية على نقل الاسلحة والمعدات العسكرية التابعة لهم الى داخل المواقع السياحية في غابات الموصل وبعد انسحابهم من الغابات عشية تحرير الموصل من قبل القوات الامنية العراقية البطلة، اقدمت عصابات داعش على فعل حريق ضخم في غابات الموصل، حتى انه غطى أرض الغابات الواقعة على الضفة اليسرى من نهر دجلة، وسبب اضرارا وحرق اكثر من (500) شجرة موزعة في عموم الغابات، ما غير حينها من معالم غابات الموصل، اذ خيم الحزن في وقتها على اهالي الموصل الذين فقدوا هذا المتنفس الذي كان يقصده الموصليون يوميا للتمتع باجواء الغابات، فضلا عن السائحين من باقي المحافظات العراقية.
 
الباحثون عن الحطب
قال علي حاتم (44 عاماً)، احد المقيمين منذ عام  2012 في غابات الموصل وهو صاحب كازينو (ليالي الموصل) في تصريح لـ"الصباح" ان  "مدينة الموصل عرفت بجمال اجوائها الربيعية وغاباتها السياحية، وهي ابرز متنفس لها، ومحطة استراحة للاسر الموصلية وزوارها من المحافظات الاخرى، وقد عادت اليوم من جديد بعد أن طالها الاهمال مثلما طال اشجارها، اضافة الى العبث بها من الباحثين عن الحطب ابان سيطرة داعش على اغلب اجزاء محافظة نينوى، اذ بدأت الجهود لإعادتها الى ما كانت عليه في سابق عهدها".
واضاف حاتم ان "غابات الموصل اعيدت اليوم بحلتها الجديدة التي غابت منذ ما يقارب الخمسة اعوام، اذ شهدت دمارا لطبيعتها الجميلة وقلة السائحين لها بسبب ما خلفته عصابات داعش، الا ان الحكومة المحلية استطاعت أن تعيد اعمار شكلها السياحي، وافتتاح اكثر من عشرة مواقع سياحية جديدة، لتساعد في تطورها السياحي من خلال اضافة العاب جديدة وبناء مرافق سياحية متطورة يقصدها الموصليون في كل ليلة وفي ايام العطل والمناسبات، ولاقامة الحفلات واحياء المناسبات التي غيبت هي الاخرى طيلة فترة سيطرة عصابات داعش الارهابية على غابات الموصل".
 
محطة استراحة
يمتد شارع منطقة الغابات في الموصل على طول ضفة نهر دجلة من الجانب الأيسر للمدينة بطول ستة كيلومترات، وتنتشر فيه المقاهي والمطاعم والالعاب والمتنزهات على جانبي الطريق.
عادل مجدي، شاب موصلي يتجه يوميا بعد انتهائه من عمله مع اصدقائه إلى منطقة الغابات، وهي اهم فترة ذهبية له، اذ يؤكد بانه "لا استطيع أن الغي برنامجي اليومي وهو الذهاب الى غابات الموصل في كل الفصول، ومهما كانت قسوة البرد  احضر مع اصدقائي بعد انتهاء اعمالهم، لنواصل لعب الدومينو وغيرها من الالعاب الاخرى، فضلا عن تدخين الأركيلة مع الاصدقاء".
وبيّن لنا مجدي في حديث لـ"الصباح" بأن "هذه الطقوس كانت مجرد حلم لاي شاب موصلي يحاول او يفكر في الذهاب الى منطقة غابات الموصل خلال احتلال عصابات داعش لمدينة الموصل، اذ كان يعاقب حينها بالاعدام من قبل "الحسبة" وهم عناصر كانوا منتشرين في كل مكان سياحي، للاعتداء على اي اسرة تفكر بالذهاب الى غابات الموصل او اي موقع سياحي آخر، اذ حولوها الى ثكنات عسكرية يصعب على المواطنين دخولها، بسبب الاسلحة الموجودة داخل هذه الغابات، والتي بسببها تم حرمان الموصليين لسنوات من الاستمتاع بجمال مدينتهم، اذ كان يحلم الشاب الموصلي والاسر الموصلية بزيارتها مجددا".
 
مشاريع استثمارية
بدوره اكد مدير بلدية نينوى المهندس رضوان الشهواني  قيام مشاريع استثمارية جديدة خلال الايام المقبلة، وقال الشهواني في تصريح لـ"الصباح" ان "بلدية الموصل وبالتعاون مع هيئة السياحة في محافظة نينوى، تعتزم اقامة مشاريع سياحية ذات طراز حديث داخل غابات الموصل، وذلك لاعادة الحياة السياحية في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى".
واضاف الشهواني "ان الملاكات الهندسية والفنية في بلدية الموصل انتهت بالكامل منذ اكثر من عام من رفع الانقاض التي خلفتها عصابات داعش، واعادة ترميم اكثر من 30 كازينو وكافتريا سياحية، ومواقع سياحية تقع في غابات الموصل، مع اعادة الاكشاك وصالات الالعاب واعمار المجمعات السياحية ومدينة الالعاب الكبيرة، لانعاش السياحة في ام الربيعين بعد أن غيبت عنها وعن سكانها".
 
"نفس للمستقبل"
وقال محافظ نينوى نجم عبد الله الجبوري لـ"الصباح" ان "الحكومة المحلية في محافظة نينوى تسلمت من قبل الحكومة التركية نحو 250 شجرة خلال انطلاق حملة التشجير الكبرى في محافظة نينوى، بحضور القنصل التركي، وذلك من خلال زراعة 250 ألف شجرة في مدينة الموصل تحت شعار "نفس للمستقبل"، وكانت ضمن احتفالية نظمتها مديرية بلدية الموصل في مشتل البلدية، و حضرها القنصل التركي ورؤساء الجامعات والسادة المسؤولون في محافظة نينوى، وتم  خلالها تشجير غابات الموصل، التي ستسهم بتحسين بيئة المدينة بشكل كبير، وإعطاء مساحة خضراء واسعة، فضلا عن زراعة روح الاطمئنان والامن والاستقرار التي تشهدها مدينة الموصل، واعادة جمال غاباتها والاشجار اليها بعد أن اقدمت عصابات داعش على حرق اغلب اشجار الزينة في غابات الموصل".
 
الأجواء الربيعية
وتحدثت السيدة منتهى فاضل (50 عاماً) "عودة جمال الغابات السياحية لمدينة الموصل تعكس عودة الحياة بربيعها الجميل واشجارها مجددا لتحكي عن جمال جديد هنا في غابات الموصل التي يقصدها الموصليون منذ شروق الشمس وحتى غيابها، على انغام اغاني فيروز الصباحية، هنا في هذه الكازينوهات المطلة على ضفاف نهر دجلة واجوائها الخلابة ليلا، التي تجمع الاسر الموصلية".
بينما أكدت زينة حامد (61 عاما) بانها لم تنقطع عن زيارة الغابات مع ابنائها الا في فترة سيطرة داعش عليها، وتقول بان غابات الموصل اجمل ما خلق الله على الارض، وهي المتنفس الوحيد لها،  عندما تكون غاضبة من متاعب الحياة، تأتي الى هنا لتعيد نشاط وجمال روحها بانتعاش الهواء الجميل والمناظر الخلابة، حيث اعتاد أن يخرج الموصليون للسياحة والتمتع بهذه الاجواء الجميلة.
 
حملات التشجير
وكان قائممقام مدينة الموصل زهير الاعرجي قد اعلن الاسبوع الماضي عن حملة جديدة لزراعة اشجار بدلاً عن الاشجار التي تضررت خلال  الحرائق التي طالت غابات الموصل العام الماضي، وبالتعاون مع الفرق التطوعية والناشطين للمساهمة بزرع هذه الاشجار في منطقة غابات الموصل.
اذ اكد الاعرجي بان "غابات الموصل قد تعرضت الى الكثير من الاضرار على يد داعش واثناء عملية التحرير، وستعود الحياة اليها، ولا يمكن التفريط بشبر من هذا المكان الجميل، اذ تعد غابات الموصل من ابرز الاماكن السياحية والترفيهية الجميلة لدى الموصليين".