نساء أفريقيا بين سلطة الرجال والتعاليم المتخلّفة

بانوراما 2021/03/22
...

  آن كيدموس
 
  ترجمة: بهاء سلمان
كانت خديجة كاياندا منشغلة بتوجهها لإنجاب طفل جديد ووظيفة واعدة، حينما شرعت أم زوجها بالتخطيط لحملة لإنهاء زواجها، كانت خديجة قد انتقلت الى تنزانيا المجاورة لبلدها الأم، كينيا، قبل عدة سنوات، وتزوجت من رجل تنزاني وتابعت عملها كسكرتيرة لدى إحدى منظمات الصحة المجتمعية، بيد أن حماتها لم تكن مرتاحة لهذا الوضع.
 
«كانت حماتي قلقة لكوني متعلّمة،» تقول خديجة، بصوت رخيم وعاطفي، وتتابع: «في المجتمعات المتشددة، يعتقد البعض بعدم إمكانية تفوّق المرأة على الرجل من ناحية التعليم، بالتالي ينبغي إرجاع المرأة إلى الوراء».
 
تكالب جماعي
اتّخذ كل من زوجها ورجل دين محلي جانب حماتها، التي كانت ترى أن خديجة ليست مناسبة للعب دور الزوجة. وبعد سنوات من جهاد كبير خاضته الزوجة المظلومة للاحتفاظ بوظيفتها وزواجها، استسلمت أخيرا سنة 2013 للأمر الواقع. ومع انفصالها عن زوجها، تساءلت عن عدد النساء اللاتي عانين من أحوال مشابهة.
بعد مرور أكثر من سبع سنوات على طلاقها، ترأس خديجة، 41 عاما، حركة تدعم حقوق المرأة، وتشجع النساء على مواصلة طموحهن بامتلاك وظيفة. وبتأسيسها سنة 2016، تضم منظمة خديجة، واسمها «مبادرات الحجاب الوردي»، نحو 800 عضو داخل تنزانيا. وتحضر ثلاثمئة إمرأة بانتظام حلقات دراسية تخص كيفية تنمية أعمالهن التجارية، كما تعمل المنظمة أيضا على تأسيس نشاطات تجلب دخولا مالية للنساء، وتوزع مناديل صحية، التي غالبا ما تكون غير متوفرة للفتيات، على 1500 شابة بمنطقة تقع جنوب العاصمة التنزانية دار السلام.
وتمكنت خديجة مؤخرا من توظيف 25 إمرأة في بيمبا، جزيرة تقع قبالة الساحل التنزاني، للمباشرة بإنتاج نبتة خاصة تستخدم في تصنيع مواد التجميل تؤخذ من الأعشاب البحرية. ومع طلاقهن وعدم وجود عمل، تركت النسوة بلا معيل يوفر لأطفالهن سبل العيش. وبعض حالات الطلاق داخل المجتمعات، لا تتلقى النساء أي شيء بعد تسوية الأمور داخل المحكمة.
تقول خديجة: «يتم إهمال شؤون النساء لأنهن لا يملكن منبرا يتحدث لصالحهن ولصالح حقوقهن». طاولة خديجة مغطاة بالأوراق، وتزيح أكداسا منها لتظهر القرآن الكريم؛ وبارتدائها حجابا أحمر اللون، وفستانا محتشما، تجسد خديجة في الوقت نفسه المرأة المسلمة التقية والمدافعة الصلبة عن حقوق النساء.
 
أفكار صائبة
وبينما ترى خديجة أن القرآن يدعم حقوق النساء، فهي تواجه معارضة من التفسيرات الأكثر تشددا للدين. ووفقا لناتانا ديلونغ باس، استاذ اللاهوت بجامعة بوسطن، والذي أجرى بحثا مكثفا حول الشريعة وحقوق النساء والرجال، فإن تحليلات خديجة المستقاة من القرآن تعد دقيقة، يقول باس موضحا: «نظريا، للرجال وللنساء حقوق متساوية عند الطلاق، وتمت حماية تلك الحقوق من قبل الشريعة الإسلامية، لكن عند التطبيق، يتجاوز نظام السلطة الذكورية على تلك الشريعة».
ومع تزايد عدد النساء المتعلّمات للقرآن، وتحدي التفسيرات الذكورية التوجه، بدأت الأمور بالتغير بشكل بطيء، وفي تنزانيا ذات الغالبية المسلمة من سكانها، تعد خديجة واحدة من نساء قلائل يعملن بشكل علني على مواجهة الصور النمطية لما يجب أن تكون عليه المرأة والزوجة. تقول تشيكو ماريام سيمفوكو، الباحثة لدى منظمة العمل الدولية في العاصمة دار السلام: «هناك مفهوم داخل تنزانيا بأن المرأة لا تصلح للقيادة أو الأعمال التجارية الناجحة، وتسعى خديجة لربط النساء المرتبطات بمصالح تجارية صغيرة مع شركاء أعمال تجارية ذات خبرة، وهذا النوع من الإرشاد يعد تقدما حاسما».
ومع ذلك، تبقى القواعد المجتمعية عائقا لمنظمة خديجة؛ فمن خلال تقييدهن بواجب الزوجات المهتمات بالأطفال فقط، لا تدرك الكثير من النساء ماهية حقوقهن، والتغيير الحقيقي سيحتاج بدءا وقبل كل شيء إلى عقلية جديدة، بحسب سيمفوكو: «يحتاج المجتمع الى تفّهم إستطاعة النساء المساهمة في النشاطات الإقتصادية وتكوين أسرة في الوقت نفسه». وأظهر مسح أجري سنة 2014 من قبل مكتب الإحصاء الوطني لتنزانيا، بلغت نسبة النساء في سوق القطاع الخاص 28 بالمئة فقط.
 
صعوبات حياتيّة
وتعلم خديجة مدى صعوبة وضع المرأة في منطقة شرق أفريقيا. وعندما أكملت دراستها الإعدادية سنة 1998، إشترى لها والدها تذكرة سفر ذهابا فقط الى دار السلام، حيث تعيش أمها. بيد أنه بمجرّد وصولها، أبلغتها والدتها بالمكوث في مكان آخر، لتنتقل للسكن مع إحدى خالاتها، وتنقلت بالعمل من تعليم أطفال الحي إلى موظفة استقبال لدى وكالة لبيع الشاحنات، لتنال لاحقا شهادة الدبلوم بأعمال السكرتارية. تقول خديجة: «كان على جميع شقيقاتي الباقيات في كينيا الزواج في سن مبكر لأنهن لم يجدن فرصة عمل».
اليوم، تزوّجت خديجة مرة أخرى، وتعمل لدى مؤسسة تنزانية رائدة تبحث بميدان تخفيف حدة الفقر، حيث تدير شؤون المناسبات والشراكات، علاوة على عملها بمنظمة مبادرات الحجاب الوردي. وعندما تحتاج متحدثا لمناسبة ما، فمن المعتاد لديها الاتصال بنائب  رئيس الجمهورية، سامية سولوهو، وهي أول إمرأة تتبوأ هذا المنصب الرفيع.
تقول بلاندينا كيلاما، زميلة خديجة والباحثة في مؤسسة تخفيف حدة الفقر، عنها: «إنها أكثر من جريئة، وتجلب هؤلاء المتحدثين من كبار المسؤولين ولديها وسيلة لتنظيم ذلك أكثر مما يملكه فرد عادي». وتعمل خديجة بالتنسيق مع نشطاء آخرين بمجال حقوق الإنسان من دول شرق أفريقيا، وستشرع سنة 2022 بتوسيع أعمال منظمتها لدول أخرى، منها كينيا وأثيوبيا وأوغندا والسودان.
تقول كيلاما: «لدى خديجة القدرة على فعل ذلك، فقد كافحت بصلابة شديدة كي تكون مستقلة، وترغب برؤية بقية النساء يصلن أيضا لهذه المكانة الطيّبة».
 
مجلة أوزي الأميركية