رسائل أخماتوفا لجوزيف برودسكي

منصة 2021/03/23
...

ترجمة: مهند الكوفيّ
في مطلع الخمسينيات والستينيات اتضح أنَّ حياة الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا، مرتبطة بحياة أربعة من شعراء مدينة لينينغراد الروسية (سانت بطرسبورغ) - في ذلك الوقت- ديمتري بوشيف، أناتولي نيمان، أوجين راين وجوزيف برودسكي. شكل هذا التقاطع بين الأرواح والتقاليد، واحة أدبيَّة مذهلة تحتاج إلى دراسة دقيقة. لقد وضع البداية بالفعل كتاباً في نهاية النصف الأول من القرن العشرين ونشر فيه "حكايات أنا أخماتوفا". في العدد الثالث عام 1989. وتم نشره منفصلاً. (موسكو، 1989).
تحتل أحياناً العلاقات بين الشعرء العظماء المعاصرين والمنفصلين عن طريق القرون والعقود، إلى حوارات متعددة الطبقات والمعاني. وهي ظاهرة ثقافيَّة عامة فريدة من نوعها. كحوار، مانداستام ودانتي. 
 وحوار مقيد آخر لكنه مستمر بين الكسندر كوشنر وباراتنسكي. وحوار الحميمية الافتراضي بين أخماتوفا وبوشكين. يستمر الحوار بينها وبين الشاعر جوزيف برودسكي المكثف خلال حياته حتى يومنا هذا.
بناءً على حديثه الرائع مع سليمان فولكوف. (القارة، العدد 53، 1987). ليست الطبقة التبريرية دائماً أهم طبقة بين الشعراء المعاصرين، من السابق لأوانه تقييم هذه الطبقة، في علاقة أخماتوفا وبرودسكي. أعتقد حان وقت النقاد والأدباء أنْ يحملوا على عاتقهم هذه المرحلة. في أوراق جوزيف برودسكي المخزونة، بناءً على طلب والده الراحل، الكسندر إيفانوفيتش، تم نقل أشيائه إلى قرية نورينسكوي، إقليم ارخانجلسك. 
تم العثور بين كتبه على ثلاث رسائل من آنا أخماتوفا. حيث كان المرسل إليه أناتولي نيمان. اتصلت بجوزيف وسمح بنشر الرسالة. وظهرت لأول مرة في مجموعة أخماتوفسكي المنشورة في باريس عام 1989، كُتب فيها ثلاث رسائل، وخاتمة من آنا أخماتوفا إلى جوزيف برودسكي، الشاعر الروسي الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1987. هو الآخر اضطهد، من قبل السلطة الشموليَّة. حيث حكم عليه بالسجن خمس سنوات، وبعد انتهاء محكوميته، أسقطت عنه الجنسيَّة السوفييتيَّة ونفي خارج البلاد. حصل على الجائزة في أميركا، وتوفي هناك عام 1996. 
 
الرسالة الأولى20/
تشرين الاول 1964
جوزيف
من المحادثات التي لا تنتهي، هي التي أجريها معك ليلاً ونهاراً. حتى تعرف كل ما حدث وما لم يحدث.
ما حدث: 
الآن المجد، عتبة عالية!
لكن الصوت ماكرا، لا تصغي إليه.
احذر...
ما لم يحدث بعد:
أعتقد أن الفجر هو الفيصل!.
عدني بشيء واحد، أن تكون بخير كي أبقى بصحة جيدة. لا شيء أسوأ من الضمادات الساخنة، الحقن والضغط المرتفع في هذا العالم! أسوأ من الفناء ذاته. أحتاج لحروفك، التي تضع الناس على المسار الصحيح، التي ترسم البهجة والأمل على كل من يقرأ قصائدك المأسورة بها كثيراً.
 
الرسالة الثانية
15/ شباط 1965
يوسف...
من شموع سيراكيوز، أرسل لك ضوءها القديم ورتابته، مسروق على الأغلب من بروميثيوس. أنا في كوماروف، في بيت الإبداع. آنيا ورفقاؤها معي. تذكرت خريفنا الماضي وموسيقاه الجميلة، ومقاطع من قصائدك الرائعة. التي استرجعت كلماتها مرة أخرى. شدني فيها عظمة التركيب والموسيقى. تتحول السماء بالفعل الى اللون الوردي في المساء، بالرغم من أنَّ الجزء الرئيس من الشتاء لا يزال بعيداً. أريد أنْ أشاطرك أمراً، أنا أموت من الحسد الأسود! إنَّ كتابات ليون فيليبي، جعلتني أحسد كل كلمة وكل تركيبة لغويَّة. يا له من رجل عجوز! ويا له من مترجم بارع. لم أر مثله من قبل. تعاطف معي رجاءً، هل هو كذلك؟ 
الآن تسلمت محادثتك.
شكراً لك، يبدو لي أنني كتبت هذه الرسالة منذ فترة طويلة.
 
الرسالة الثالثة/ آنا اخماتوفا كتاباتي 1965
عزيزي يوسف...
أصبحت الرسائل الآن هادئة، مكونة من ثلاثة أرقام، قررتُ أنْ أكتب لك رسائل حقيقيَّة موجودة في ظرف مختوم مع عنوان، وكنت محرجة بعض الشيء. حالياً، مدينة سانت بطرسبورغ قلب الصيف. كل شيء هنا يضيء من الداخل. أتذكر أيام هذه المدينة المختلفة أنا في الباحة الخارجية من بيت الإبداع، صرخت كثيراً، كما الغربان! كما أستمع إلى بورسيل الذي حضر من أجل نصيحتك (ديدو وأينيس) هذا شيء جريء لدرجة لا يمكنك التحدث عنه. أتذكر البعوض؟ كان يعيش معك، هل مات؟ لم يعد لدينا منهم؟ تولينا أنا وتوليا، ترجمة ليوبارد. أيام جميلة قضيتها. وتبقى كلمات السنة الماضية "عظمة التركيب اللغوي" الشيء الرئيس الذي أرددهُ دائماً. خالص الشكر لك على المحادثة. لقد نجحتَ حقاً في الأسلوب العتيق. سواء في النوع الرسولي أو في الرسومات التي أتذكرك كلما أراه. أتذكر دائما الرسوم التوضيحية لبيكاسو إلى "التحولات". تذكرتك عندما قرأت يوميات كافكا. هنا يكمن طي النسيان والفقد، أو كما يظهر في أوراقي. 
عيناك المشردتان
والأقوال الجليدية
وإعلان الحب.
قبل اللقاء الأول...
لا لقاء لي معك على الأرض، يكفي أن تبعث لي التحايا، عبر النجمة الضاحكة، كلما انتصف 
الليل.