فنانو الشرق الأوسط.. يرسمون عوالم متخيلة للجوء وسط الجائحة

بانوراما 2021/03/27
...

مارك جنكينز
ترجمة: شيماء ميران
في وقت ومكان من العزل المفروض، قد تكون النوافذ بمثابة عيون على الروح، وهو ما يفسر سبب وجود الكثير من الصور عبر البوابات في “الفن في العزل: الابداع في زمن كوفيد- 19”، ويظهر التنوع الحاصل في الحجر الصحي والتباعد مدى ما يضمه العرض في معرض كلية فنون الشرق الاوسط MEI في واشنطن والذي يجمع 53 عملا فنيا نفذها 39 فنانا من15 دولة، 15 منها فقط على الانترنت انجزت جميعها في 2020، لكن بعضها يصور المخاوف التي سبقت الجائحة بكثير.
قررت رانيا مطر المصورة الفوتوغرافية لبنانية الاصل ان تصورهم من خارج منازلهم، لعدم قدرتها على زيارة الاصدقاء اثناء إنتشار كوفيد- 19  في بوسطن، وركزت مواضيعها بين النوافذ والابواب المتشابهة لكنها منفصلة. أما عاصم احمد المصور الفوتوغرافي اليمني فقد اخذ كامرته إلى الداخل لتصوير فتاتين حبيستين بسبب الحرب والفيروس، وهما واقفتان في الظل وتحدقان بشكل بائس إلى ضوء الشمس. 
ويصوّر الفنان الفلسطيني محمود الحاج مناظر كئيبة للمدينة من صور لعبوات الادوية، وأدخل عليها صورا صغيرة لاشخاص مطلين من النوافذ وضعها وسط زوايا مكان الحبوب الفارغة في اشرطة الادوية. اما لوحة الرسامة هيلين زغيب من بيروت، فتبدو اكثر مرحا فقد وضعت الجمال بنمط روي ليختنشتاين خلف شاشة ديكور ثلاثية الابعاد، لكن العائق في دمج قطعة الوسائط بالاعمال الفنية في واشنطن هو مصغر المشربية او الشناشيل المصممة لإخفاء النساء عن اعين الرجال في الثقافات العربية القديمة.
وبعض الصور للمناظر الطبيعية تكون حقيقية وليست متغيرة، ويستحضر المصور الفوتوغرافي السعودي معاذ العوفي الخراب بلقطة واسعة لصحراء تتناثر فيها سيارات متروكة، في حين يسافر الفنان الفلسطيني جاك برسكيان عبر الزمن من خلال تجميع صور لمدينة القدس المعاصرة مع منظر للمنطقة ذاتها في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كانت حيا مغربيا، لتُستذكر هاتان الصورتان الاحساس بالخسارة. 
ومثل زغيب، يضع المصور الفوتوغرافي المغربي البلجيكي موس لامرابات العرب مع الاميركان بشكل غريب، مصورا امرأة محجبة وهي تمسك ورودا صفراء في وعاء البطاطا المقلية بدرجة لون مقارب لحجابها الاحمر، بينما تستخدم ميليسا شيميرا، من جزر هاواي لبنانية الاصل، نمط المخطوطات الفارسية القديمة لتحول المشهد البحري الرمزي، الذي يظهر ابواغ كورونا فيروس وافراد طاقم السفينة وهم مجهزون بأقنعة وجه خاصة بالجراحة.
وبنمط مماثل يُسّخر التركي اورهان اوز الاثر الجانبي المستهلك للجائحة بلفافة محارم الحمام المصنوعة من شريط لاصق فضي، وبمزيد من التشاؤم، لم يصور الفنان العراقي الايطالي اذار جابر تغطية الوجه بالقماش، بل بأقنعة مضادة للغاز منحوتة من الرخام بأناقة.
يمكن للعزل ان يتجسد في اشكال بشرية. إذ تضع الرسامة التعبيرية السودانية داليا عبد الإله بشير امرأتين مكشوفتين مظللتين باللون الازرق، لذلك هم حميمون ولكن 
بعيدون. 
وفي الصورة الثنائية للمصورة الايرانية الاميركية سبيده صالحي، تغطي امراة وجهها بيدها، بينما يتحول ذراعها إلى مشهد طبيعي بعيد لكنه واضح للعيان.
ويتضمن الاختيار اعمالا تجريدية، لكن معظمها تبدو اقل اهمية من الاعمال التمثيلية. وكان الاستثناء البليغ هو لوحة الفنان سينا عطا الاميركي عراقي الاصل ويعيش في الاردن، إذ قام بتغطية لوحة خشبية بشقوق تمثل كل واحدة منها روحا فقدناها بسبب كوفيد- 19، رشَّ سطحها باللون الازرق البحري، لتجسد احتجاجا على ضياع الشخصية، والموت ذاته فعلا الذي ينبض بالحياة.
 
قدّاس الموت
لقد انتهى العام الكئيب مؤخرا، ولا يزال فنانو معرض فاوندري لا يفكرون بالربيع. وذلك واضحا من عنوان العرض لجميع الاعضاء في المعرض وهو (قداس موت)، إضافة إلى مخططات الاعمال الفنية ذات الطابع الجنائزي. وواحدة من قطع جاي بيترزيل وهي جدار من الفحم الاسود يعطي شعورا بالظلم المتعمد، حتى ان فران أبرامز نحاتة طين البوليمر تخلت عن الوانها الزاهية المعتاد، واتجهت إلى اللون الرمادي والاسود 
والابيض.  
وعلى ما يبدو أن اسم العرض كان مقترحا عن عمل الفنانة باتسي فليمينغ “قداس الموت في الكهف”، والذي تتخلل حافاته الخشنة السوداء والبيضاء اشكال حيوانات بسيطة ما يسترجع رسومات الكهوف لعصور ما قبل التاريخ، ووظف العديد من المشاركين الاخرين ألوان الباستيل او الالوان البراقة، لكنهم يخضعونها لإيماءات سوداء عدوانية. ونفذت هيستر أوبي هذا بتجرد في “الحزن”، وباربرا بليسكين مجازيا مع “الشمس المشرقة تجلب الأمل”، والتي على ما يبدو ان وجوهها المشوهة ليست بذلك القدر من التفاؤل.
تشير بعض القطع إلى احداث العام 2020 على وجه الخصوص، وتتطلب اللوحات النصية الثقيلة للفنانة إيمي باركر ويلسون الطموحة كل من العدالة العرقية واليأس من تنفيذها، ويتأمل رسامو دولاي نوتيد، وهو فريق مكون من كورتيس سيبتيلي ومات مالون، المنظر الداخلي لفترة الجائحة المصباح والنبات والقدمين من وجهة نظر شخص متسكع. وبالفكرة ذاتها وان لم تكن مرتبطة بوضوح مع الاحداث الاخيرة، رسمت كورتني آبلكويست بالقلم والفحم الانيق أيدي متشابكة لكن غير منفصلة.
إن صور العرض ليست اقل قسوة. إذ تحوّلت إحدى اللوحات التجريدية التي اوجدتها غوردانا غيرسكوفيتش لجدار أبيض اللون جزئيا إلى قصيدة بسيطة، وتقوم كاثرين بلاكسلي بنحت اطارات ضخمة في الخارج لابراز الظلال الذي تكونه، وبنحت مماثل صورت كاثرين موهرمان دخان ابيض على خلفية بيضاء. وكما مُصور فالبخار الملتف يُجسد الحضور القوي لكن يمثل الغياب ايضا 
وبالتالي يكون مؤلما.
 
كيت سابل
يستمر التوتر بين الوحدة والاضطراب معلقا في لوحات كيت سابل، وتعد الالوان الزيتية في عرض بازو للفنون الجميلة “هل يمكن أن أكون مجرد أي شخص” في صالة عرض ريستون حدسية وتجريدية بالكامل، مع أن ألوان سابل الجريئة وايماءاتها المطلقة موجودة بشكل كبير في حافات وانماط واشكال بعضها يشبه القرون والبذور والخلايا، ليحاكي الظلال احيانا العمق، ويقطر ببطء فوق التراكيب، كما لو انه يطوق الحافة الاخيرة للفوضى. وتُظهر النماذج الاساسية الظاهرية احيانا في بعض الاعمال الصغيرة جميعها بالشكل نفسه، والتي تكون ابسط وبشكل جذاب صريح. واخبرت سابل زوار المعرض ان هذه الصور هي “يوميات”، والقصص التي ترويها لا يعرفها الا الفنان، لكنها مقترحة من عنواين منطقية مثل “هذه قائمة اشياء رائعة عنك، لكني اكرهك لذلك رسمت فوقها”. تذكرنا الصور بالفن التجريدي الاوروبي لأوائل القرن العشرين، لكن بجسدية اقرب للنمط التعبيري التجريدي الأميركي لفترة ما بعد الحرب، اما اغلب الصور الحديثة فقد اضافت نكهة اخرى باستخدام الوان النيون التي يقول عنها الفنان “انها عاثت فسادا في العمل”، وهو احد دوافع سابل الواضحة، لكن 
من الواضح ان المحافظة على التوزان لا تقل اهمية.
عن صحيفة واشنطن بوست